بقلم: يوسف أبو زر
لم تنتصر الثورات العربية ولم تكتمل، ولكنها لم تنهزم، وهي ببساطة لم تنتهِ، وكل ما انتهى منها هو الموجة الأولى، فالحالة الثورية إنما تلغى بإلغاء أسبابها، والحالة التي بين أيدينا لم تلغَ أسبابها، بل العكس، فقد تكثف كل سبب منها بدرجة هائلة، وأضيفت إليها أسباب وأسباب، فحجم الفقر والقهر قد تضاعف، وحجم الظلم والاستبداد قد ازداد، وأما محاربة الأمة في دينها فقد فاق كل حد، حتى وصلت الأنظمة إلى حالة من الردة عن كل القيم، بما فيها شعاراتها الزائفة القديمة، وهي قد عقدت حلفا مع كل عدو للأمة وشعوبها، وعلى رأسهم كيان يهود.
إن مؤشرات الأداء التعيس للأنظمة إن كانت قبيل بدء الثورات بمثابة برميل بارود، فإنها الآن بركان، وهي قد انحدرت جدا عما كان، سياسيا واقتصاديا ونقديا وأمنيا وعسكريا وغير ذلك، بل وأكثر من ذلك أنهم لم يبقوا للأمة شخصية ولا للشعوب كرامة!
عدا عن ذلك فقد انحدر الحكام أنفسهم، إذ كان يتمتع أسلافهم ببعض الذكاء، وهو ذكاء الخبث الذي كان يمكنهم من تنفيس الناس، أو تخديرهم، أو إشغالهم وصرفهم عن قضية إلى أخرى، أما الآن فإنهم لا يبذلون جهدا سوى في استيراد الفساد وصناعة التمييع، والتعويل على الخوف والقمع والتجويع، وعلى تحويل مجتمعاتهم إلى مجتمعات دنيوية مستهلكة، بينما ضيقوا عليهم الدنيا وسلبوا قدرتهم على الاستهلاك في ذات الوقت، ولم يبقوا لهم خيارا، ففقدوا بذلك مهارة أسلافهم في التخدير ولكنهم أبقوا على الألم، ومن هنا كان الوصف للأنظمة بأنها انتهت أكثر صحة وانطباقا منه للثورات.
ومن ناحية أخرى، فقد كان في قلب الموجة الأولى من الثورات نخب ضلت وأضلت، عولت على الدعم الغربي، وجلست في أحضانه، بصفته راعي الحريات الكاره للاستبداد، ولكن الغرب المنافق وظف هذه النخب في إعادة تدوير الاستبداد وتجديده، فسقط الغرب وأسقط معه النخب، ولم يعد جهة يركن إليها، ولن يركن إليه مستقبلا إلا عميل ليفضح نفسه.
ومؤخرا، برز سبب جديد من العيار الثقيل لينفخ في الحالة الثورية، وهي حرب غزة، لتعطي الأمة الإسلامية برمتها نموذجا عن "الممكن" الذي تصنعه العقيدة، ولتفتح عيونها من ناحية أخرى على حالة العجز الهائل، المخزي والمحرج، والشلل الكارثي، والغثائية التي أدخلها فيها حكامها عبر السنين، والتي لا تزول إلا بزوالهم.
أمام هذه الحالة، فإن سنن المجتمعات تعمل، وفي كتاب الله سنن ربانية لا تتخلف، مهما عمل الظالمون لفصل النارعن الهشيم، وإن الغيوم تتلبد، والاحتقان خطير شديد، وأخطر ما فيه أنه لا يعبر عن نفسه، أو بالأحرى لم يعد يؤمن بالوسائل القديمة في التعبير وفي التغيير، وكل ما سبق يبشر بأن التغيير القادم سيكون مزلزلاً كاسحا، عميقاً جذريا، يسير بالإسلام، ونحو الإسلام والخلافة، خاليا من شوائب الغرب الساقط ونخبه العلمانية، ولعل شرارته الآتية في سقوط نظام، (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) .
16-1-2024