كثر هم من يظهرون على شاشات الفضائيات، وكثر هم من تذكر أسماؤهم في نشرات الأخبار المسموعة والمرئية والمكتوبة، وكثر هم من يسمون قادة، ورؤساء، ووزراء، لكن قلة هم من يحسنون صنعا، وقلة هم من يعلمون كيف تورد الإبل.
والناظر إلى حال من يسمون بالقادة، قادة أحزاب أو حركات أو دول، يرى أنهم يتصرفون ويصرحون ويتجولون متوهمين وموهمين غيرهم بأنهم القادة الحقيقيون لشعوبهم، حتى أن بعضهم خال نفسه قائدا بالفعل من طول فترة تمثيله على غيره بأنه قائد فعلي لهذا الشعب، أو هذه الحركة، فأصبحت ترى في أقواله وفي حركاته ما يشعرك بأنه قائد متنفذ له الأمر والنهي.
وفي هذا السياق لفت نظري قصة بيت الشعر الذي استوحيت منه عنوانا لمقالتي
أوردها سعد وسعد مشتمل ** ما هكذا يا سعد تورد الإبل
حيث سعد هذا، هو سعد بن زيد مناة أخو مالك بن زيد مناة . ومالك هذا هو سبط تميم بن مرة. وكان يحمق، ثم إنه تزوج وبنى بامرأته ، فأورد الإبلَ أخوه سعد ولم يحسن القيام عليها والرفق بها فقال مالك :
أوردها سعد وسعد مشتمل ** ما هكذا يا سعد تورد الإبل
يضرب لمن قصّر في الأمر أو لمن تكلف أمراً لا يحسنه.
وعندما ذكر بيت الشعر هذا وبحثت عن قصته، جال في خاطري مواقف لمن يسمون بالقادة، وبالأخص من يتلاعبون بما يسمى "ملف القضية الفلسطينية"، فترى هذا الزعيم لتلك الحركة، يلتقي مع قادة دول كبرى وكأنه رئيس دولة، وترى آخر ظن نفسه رئيس دولة، فتراه يقوم – بجولات مكوكية- لتنشيط ملف المفاوضات، والآخر يُسمى رئيس وزراء، وما هو إلا ناشط في أعمال جمع الأموال وتنفيذ خطط الممولين، وآخر يسمى وزير أوقاف إسلامية، وما هو إلا كغيره من الوزراء والمسئولين في مثل هكذا سلطة تحت الاحتلال، أفضل وصف لها هو أنها ذراع أمني وإداري لكيان يهود، وأعلى سقف لحل مشاكلهم هو الدعوة للجلوس مع المحتل للتنازل عن ما تبقى من فلسطين.
وما وقاحة يهود في اعتبار المسجد الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح ضمن المناطق التراثية "الإسرائيلية" إلا أكبر دليل على حجم هؤلاء القادة جميعا في أعين أعدائهم، هانوا على أنفسهم فهانوا عند أعدائهم، وسقطوا من عيون أمتهم.
بل إن القادة في فلسطين، تنازعوا أمرهم على من هو "القائد الشرعي الحقيقي" الذي جاء عبر الانتخابات التي تم إجراؤها تحت حراب الاحتلال، فأصبحوا شقين، شق في غزة، وآخر في الضفة، هناك يستقبلون الوفود والزعماء والقادة، وهناك يصرحون ويحفظون أمن يهود، وهنا يعلنون هدنة، وهناك ينتظرون رد أميركا على "مقترحاتهم"، والبعض يلتقون مع مدير المخابرات المصرية لحل قضيتهم وإنجاز مصالحتهم.
ويجمع شقي السلطة في غزة والضفة أمر واحد، إقامة ما يسمى بدولة فلسطين على حدود ما احتل منها عام 67، مما يعني الاعتراف الكامل من شقي السلطة في غزة ورام الله بحق كيان يهود في ما احتل من أراض عام 48، وما سيتم الاتفاق عليه ليكون مناطق للدولة الفلسطينية من الأراضي التي احتلت عام 67.
هكذا هو الحال، في ظل غياب حكم الإسلام، يورد الإبل من هو ليس أهلا لأن يوردها، تماما كما حصل مع مالك، وأخيه سعد. وإن سلطنا الضوء على قيادات وزعماء ووزراء فلسطين، فهذا لا يعني أن قادة الدول في العالم الإسلامي هم أحسن حالا، بل إنهم في الهمّ شرق. فلا هم قادة ولا هم يحكمون بالإسلام، ولا هم أصحاب قرار، بل إنهم وبلا استثناء منفذين لقرارات وأوامر أسيادهم – أعداء الأمة الإسلامية.
إن فلسطين هي أرض إسلامية، لا يجوز ولا يملك أحد أن يتنازل عن شبر واحد منها لكيان يهود الغاصب المحتل.
والساسة الحقيقيون والقادة الحقيقيون هم الذين اتخذوا من قضايا الأمة الإسلامية همّا لهم، ويريدون حل قضايا الأمة الإسلامية وفق منهج الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله الكريم محمد صلوات ربي وسلامه عليه.
إن حل قضية فلسطين، وحل قضايا الأمة الإسلامية جمعاء لا يكون إلا باستئناف الحياة الإسلامية، بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، كما بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فبعد أن تعطي جيوش الأمة النصرة لأهل الدعوة، وتقوم الدولة، عندها ستفرز الأمة بشكل طبيعي قادتها وساستها، الذين يخشون الله فيها، ويسوسوا الأمة بأحكام الإسلام، ويحررون البلاد والعباد من رجس يهود وأميركا وبريطانيا، فيسيرون الجيوش، جيوش العزة، لكل أرض احتلها أعداء الأمة ليطهروها من رجسهم، وما ذلك على الله بعزيز.