يخاطب الله الناس كل الناس في سورة الحجرات بقوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾، يخاطبهم بهذه الحقيقة القرآنية التي لم يخطر على بال بشر أنها ستكون محل جدال؛ لأنها فطرة لا يعاندها سويّ، فلا يوجد في البشر غير جنسين هما الذكر والأنثى، وعلى بديهية هذه الحقيقة إلا أن شياطين الإنس يجهدون في محاربتها ومعاندة الفطرة، ليعبثوا بعقول أبنائنا وشبابنا، ويجعلوا الشذوذ شيئا طبيعيا، وحرية تحمى بالقوانين والأنظمة، وبقوة الأجهزة الأمنية وسطوة الطغاة الذين نصبهم الكافر المستعمر حراساً على مصالحه وأدوات لتنفيذ خططه في بلادنا!
يأتي ذلك كله في محاولة من الدول الاستعمارية للسيطرة على الأمم والشعوب ومنها الأمة الإسلامية التي تشكل لهم مصدر الخطر، فهي الوحيدة التي تستطيع أن تقف في وجه باطل الدول الاستعمارية والغرب المجرم، بما تحمله من مبدأ عصي على التطويع.
فالغرب المستعمر لا يرى في العالم غير الثروات، ويقترف المذابح والمجازر ويلوح بالأسلحة النووية وقتل الملايين من أجل مصالحه، فلا قيمة عنده للدماء والأعراض ولا يلوح في خياله إلا القيمة المادية التي تقوم عليها حضارته، وهذا الغرب المنحرف عن جادة الحق والفطرة السليمة صنع في بلادنا أنظمة وحكاماً ودولا وضع عليها حراسا يحرسون مصالحه، وهؤلاء الطغاة الذين يحمون هذه الدول المنشأة على مزاج الغرب المادي المنحرف لا يألون جهدا في تنفيذ خططه على الأمة.
أمة كريمة كابدت وما زالت تكابد تلك الخطط وذاقت مرارتها على جميع المستويات؛ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي، فضاعت البلاد، وفرطت السلطة الفلسطينية في أوسلو وغيرها من الاتفاقيات بجل الأرض المباركة، وتنازل حكام المسلمين عن سيادة الأمة وسلطانها، فعجت بلاد المسلمين بقواعد عسكرية للغرب، تخرج منها جيوشهم ومقاتلاتهم لتقصف المسلمين وتسحق مدنهم، حتى وصل بالغرب أن يحتل أرضنا ويستبيح ثرواتنا، بل ويغير مناهجنا التعليمية ويغزونا بثقافته العقيمة الشاذة.
شذوذ اصطدم بأمة عظيمة يخرج منها دوما من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقاوم هذا الاستعمار، سواء ماديا، أو يقف في وجه أفكاره وثقافته ومعتقداته ويرفض أن يصبح علمانيا.
وقد أيقن الغرب أن من يصنع المقاومة له ويخرج هذا الجيل هو الأسرة، الأب والأم الخيرون الذين فلتوا من إطباق منظومة الاستعمار عليهم، يربون أبناءهم على لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعلى كلمة حرام التي تضع خطوطا حمراء لأبنائهم وتحصنهم أمام الهجمة الغربية؛ لينتج بذلك جيل يقاوم هذه المنظومة العالمية، فكان لا بد للغرب المستعمر من توجيه سهامه إلى هذه الأسرة، ولا بد من نزع ولاية الأب والأم عن الأطفال، حتى يستطيع والمنظومة الشيطانية أن تربيهم حسب كما تريد بنزع هؤلاء الأطفال من الأسرة وإبعادهم عن تأثير الأب والأم عليهم.
فالغرب المستعمر يعتقد أنه بسيطرته على المناهج ووسائل الإعلام ومواقع التواصل والمخيمات الصيفية والنشاطات اللامنهجية في المدارس يستطيع أن يكون المربي الحقيقي للأطفال والمهيمن الأول على عقولهم، وحتى تكتمل دائرة السيطرة لا بد من نزع سلطة الآباء على أطفالهم... ولهذا ابتكروا قانون حماية الطفل والأسرة.
حماية الطفل ممن؟! هل حماية الطفل من كيان يهود؟! من المستوطنين؟! أم حماية أطفال المسلمين من طائرات الحلف الصليبي التي قصفتهم في الموصل وحلب وأفغانستان والعراق؟! أم حمايتهم من الطغاة والجلادين ومن أقبية السجون؟!
طبعا لا، فالحماية المقصودة فعليا هي حمايتهم من تأثير الآباء والأمهات الخيرين عليهم.
فالقانون المنبثق أساسا من اتفاقية الطفل العالمية ومن اتفاقية سيداو التي تريد صياغة المجتمع بأهواء وثقافة الغرب، والذي أقدمت السلطة الفلسطينية على نشر اللوائح التنفيذية له قبل أيام، يعني أن الطفل له الحرية في اعتقاده وخصوصيته وتحديد نوعه الاجتماعي أي حريته في الشذوذ واختيار جنسه بناء على ميوله فيختار أن يكون ذكرا أو أنثى بغض النظر عن تكوينه البيولوجي، والسلطة وأجهزتها أمام هذه الخيارات الشاذة يقع عليها دور تقديم الحماية.
الحماية من سلطة الأب والأم والأسرة في تحديد خيارات الأطفال وبذلك تجعل العلاقة بين الأب وبنته والأب وابنه علاقة توتر وعداء وليست علاقة تربية طاعة، فالمنظومة الفاسدة التي تطبقها السلطة وغيرها من الأنظمة الحاكمة في بلادنا تغرس في الأبناء من خلال المناهج والدورات والنشاطات اللامنهجية والمخيمات الصيفية أنهم أحرار فيما يعتقدون، أحرار في نوعهم الاجتماعي، أحرار في خصوصيتهم، ومن يتعدى على حريتهم يجب أن يعاقب، فحديث المصطفى ﷺ: «مُرُوا أَبنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفرِّقُوا بينهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» يعتبر في عرف ذلك القانون اعتداء على حريتهم، واضربوهم عليها يعتبر عنفا، وفرقوا بينهم في المضاجع تدخلا في الخصوصية يعاقب عليه ذلك القانون.
والواقع يشير إلى خطورة الهجمة على أبنائنا فهم يتعرضون لعاصفة هوجاء توجههم باتجاه العلمانية والثورة على الإسلام والمعتقدات والثقافة الإسلامية من خلال منظومة كاملة من المناهج والنشاطات اللامنهجية في المدارس والمخيمات الصيفية ووسائل الإعلام ومواقع التواصل، ومن خلال المنح الدراسية التي يؤخذ فيها فلذات أكبادنا ليعيشوا في أسر في أمريكا أو أوروبا بعيدة كل البعد عن الإسلام لمدة معينة ليخرج لك الطفل بهذه الثقافة.
ثقافة ينبغي علينا أن نبذل وسعنا ونجتهد في تحصين أبنائنا منها وتعليمهم الثقافة الإسلامية التي تحفظهم من هذه الهجمة الشرسة عليهم وعلينا. وبغير تلك الجهود لا يستطيع أحد أن يسيطر على نتائج تلك المنظومة الخبيثة، فهذا ما يقدمه الغرب لنا وهذا ما تريده السلطة أن ينفذ في بلادنا، ويتحتم علينا كمسلمين الوقوف أمام هذه الهجمة والعمل على إسقاط هذا القانون وغيره من القوانين الإجرامية في عمل متواصل متكاتف يشمل الأمة كلها لاجتثاث كل نفوذ للغرب المستعمر وأدواتهم وقوانينهم في بلادنا للوصول لإقامة الخلافة الراشدة التي تطبق الإسلام علينا وعلى فلذات أكبادنا ليتلألأ في الأمة أبطال كخالد وصلاح الدين يعيدون للأمة مجدها وعزتها ومكانتها كخير أمة أخرجت للناس.
بقلم: الدكتور مصعب أبو عرقوب
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)