بعد أن اتهم وزير الشئون المدنية في السلطة الفلسطينية حسين الشيخ في الثامن من الشهر الجاري، الاحتلال "بإضعاف السلطة الفلسطينية عبر الاقتحامات اليومية للمناطق الفلسطينية ويأتي بعدها ليتبجح ويقول إنّ السلطة ضعيفة وعاجزة عن بسط سيطرتها على مناطقها".
وشدّد في تصريحات لموقع "والا" العبري على أنّ السلطة لا يمكنها أن تقبل بواقع تقتحم فيه قوات الاحتلال الأراضي الفلسطينية كل ليلة وبعدها تطلب من السلطة العمل في النهار ضد المسلحين موضحا، أنّه عرض على سلطات الاحتلال "التوقف عن اقتحام المناطق الفلسطينية كفترة اختبار لمدة 4 أشهر؛ سعياً لتهدئة الأوضاع، إلا أنّ الاحتلال رفض العرض". واتهم الشيخ سلطات الاحتلال "بخنق السلطة الفلسطينية اقتصادياً"، "يأتون بعدها بادعاءات بأنّ السلطة ضعيفة وغير قادرة على السيطرة على الأوضاع".
وبعد أن ترددت الأنباء عن لقاء سري جمع قيادات في السلطة مع قيادات من الاحتلال برعاية أمريكية، قامت أجهزة أمن السلطة، مساء الاثنين 19/09/2022، باعتقال مصعب اشتية من مدينة نابلس المحتلة برفقة اثنين آخرين من وسط مدينة نابلس، ومصعب اشتية هو أسير محرر ومطارد لقوات الاحتلال، التي هددت والده بتصفيته أكثر من مرة. وهو ما أثار حفيظة الناس بشكل قوي استنكارا وشجبا ومظاهرات وصلت إلى مرحلة المواجهات الميدانية كالتي اعتاد عليها أهل فلسطين مع قوات يهود، حيث رشق الناس سيارات الأجهزة الأمنية بالحجارة وكل ما طالته أيديهم من أدوات، وقابلت السلطة المواجهات بالرصاص الحي والغاز ونشر القناصة والاعتقالات. وهو ما أعاد المشهد جليا في أذهان الناس المعهود من عقود؛ مشهد قوات الاحتلال، فنطق الواقع والمشهد معبراً عن حقيقة السلطة وغاية إيجادها في فلسطين.
إذ إن السلطة باعتقالها أحد المجاهدين المطاردين للاحتلال، والذين يحظون بمكانة رفيعة في قلوب أهل فلسطين لما يمثله من روح النضال والكفاح في وجه الغاصب الغاشم، واعتقاله دون سابق إنذار أو حديث عن مخالفات أو أكاذيب حول تهم قد تبرر بها السلطة عملية الاعتقال، مثلما تفعل مع المعارضين والمخالفين لها واعتقالهم اعتقالا سياسيا بتهم ملفقة وافتراءات قانونية، شكل هذا الاعتقال هزة عنيفة ومؤشرا كبيرا على مدى جرأة ووقاحة السلطة في خدمة الاحتلال وتحقيق غاياته. فتجلى لدى الناس كيف أن السلطة تلعب دور جهاز أمني وذراع ضارب تبطش به قوات الاحتلال من تعجز عنه أو يشق عليها ملاحقته.
وخاصة أن هذه الحادثة أتت بعد تصريح حسين الشيخ المذكور أعلاه والذي لم يستنكر أو يرفض أن تقوم السلطة بأداء دورها كجهاز أمني لدى الاحتلال، ولكنه رفض أن يكون ذلك بالتزامن مع تنفيذ قوات الاحتلال بنفسها عمليات إضافية شكلت إحراجا للسلطة، وطالب بمهلة لإثبات كفاءة السلطة في تحقيق ما تعجز عنه قوات الاحتلال!
فالسلطة كما هو معلوم لم تنكر يوما دورها في التنسيق الأمني، بل إن كبيرها وصفه بـ"المقدس"، والأجهزة الأمنية إنما أعاد الجنرال الأمريكي دايتون بناءها على عقيدة الولاء للكيان الغاصب وقتل الأخ والأب إن جاءت أوامر القيادة بذلك، وهو ما رسخته الوقائع وممارسات الأجهزة الأمنية يوما بعد يوم، إذ لم تتوان السلطة يوما عن ملاحقة المطلوبين لدى الاحتلال، بل تؤدي دورا تكامليا مع قوات الاحتلال، بحيث بات من يُعتقل لدى السلطة أو الاحتلال، يعتقل لدى الطرف الآخر إما بعد أو قبل، لاستكمال عمليات التحقيق أو العقوبات.
وكذلك تخاذل قوات السلطة والأجهزة الأمنية عن توفير أدنى درجة من درجات الأمان للناس أمام اقتحامات أو اعتقالات أو عدوان قوات الاحتلال أو المستوطنين، بل إن المشهود أن الأجهزة الأمنية تُخلي المناطق التي تقتحمها قوات الاحتلال أو المستوطنون بالكامل من عناصرها وتبقي الناس في مواجهة مصيرهم وحدهم أمام طغيان العدو الغاشم.
فالصورة الواقعية المرسومة لممارسات الأجهزة الأمنية وتصريحات قادة السلطة هي صورة الذراع الأمني للاحتلال والحارس لدولته. وإذا ما أضيف إلى ذلك دور السلطة في ممارسة ورعاية مشاريع الإفساد الممنهج عبر المؤسسات والوزارات والإعلام ومناهج التعليم والجمعيات المشبوهة، حيث أصبحت السلطة إما فاعلا رئيسا في عمليات إفساد الناس والأبناء والنساء والأسر، أو مسهّلة وراعية للمفسدين وأصحاب الأجندة الغربية الخبيثة، وكذلك دورها في تجويع الناس وتركيعهم من خلال التضييق عليهم في لقمة عيشهم وإثقال كاهلهم بالضرائب كماً ونوعا، أفقيا وعموديا، ومشاهدة الناس كم أصبح دور السلطة بارزا في تكديس رأس المال بأيدي قادتها ورموزها وحاشيتهم وعائلاتهم ومن يليهم، على حساب الفقراء وعامة الناس، حتى أصبحت قيادات السلطة والمنظمة تتعامل مع مشروع السلطة كمشروع استثماري رابح ناجح يستأهل الاستماتة في المضي قدما فيه تحت أي ظرف كان.
كل ذلك مجتمعا يجعل من السلطة شجرة غرقد خبيثة لا نفع فيها ولا خير إلا ليهود، بل تضاف إلى سجل التحديات التي تواجه الناس في الأرض المباركة فلسطين، ويؤكد على الحقيقة الراسخة التي أكدنا عليها منذ بدايات السلطة بأنها ذراع أمني للاحتلال وطريق لإضفاء الشرعية عليه ودرجة في سلّم تصفية القضية لصالح الاحتلال الغاشم.
بقلم: المهندس باهر صالح
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
المصدر: جريدة الراية