أعرب الرئيس التركي أردوغان عن دعمه إقامه التعاون والحوار بين تركيا وكيان يهود، وأعلن وزير خارجيته أنَّ كيان يهود وتركيا قررتا تبادل السفراء بين الدولتين.
لفهم موقف النظام التركي وسلوكه الشائن هذا في تعامله مع كيان يهود كان لا بد من توصيفه وصفا دقيقا، فهو نظام علماني قام كغيره من الأنظمة في بلادنا الإسلامية على أنقاض الخلافة العثمانية، وقد ارتبط بالمنظومة الاستعمارية التي كانت موجودة آنذاك والتي ورثتها أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية.
والنظام العلماني الذي لا يحكم بما أنزل الله لا يُنتظر منه إلا المآسي وتقديم الخدمات للمستعمر، ومن هذا المنطلق تأتي تصرفات النظام التركي، فهو مرتبط سياسيا بأمريكا ويدور في فلكها، ويقوم بتنفيذ رؤيتها الاستعمارية في كل قضايا الأمة الإسلامية ومنها قضية الأرض المباركة، فهو لا ينظر إلى قضية فلسطين من منظور العقيدة الإسلامية التي تجعل الأمة الإسلامية في حالة حرب مع كيان يهود لإزالته وتحرير الأرض المباركة، وإنما ينطلق تنفيذا للرؤية الأمريكية التي تريد تثبيت كيان يهود في الأرض المباركة وإلقاء طوق النجاة له عبر حل الدولتين أمام أمة متحفزة لاجتثاثه.
ويتماهى النظام التركي بذلك مع السلطة الفلسطينية، فبعد أسبوع من إعلان تركيا والاحتلال إعادة العلاقات كاملة بينهما وعودة السفراء إلى البلدين كان أردوغان في استقبال عباس.
فالسلطة الفلسطينية والنظام التركي ملتزمان بالحل الأمريكي للأرض المباركة وهو حل الدولتين، وأراد أردوغان باستقباله لرئيس السلطة الفلسطينية أن يخفف من وطأة استقباله لرئيس كيان يهود ورفع أعلامه في إسطنبول والظهور بصورة المتوازن في تعاطيه مع قضية فلسطين، وأعطته السلطة بزيارة رئيسها لإسطنبول تلك الصورة المزيفة التي أرادها، وبعدم استنكارها لتطبيعه العلاقات مع كيان يهود ولو بكلمة تغطي على خيانته!
إن ارتباط النظام التركي بأمريكا بات مكشوفا ومليئا بالتناقضات أمام الأمة الإسلامية ناهيك أنه يتعارض مع ثوابتها ومعتقداتها وثقافتها، فأردوغان في قضية الحرب في أوكرانيا يطالب برجوع كل ذرة من تراب أوكرانيا بما فيها القرم، لكن عندما يتعلق الأمر بالأرض المباركة فإنه يطالب بحل الدولتين، أي بإعطاء جل الأرض المباركة ليهود، فأي منطق هذا؟!
ويطالب أردوغان فنلندا بأن لا تتعامل مع الأحزاب الكردية المعارضة له ويهدد بأنه سيعتبرها دولة راعية للإرهاب إن فعلت ذلك، وعلى الجانب الآخر فهو لا يعتبر كيان يهود راعيا للإرهاب وإنما يتبادل معه السفراء ويتبادل العمليات التجارية، فأي منطق هذا، سوى التورط فعليا في دعم كيان يهود سياسيا وأمنيا عسكريا اقتصاديا؟!
ثم ماذا يعني أن يعترف نظام أردوغان بكيان يهود، إلا أنها طعنة في ظهر الأمة الإسلامية، وأنه يعطي غطاء للجرائم التي يقوم بها كيان يهود في الأرض المباركة؟!
ماذا يعني أن يقوم أردوغان دائما بالتدخل للتهدئة في مواسم التصعيد والمجازر والقصف لقطاع غزة وعدم نصرته الحقيقية لأهل غزة؟! ألا يعني أنه يرخص قتل أهل الأرض المباركة؟ فكيان يهود يتمادى لأن أردوغان وغيره من الحكام الخونة العملاء يقدمون فقط التهدئة ويغسلون أيدي كيان يهود من دماء أهل غزة بدعوتهم للتهدئة، ومحاولة تهدئة الأمة من أن تثب وثبة واحدة لتحرير الأرض المباركة، ومن جانب آخر يمد أردوغان كيان يهود بسبل الحياة عن طريق التبادل التجاري الكبير وعن طريق المحفزات الاقتصادية وفتح أبواب تركيا لاقتصاده، فقد "أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن حجم التجارة مع (إسرائيل) في تزايد رغم كورونا، موضحا أن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد تجاوز 10 مليارات دولار العام الماضي" (سكاي نيوز عربية 25 أيار/مايو 2022).
فأي منطق يمكن لأردوغان أن يسوقه أمام الأمة لغسل عار دعمه لكيان يهود؟! فالدولة عندما تعادي دولة تفرض عليها حصارا، أما أردوغان فينغمس بالتطبيع وتبادل السفراء والتبادل التجاري الذي يضرب أرقاما فلكية مع كيان يهود! وفي الوقت نفسه يتناقض مع نفسه لتنكشف تبعيته للسياسة الأمريكية فيشارك في فرض حصار على روسيا فيغلق المضائق أمامها وقد فتحها لها عندما تحركت سفنها لقتل إخواننا في الشام!
لم يبق أردوغان لنفسه أمام الأمة توصيفا إلا أنه أداة تنفيذية بيد عدو الإسلام أمريكا وداعم حقيقي لكيان يهود سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
إلا أن الأمة الإسلامية ترى في تركيا وأهلها صورة أخرى تختلف عن صورة أردوغان ونظامه العلماني المقيت، فيمكن لتركيا إن هي استعادت سيادتها وإرادتها السياسية وعادت إلى ما كانت عليه تركيا محمد الفاتح والأبطال الأفذاذ، يمكن لها أن تحرر فلسطين في ساعة من نهار، فالجيش التركي من أعظم الجيوش في العالم ويعد رابع أكبر جيش في العالم.
إن الأمة الإسلامية على يقين أن تركيا يمكنها تحرير الأرض المباركة، بل يمكنها أن تخلص الأمة الإسلامية من هذا الاستعمار ومن هؤلاء الطواغيت في سوريا وفي كل مكان، لكن الذي يحول بينها وبين هذه العظمة وذلك المجد هو النظام العلماني الذي يدور في فلك أمريكا، هذا النظام هو الذي يمنع تركيا من أن تأخذ دورها الحقيقي في الأمة الإسلامية، وعلى أهلنا في تركيا وأهل القوة والمنعة فيها أن يخلصوا الأمة الإسلامية من هذه الأنظمة العميلة للغرب التي أوردت الأمة المهالك والتي تسالم وتهادن وتوالي أعداءها، وأن تقيم الخلافة على منهاج النبوة التي تخلصنا من هذه الأنظمة العميلة وتجتث الاستعمار من بلادنا وتحرر الأرض المباركة وترفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله على أسوار القدس.
بقلم: الدكتور مصعب أبو عرقوب
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
المصدر: جريدة الراية