بقلم: يوسف أبو زر/عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين
لقد كان يكفي لما يسمى بالديانة الإبراهيمية أن تسقط من مجرد معرفة أن مصدرها هو الغرب العلماني ومؤسسات خبثه ومكره التي طرحت نواة الفكرة منذ تسعينات القرن الماضي، ذلك الغرب الذي لا يقيم للأديان وزنا وهو الذي ازدرى دينه " النصرانية" في بلاده، فطردها من الحياة واستبدل بها كل شذوذ وانحراف، ومن ثم عمل على سحق الأديان وأهلها بحروبه البشعة ورأسماليته الجشعة، وهم ما أرادوا بدمج الأديان واستبدالها بدينهم "الجديد" إلا قتلها، بل قتل الإسلام تحديدا لأنه هو الدين الحي الذي يخشون على حياتهم من حياته.
وكان يكفي لسقوطها أيضا أن عرابي تلك "الديانة الإبراهيمية" من حكام العرب هم أنظمة الفساد والشر والتطبيع المخزي، وهم الذين طرحوها وتبنوها في سياق اتفاقيات "أبراهام" التطبيعية كحكام الإمارات، وما ذلك إلا لاحتضان كيان "يهود" والنيل من العقيدة الإسلامية التي تلفظ الباطل وترفضه، ومن هناك كانت هذه "الديانة الجديدة" ساقطة من حيث المبدأ والمنشأ وخبيثة في الغاية والمقصد.
على أن هذه الديانة وإن كانت مرفوضة كعنوان وجملة، إلا أنه قد صار يجري بثها على يد البعض ودسها مفرقة بمفاهيم خبيثة تشكل توطئة وأساسا لقبول تلك الديانة فيما بعد، وذلك بمحاولات الضرب لأساسيات عقدية في الإسلام تلغي الحدود بينه وبين غيره، بل وتزدري مفاهيم الإسلام، وتضعه بين الأديان كواحد منها، لا ميزة له عليها كحق يقابل الباطل، وذلك بتغييب الفرق بين الإيمان والكفر، وبين التوحيد والتثليث والشرك، وبين الكافر والمشرك والمؤمن، وبحيث أن كل الأديان على تناقضاتها هي طرق لجنة الله، بغض النظر عن كيفية الإيمان بالله، بل أحيانا بغض النظر عن الإيمان به أصلا، وباتت الخلاصة المطلوبة من الأديان هي "قيم مشتركة" منزوعة من أصلها، والعبرة كل العبرة إنما هي بـ"الإنسانية" وبالأعمال "الخيرة" ولو كانت منفصلة عن أي أساس إيماني، وتغليف ذلك كله بـ"العيش المشترك" و"التسامح"!
ولقد استغل المتربصون في ذلك أوقاتا وحوادث، وكان آخرها الجريمة النكراء لكيان "يهود" وهم الشركاء المفترضون في "الديانة الابراهيمية " بحق الصحفية شيرين أبو عاقلة، حيث أصر بعض المتربصين بالإسلام على جعل المعركة على المسلمين في عقيدتهم وممارسة الترهيب والبلطجة الفكرية، مستغلين بأسلوب وضيع لحظة الحزن عند الناس وبحملة استباقية مضمونها جدل وعبث حول مواضيع الترحم والاستغفار والجنة والنار، وتبعهم على غفلة وجهل بعض آخر، في خلط أعاد للأذهان مفاهيم "الديانة الإبراهيمية"، فأساؤوا هم بذلك دون غيرهم للمظلومة عندما صرفوا الأنظار عن جريمة الاحتلال.
وإنه بالرغم من أن الكثير من الفضلاء من أبناء الأمة قد تنادوا من كل حدب وصوب، فوضحوا وبينوا وجادوا وأجادوا في الرد على المفاهيم المضللة وأصحابها، إلا أننا نتقصد في هذا المقام بعض أبناء المسلمين من الذين غفلوا، ولعلها غفلة لحظية عاطفية، بأن يتنبهوا، وذلك من خلال تذكيرهم بالصورة الكلية لموضوع الإيمان والعقيدة كما جاء بها الإسلام، والتي تقتضيها النصوص القاطعة والآيات الحكيمة المحكمة والمسلمات من العقيدة وبناء عليه نؤكد التالي:
أولا : إن الأساس في وجود هذه الحياة الدنيا هو العلاقة مع الله، فهي حجر الزاوية وعليها مدار وجود الإنسان على هذه الأرض منذ أن هبط إليها، وهي علاقة إيمان وطاعة وعبودية للخالق الذي خلقنا والذي نحن إليه راجعون، والعبث بتلك العلاقة هو الخسران المبين لأنه عبث في شان عظيم، قال تعالى (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
ثانيا: إن الإسلام هو دين الله الموحى للأنبياء والرسل، وأساسه توحيد الله، وقد اكتمل الدين برسالة الإسلام، وهي وحي الله إلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا فالإسلام ليس تراثا دينيا خاصا بالمسلمين أو منتجا دينيا لأمة ما كغيره من الأديان، والموقف منه ليس موقفا من المسلمين وإنما هو موقف من الله ودينه (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ).
ثالثا : إن الإسلام هو الحق من عند الله، وهو الحق وحده، وعلى هذا يقوم البرهان، والحقيقة في الأمر الواحد لا تتعدد، وكل ما عداه ضلال (فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ)، والإعراض عنه خسران مبين (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وهذا الحق من الله هو الذي يجب أن يعلو ويسود (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، وإظهاره يقتضي محاربة طمسه أو مزجه أو دمجه بالباطل.
رابعا: وعلى هذا فالحقائق ليست موضوعا للمجاملة، ولا العقائد موضوعا للنفاق، لأن الأمر جد خطير، ويترتب عليه مصير أبدي في جنة أو نار، وهذا يقتضي الوضوح والصراحة وعدم المجاملة، وتسمية الأمور بأسمائها، وإن من أعظم الخيانة هو التدليس في قضية العقيدة التي يترتب عليها النجاة من عذاب الله والدخول في رحمته في الدنيا والآخرة، وخاصة من قبل من ائتمنه الله عليها وعلى تبليغها للناس في أن يسكت عنها وأن يجامل على حسابها ويقصر في هداية الناس لها.
خامسا: إن الشرك بالله والكفر هو ظلم عظيم (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، وهو ليس بالأمر الهين، ولا هو قضية ثانوية على هامش قضايا الإنسان واهتماماته، ولا ينجيه أو يغنيه أن يحسن إلى الناس ويظلم نفسه، ويبر الناس ويعصي ربه، بل يكذب ربه ويستهتر بأمره ويبخس قدره، وهو الذي خلقه ورزقه وأنذره وحذره (يا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)، ولهذا فإن الكفر والشرك كبائر لا تغفر مع أن الله هو التواب الغفور.
سادسا: وبناء على ما سبق فإن على الإنسان أن يتحمل نتائج خياراته التي سيحاسب عليها، والحساب هنا عظيم بعظم القضية،
( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ً(
نعم إن معايير دخول الجنة والنار ليست بيد الناس، ولكنها بيد الله، وهي معايير واضحة لا تدع لجاهل مجالا للعبث، ونطقت بها آيات الله وعليها مدار كتاب الله، وهي لا تتوقف على اعتبارات كثير من البشر القائمة على ذواتهم وحساباتهم ومركزية أنفسهم لا خالقهم، بل الإساس كل الإساس في ذلك هو ميزان الله للناس وأحوالهم وأعمالهم، ولأجل هذا ابتعث الله الرسل للهداية، وأمهل الناس، وكلف أصحاب الرسالة ببذل الغالي والنفس والنفيس لإيصال دعوة الحق إلى الناس وإنقاذهم من النار.
سابعا: بقي أن نشير أن تلك النقاط أعلاه فيما يتعلق بعقيدة المسلمين لا تمنع المسلمين رغم وضوحها ولم تمنعهم من قبل من العيش مع غيرهم في دار الإسلام، وهو ليس "التعايش" بين الأديان الذي يتكلم عنه أصحاب الديانة "الإبراهيمية" بحيث يقصدون مسخها واستبدالها بعلمانيتهم.
إننا كمسلمين لا نحتاج لصيغ الغرب وأفكار العلمانية في التعايش، فقد صاغ لنا الإسلام منهجا يقوم على البر والقسط وتحريم الظلم للمسلم ولغير المسلم الذي يعيش في كنف الإسلام وأوجب حفظ ذمته وحق رعايته والدفاع عنه كفرد من الرعية، والأهم من كل ذلك هو الحرص على هدايته بالتي هي أحسن دون إكراه أو إجبار، ولقد شهد على ذلك تاريخ المسلمين وواقعهم في البر مع أبناء البلاد من غير المسلمين، وبالمقابل كان العلمانيون هم أبعد الناس عن أن يضعوا "صيغ التعايش" وهم الذين ازدروا الأديان كلها وأقصوها وسحقوا أهلها من المسلمين وغيرهم وهجروهم من بلادهم، واخترعوا فتنة "الأقليات" لتوظيفها لأغراضهم وكل ذلك عبر قرن مشؤوم من حكمهم العلماني .
وأخيرا،
فإن أعظم ما يمكن أن ينقذ البشرية مما هي فيه حاليا من الشقاء، هو رحمة الإسلام وعدله، وذلك عندما يعيش في كنفه المسلم وغير المسلم، كما أنه هو الذي يدخل الناس في رحمة الله ومغفرته في الآخرة، وخصوصا بعد أن جرب الناس قسوة العلمانية التي أقصت دين الله وفوضت البشر للبشر فأذاقتهم البؤس وأوردتهم الهلاك، وإن الرهان كل الرهان إنما هو على أمة الإسلام باستثارة العقيدة في نفوس أبنائها لإقامة دينها وتحرير أرضها وفي مقدمتها فلسطين، وخصوصا بعد أن بان نفاق الغرب ولؤمه وحمق الرهان عليه، وفشل تزلف المتزلفين له ولو بتبديل الدين، ولذلك فإن قوى الشر المضادة تحاول طمس هذا الدين وتغيير معالمه وقتل الدافعية على أساسه، وكان مجرما كل من يشاركهم في ذلك ، ولكن أنى يكون لهم ذلك فدين الله محفوظ ، ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) .