"سوف يتم ذبح القرابين وحرقهم وأخذ الرماد لنثره وسط شرق المسجد الأقصى وتحديداً أعلى مسجد قبة السلسلة الملاصقة لمسجد قبة الصخرة المشرفة..."، هذا ما كانت قد أعلنت عنه جماعات الهيكل المزعوم ضمن ترتيباتها هذا العام لإحياء عيد الفصح في المسجد الأقصى المبارك، وقد عمدت هذه الجماعات إلى نصب خيمتين في ساحة القصور الأموية (جنوب ساحة البراق) استعداداً لنثر رماد القرابين التي ستذبح في المسجد الأقصى.
بغض النظر عن مدى نجاح جماعات الهيكل بتنفيذ طقوس الذبح ونثر الدماء والرماد، وبغض النظر عن الكيفية هل تكون كما هو معلن بشكل مباشر وعلني أو بطرق سرية وخطط بديلة تحدثت عنها جماعات الهيكل في حال منعها أو عرقلتها، بغض النظر عن ذلك كله يعتبر هذا الإعلان خطوة تهويدية جديدة للمسجد الأقصى وهي مرتبطة بالخطوات السابقة التي مهدت لها الطريق وخاصة قرار ما يسمى محكمة الصلح في كيان يهود الذي صدر بتاريخ 5/10/2021م وتم بموجبه السماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، أي أن الحديث بات ينصبّ ويتركز على السماح للمستوطنين بالقيام بكافة الطقوس والصلوات التلمودية في المسجد الأقصى، وبالتالي ترسيخ واقع أن المسجد الأقصى هو مكان للعبادة عند اليهود وما ينقصه فقط هو إقامة البناء أو الهيكل المزعوم.
إن أطماع كيان يهود في المسجد الأقصى ليست وليدة اللحظة وحلمه في بناء الهيكل المزعوم ليس جديداً بل هو حاضر منذ دخول المسجد الأقصى في السابع من حزيران عام 1967 وإحراق المصاحف ورفع العلم على قبة الصخرة ومنع الصلاة ومصادرة المفاتيح، ولكن الظروف السياسية وتعقيداتها وحساسيتها تجاه المسجد الأقصى وكذلك المشاريع السياسية الغربية ومتطلباتها وترتيباتها المحلية والإقليمية حالت دون التقدم كثيراً في تنفيذ ذلك الحلم مع حرص كيان يهود على اقتناص كل فرصة للتضييق والتهويد والتهجير في القدس وبلدتها القديمة والولوج للمسجد الأقصى، وقد حقق الكثير من أهدافه المرحلية حتى توفرت له عوامل وظروف في السنوات الأخيرة جعلته يسارع الخطا ويحاول أن يتقدم خطوات كبيرة في هذا المخطط ليصل إلى الهدف الكبير في نظره وهو تقسيم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم.
فقد مثلت الأجواء التي أحاطت بكيان يهود في السنوات الأخيرة قوة دافعة لتنفيذ مخططاته المتعلقة بالمسجد الأقصى، فكان إعلان القدس عاصمة موحدة وأبدية لكيانه وتم نقل السفارة الأمريكية إليها وتم وصف المسجد الأقصى بشكل سياسي رسمي باسم جبل المعبد وأنه يجب أن يكون متاحاً للديانات الثلاث، وذلك وفق صفقة ترامب في ذلك الوقت "الناس من مختلف الأديان يجب أن يتمكنوا من الصلاة في جبل المعبد، وبالطريقة التي تتوافق تماماً مع دينهم"، ومن ثم كانت اتفاقيات التطبيع التي تدحرجت بشكل كبير ربما فاق تصورات كيان يهود وتبعها هرولة حكام العرب لأحضان قادة كيان يهود كما حصل في قمة النقب مؤخراً، وتزامن ذلك مع وقوفهم إلى جانبه عسكرياً وثقافياً وأمنياً وفتح الأبواب معه على مصراعيها في شتى المجالات ودون أن يتأثر ذلك بما يحصل في الأرض المباركة من تهويد وتهجير وقتل وتدمير، إضافة إلى الانبطاح الكبير للسلطة الفلسطينية وقبولها أن تتحول إلى أداة أمنية تحمي كيان يهود وأداة إدارية تتولى عنه مسؤولية أهل فلسطين وعدم تنفيذها أياً من تهديداتها المتعلقة بالاستيطان والقدس والمفاوضات وتمسكها بدورها الوظيفي رغم ابتلاع الاستيطان للقطع المنثورة من الأرض الموعودة لإقامة الدولة الفلسطينية، ووجود هذه الأجواء مع تصاعد نفوذ وشعبية أحزاب اليمين في كيان يهود وسيطرتهم على الكيان بشكل شبه كامل حتى باتت الحكومة الحالية - دون معسكر اليمين - تعتمد على أحزاب يمينية في استمرارها، رغم أن الليكود ومعسكره خارج الحكومة! وتلك الأحزاب تؤمن بضرورة إقامة الهيكل الثالث في المسجد الأقصى وتتشوق لذلك وقاعدتها الدينية والشعبية متحمسة لمزيد من التهويد والتدنيس للمسجد الأقصى، فكيف الحال وهي ترى هذه الأجواء الدولية والإقليمية والمحلية المساعدة، وترى في الوقت ذاته ردة الفعل المتواضعة من الشعوب المسلمة على خيانة حكامها وتطبيعهم رغم ما يحصل في فلسطين والقدس، ليس غريباً عندها أن تطمح في ذبح القرابين وتغيير الواقع في المسجد الأقصى.
إن التحركات الحالية لكيان يهود تجاه المسجد الأقصى هي تحركات خطيرة وسيكون لها ما بعدها إن نجح في تنفيذها، وهو ما إن يمرر خطوة حتى ينتقل للخطوة التالية؛ فخطوة اليوم سبقها خطوة السماح بالصلوات التلمودية قبل أشهر والتي مرت دون ردة فعل حقيقية من الأمة، وخطوة اليوم سوف يتبعها خطوة الغد وهكذا حتى يصل لمبتغاه الحاقد دون توقف، مع ملاحظة أنه يتحرك ويراقب بشيء من الحذر والتردد خوفاً من أن تؤدي تحركاته الحاقدة وتحركات مستوطنيه غير المحسوبة إلى تفجير الوضع في بلاد المسلمين بشكل يهدد حلفاءه من الحكام العملاء أو يضعهم في موقف حرج خاصة في ظل صمود أهل القدس ودفاعهم عن المسجد الأقصى كما حصل في هبة البوابات الإلكترونية عام 2017 ومصلى باب الرحمة عام 2019 وما يحصل الآن من تصاعد للأحداث في الأرض المباركة وارتقاء عدد من الشهداء بشكل شبه يومي منذ بداية شهر رمضان وتأثير ذلك على الشعوب المسلمة واستثارة مشاعرها الإسلامية كما حصل في العدوان الأخير على قطاع غزة.
إن يهود قوم أذلة جبناء لا قبل لهم بخطوات كبيرة مثل تقسيم المسجد الأقصى، ولكن الذي جرأهم على هذه المحاولة الجادة والحاقدة هو دعم حكام المسلمين لهم وسكوت الشعوب وجيوش المسلمين على تلك الخيانات العلنية، وهذا يدق ناقوس الخطر ويوجب على الأمة أن تدرك واقع ما يحصل في فلسطين وعظم الخطر المحيط بمسرى نبيها ﷺ وحجم الكارثة التي سوف تترتب على سكوتها وعدم تحركها، وقد حاولنا في هذه المقالة تسليط الضوء على ذلك حتى نظهر للأمة الإسلامية أمة محمد ﷺ وأمة عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد والقعقاع والمعتصم وألب أرسلان وعبد الحميد وغيرهم من أبطال الأمة حجم الدور والفرض المترتب عليها بالخروج في وجه الأنظمة الخائنة وتحريض الجيوش وتحريكها ضد الحكام العملاء، ومن ثم تلبية نداء القدس والمسجد الأقصى والتحرك بجيش جرار يجعل من كيان يهود أثرا بعد عين، والأمة على موعد مع ذلك كما بشر رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ».
بقلم: د. إبراهيم التميمي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)