"الاقتصاد مقابل الأمن في غزة" مشرط لتمزيق القضية والإجهاز عليها!
د. إبراهيم التميمي*
بات من أبجديات السياسة المتعلقة بقضية فلسطين أن المشاريع الغربية ومؤامرات كيان يهود عليها لا تتوقف، فما إن يفشل مخطط حتى يتم الحديث عن آخر، وما إن تفشل محاولة حتى يتم الشروع في غيرها، ولن تتوقف هذه المشاريع الخبيثة والمؤامرات الشيطانية إلا باقتلاع كيان يهود من جذوره. وآخر هذه المؤامرات ما كشف عنه وزير خارجية كيان يهود يئير لبيد يوم الأحد المنصرم وأطلق عليه مسمى "الاقتصاد مقابل الأمن في غزة".
على عادة السياسيين في استعراض بعض ما في جعبتهم من حلول لقضايا معقدة، اختار وزير خارجيّة كيان يهود -يئير لبيد- المؤتمر السنوي لمكافحة "الإرهاب" الذي انعقد الأحد ١٢-٩-٢٠٢١ في جامعة رايشمان بمدينة "هرتسيليا" شمالي فلسطين المحتلة للكشف عن خطة أسماها "الاقتصاد مقابل الأمن في غزة ".
تستهدف الخطة، كما يسميها لبيد، ملف قطاع غزة وتدور حول تحسين الظروف المعيشيّة في القطاع مقابل تنازلات سياسية وتهدئة طويلة الأمد، وتنقسم إلى مرحلتين:
الأولى:تكون بإعادة الإعمار وتقديم الاحتياجات الإنسانية في غزة مقابل إضعاف قوة حماس العسكرية عبر قنوات دولية دون تقديم توضيحات بهذا الخصوص، والثانية والتي أطلق عليها خطة اقتصادية كاملة تضمن الأمن بحيث تساهم في اختلاف شكل الحياة كلياً وعلى نحو إيجابي في قطاع غزة.
وهنا لا بد من الوقوف على بعض التفصيلات التي تحدث عنها لبيد لضرورة ذلك في إدراك مدى خطورة وخبث ما يحاك لقضية فلسطين، خاصة وأنه يقول بأنه ناقش الخطة مع عدد من قادة العالم بمن فيهم نظيريه الأميركي أنتوني بلينكن، والروسي سيرغي لافروف، إضافة إلى مسؤولين في مصر والاتحاد الأوروبي والخليج، أي أن الحديث عن مخطط واسع بمشاركة أطراف فاعلة على الساحة الدولية وعملاء مؤثرين على الساحة المحلية والإقليمية؛
من تلك التفصيلات أنّه كجزء من المرحلة الثانية سيتم تطوير مشروع الجزيرة الاصطناعية قبالة ساحل غزة مما سيسمح ببناء ميناء، كما سيتم بناء شبكة مواصلات بين القطاع والضفة الغربية وكذلك سيتمّ إصلاح نظام الكهرباء وتوصيل الغاز وبناء محطّة لتحلية المياه وإدخال تحسينات كبيرة على نظام الرعاية الصحية وإعادة بناء البنية التحتية للإسكان والنقل، وأنّ المرحلة الثانية ستتضمن أيضا تعزيز الاستثمار الدولي داخل قطاع غزة والمشاريع الاقتصادية المشتركة مع (إسرائيل) ومصر والسلطة الفلسطينية، وأوضح لبيد أن المرحلة الثانية تكون بضمان الأمن، وقبول غزة بتفاصيل المرحلة الأولى، إضافة لتولي السلطة الفلسطينية زمام الأمور على صعيد الإدارة المدنية والاقتصادية بالقطاع.
وبالنظر إلى تلك التفصيلات نجد أنها لا تختلف كثيرا عما تم طرحه خلال فترة ترامب للتمهيد لصفقته المشؤومة -صفقة القرن- ولكن هذه المرة مع جعلها تتركز في قطاع غزة، حيث كانت سابقاً، ضمن ما سمي ورشة عمل السلام من أجل الازدهار والتي عقدت في البحرين منتصف عام 2019، تشمل ضخ الأموال والاستثمارات في الضفة وغزة إضافة إلى الأردن ومصر ولبنان، ولكن هذا الاختلاف لا يغير في جوهرها السياسي الذي يصلح لأن يكون نقطة التقاء مرحلي بين مشروع الدولتين الأمريكي ومشروع كيان يهود التوسعي، حيث يلتقي على جعل شكل الدولة الفلسطينية كنتونات في مناطق أ و ب في الضفة، وهي لا تتجاوز 40% من مساحة الضفة، ويتم ربطها بطريق بري مع قطاع غزة الذي سيكون المركز لوجود ميناء وغيرها من البنى التحتية التي سيتم استحداثها في القطاع، ويترك موضوع التسمية لذلك الترابط المشوه بين الفتات المتناثر من الأرض لمن سيستلم فتات فلسطين، فإن شاء أسماه دولة فلسطين وإن شاء أسماه إمبراطورية منظمة التحرير!!
قد يصف البعض تلك الخطة بفقاعة إعلامية أو ألهية سياسية، ولكن من يحلق فوق فلسطين وينظر إلى ما يقوم به كيان يهود من إجراءات على الأرض، يجد أنها تتوافق مع ما يتم طرحه، بغض النظر عن احتمالية النجاح او الفشل أو التوقيت الزمني للتنفيذ، حيث تسارع حكومة بينت الخطى للتوسع الاستيطاني في الضفة وبناء المشاريع والبنى التحتية من طرقات وجسور وأنفاق لتتناسب مع التوسع الحالي والضم المستقبلي لما يسمى مناطق سي، وتتعامل مع ملف الضفة من ناحية أمنية بشكل يمهد الطريق لذلك مع الحفاظ على السلطة ومنع انهيارها في مناطق أ و ب، وعلى الجهة المقابلة يقوم رئيس وزراء كيان يهود بزيارةعلنية هي الأولى من نوعها منذ عقد من الزمن إلى مصر ويجتمع مع السيسي في شرم الشيخ لبحث رفع الحصار عن قطاع غزة ضمن تسوية تعيد الحياة للقطاع المدمر وتنهي تهديد القطاع لكيان يهود كما صرح المتحدث باسم الرئاسة المصرية، حيث قال إن السيسي أشار في لقائه إلى أهمية دعم المجتمع الدولي لجهود مصر من أجل إعادة الإعمار بالمناطق الفلسطينية، إضافة إلى ضرورة الحفاظ على التهدئة مع الفلسطينيين، من جهته قال بيان صادر عن مكتب رئيس وزراء كيان يهود إن بينيت أكد على دور مصر في الحفاظ على الاستقرار الأمني في قطاع غزة وفي إيجاد حل لقضية الأسرى والمفقودين "الإسرائيليين" في القطاع.
إن التسوية التي يريدها كيان يهود، لقطاع غزة هي تسوية خبيثة يراد لها أن تكون مدخلا لتجزئة المجزّأ من قضية فلسطين، ومدخلا جديدا لتصفيتها مرحلياً، ومن المتوقع أن يكون السيسي حجر الزاوية في الإشراف على تهيئة تلك الأرضية الخبيثة التي تتيح الالتقاء بين كيان يهود والمؤسسة السياسية الأمريكية لتنفيذ مشروع الدولتين الأمريكي بنسخة لن تكون أفضل حالا من صفقة القرن، نسخة مشوهة تنجح في محاكاة الواقع وتمكنهم من القفز عن الوقائع التي فرضها كيان يهود في الضفة، سواء في المناطق الحدودية مع الأردن أو المستوطنات الكبرى التي مزقت الضفة أو المعارضة اليمينية لوجود دولة في الضفة عقدياً وسياسياً عند اليمين "الإسرائيلي".
إن المؤامرة على قضية فلسطين لا تتوقف وما نراه من زيارات ولقاءات ليس آخرها زيارة بينت لأمريكا أو زيارة عباس للأردن أو لقاء عبد الله وعباس والسيسي أو زيارة بينت لمصر، هي مؤشر ودليل واضح على حجم المكر الذي يمكرونه بقضية فلسطين وبأهل فلسطين، وهذا يوجب على الفصائل في فلسطين أن لا تتعاطى مع أي أطروحات سياسية سواء من أمريكا أو السيسي أو كيان يهود فكلها أطروحات مليئة بالفخاخ والتنازلات والخيانات وتصب في تصفية القضية ضمن المخططات الغربية وأن تتمسك بالمطلب الوحيد والشرعي وهو عودة فلسطين درة تاج البلاد الإسلامية مطهرة من دنس كيان يهود، وعلى الأمة الإسلامية وخاصة في مصر والأردن حيث وكر المؤامرات وخبث السياسة وذل الملك وخيانة الرئيس أن تتحرك من فورها لإسقاط تلك الأنظمة العميلة التي لا تقل جبناً وخوفاً عن الذين تعلقوا بعجلات الطائرات هرباً من أفغانستان، وأن تنظم قواها وتتحرك بجيوشها لتحرير فلسطين واقتلاع كيان يهود من جذوره.
*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين