الواقع السياسي الحالي للسلطة الفلسطينية وحقيقة الوثيقة السرية
وصف نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي هادي عمرو خلال زيارته لفلسطين والتي استمرت عدة أيام منتصف الشهر الماضي واقع السلطة الفلسطينية السياسي بأنها "غابة جافة تنتظر أن يشتعل شيء ما ليحرقها"، وقبل أيام كشف موقع عربي 21 وثيقة سرية لاتفاق ثلاثي بين أمريكا والسلطة الفلسطينية وكيان يهود وأن الوثيقة كانت قد وقعت بعد تلك الزيارة لنائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الفلسطينية وكيان يهود هادي عمرو للمنطقة، وأن الوثيقة تضمنت جوانب خطيرة تخص الشعب الفلسطيني.
فماذا أراد نائب مساعد وزير الخارجية بوصفه للسلطة بغابة جافة؟ وهل واقع السلطة ينطبق عليه ذلك الوصف؟ وما هو الواقع السياسي الحالي للسلطة الفلسطينية؟ وما حقيقة الوثيقة السرية التي أوردها عربي 21؟ وما هي السياسة الأمريكية الحالية تجاه السلطة الفلسطينية؟
الهدف من وصف نائب مساعد وزير الخارجية للسلطة بغابة جافة
إن الوصف الذي أطلقه نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي يريد به إيصال رسالة جدية إلى كيان يهود أن السلطة في وضع خطير يستدعي دق ناقوس الخطر، وهو في ذلك يهدف لإقناع كيان يهود بخطورة الموقف والضغط عليهم للقبول بترتيبات سياسية وأمنية واقتصادية معينة تبقي السلطة قائمة على قدميها حتى تتمكن من تنفيذ مهامها المتعلقة بالتنسيق الأمني وحماية أمن يهود وحمل عبء الاحتلال عن أكتافه وتنفيذ السياسة الغربية القائمة على محاربة أهل فلسطين في ثقافتهم ومفاهيمهم الإسلامية المتبقية وسلخهم عنها وتدمير الأسرة والمجتمع ونشر الثقافة الجنسية الغربية من خلال مناهج التعليم والإعلام وفتح الأبواب للجمعيات الغربية التدميرية والأهم من كل ذلك تصفية قضية فلسطين وفق حل الدولتين الأمريكي.
مدى انطباق هذا الوصف على السلطة، وواقعها السياسي الحالي
لقد أدى تتابع الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعصف بالسلطة الفلسطينية خاصة في السنوات الأخيرة إلى إدخالها في منعطف خطير، حيث تفاقم الوضع في عهد إدارة ترامب ووجود نتنياهو حيث كان ترامب يريد تنفيذ صفقته المشؤومة فبدأ باتخاذ إجراءات تتناسب معها دون النظر إلى انعكاساتها على السلطة التي لا يرى فيها أكثر من أداة سياسية ذليلة لا دور لها سوى الموافقة دون نقاش أو اعتراض، وبسبب تغير تفصيلات المشروع السياسي وما يتطلبه من إجراءات جديدة على الأرض كان من نتائجها كشف مدى الضرر الذي تسببت به السلطة لقضية فلسطين بعد عقدين ونصف من العبث بها والمتاجرة بتضحيات أهلها، وكان من طبيعة تلك الإجراءات المناسبة لمشروع ترامب أنها تحرج السلطة وتسقط عنها ما تبقى من ورقة توت تغطي سوأتها، وكان من أبرزها تجاوز نقطة دولة على المحتل عام 67 عاصمتها شرقي القدس وهو المشروع الذي تتستر به السلطة وما ترافق مع ذلك من وقف للدعم المالي لها ولأجهزتها الأمنية وإغلاق مكتب المنظمة في واشنطن وإغلاق القنصلية الأمريكية في القدس ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإعلانها العاصمة الموحدة والأبدية لكيان يهود ووقف دعم الأونروا... وفي المقابل كان نتنياهو ينفذ سياساته الخاصة فيقتطع من أموال المقاصة ويضغط على السلطة لتقديم المزيد من التنازلات ويتوسع في الاستيطان وعيونه ترنو إلى ضم مناطق (سي) أو ضم الضفة بأكملها وتهجير أهلها، ومما فاقم تلك الأزمات وضع السلطة غير المتوازن وحالة الترهل الداخلي والصراعات الخفية لبسط النفوذ والاستعداد للقفز إلى كرسي الرئاسة الذي يوشك أن يصبح فارغاً.
ومع تصاعد الرفض الشعبي للسلطة بسبب انكشاف حالها وحقيقتها للرأي العام وانفضاح واقعها الخادم للغرب ومخططاته وإفلاسها السياسي واقتصار دورها على خدمة يهود من خلال التنسيق الأمني، إضافةً إلى الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه الناس بفعل زيادة واردات السلطة من جيوب الشعب، وما ورثه تخبطها في التعامل مع أزمة كورونا من فقر وبطالة وركود، وكذلك الوضع الخدماتي المتهالك على مختلف الصعد الصحية والتعليمية والبلدية والسياسات العقيمة في مختلف المجالات، وملفات الفساد التي ملأت رائحتها الأجواء، والمواقف السياسية الذليلة خلال أحداث القدس وحرب غزة، مع كل ذلك بات وضع السلطة أشد خطورة وهو ما استدعى من إدارة بايدن الشروع بإعادة تقوية السلطة بشكل مباشر أو من خلال كيان يهود لكن دون أن يستدعي ذلك هذا الوصف والتخوف الأمريكي، حتى جاءت القشة التي كادت أن تقصم ظهر البعير وهي حالة الغليان والاحتجاجات التي أعقبت جريمة قتل الناشط السياسي نزار بنات بشكل وحشي بعد حديثه عن فضيحة اللقاحات التي أججت الرأي العام، وهو ما دق ناقوس الخطر الأمريكي على وضع السلطة فحركت سفيرها في عمان وأرسلت مساعد نائب وزير الخارجية إلى المنطقة وأوصلت رسائل جدية لحكومة بينيت تبين خطورة الوضع وضرورة اتخاذ إجراءات وتنسيق سياسات تعيد التوازن للسلطة قبل أن تتحول إلى رماد، وتم الاتفاق على ذلك.
حقيقة الوثيقة السرية التي أوردتها عربي 21
بحسب صحيفة "عربي21" فإن الوثيقة التي وقعت يوم 14 تموز/يوليو 2021 تكشف أن الإدارة الأمريكية تفرض رقابة مشددة على وسائل الإعلام الفلسطينية، ومناهج التعليم، وإعادة تفعيل لجنة التحريض الثلاثية؛ الأمريكية "الإسرائيلية" الفلسطينية، وأنه تم الاتفاق على أن تقوم لجنة "إسرائيلية"-أمريكية بإعداد صيغة حول قانون الأسرى الفلسطينيين من أجل أن تقوم السلطة بتنفيذه، وأن اللجنة المشكلة فرضت على السلطة العمل على كشف كافة ملفات الفساد فيها وأنها ستراقب وتتحقق من تلك الإجراءات".
ومما تم الاتفاق عليه بحسب الوثيقة التي لم يصدر أي نفي رسمي لها رغم مرور أيام على نشرها، "الرقابة الأمريكية على المقاومين والمعتقلين لدى السلطة في سجون الأجهزة الأمنية بالضفة الغربية، إضافة إلى متابعة ملفاتهم والاطلاع على كل تفاصيلها، وبحسب الوثيقة فقد طلبت الإدارة الأمريكية من السلطة ضرورة إجراء تحقيق فاعل وشفاف حول قضية اغتيال المعارض الفلسطيني نزار بنات وإنجاز الأمر في غضون ثلاثة أشهر بهدف تنفيس الغضب الشعبي الفلسطيني الذي يجتاح الشارع وضمان البدء بترميم صورة السلطة شعبياً".
السياسة الأمريكية الحالية تجاه السلطة الفلسطينية
إن السياسة الأمريكية الحالية في ظل إدارة بايدن المنشغلة في العديد من الملفات والتي إلى الآن تضع ملف قضية فلسطين على الرف، وضمن دائرة الإدارة للملف وما يتطلبه ذلك من استقرار وعدم حصول مفاجآت وأحداث وتوترات كبيرة، وفي ظل وجود حكومة بينت المهلهلة والتي تستند إلى أمريكا لتستمر في الوقوف على قدميها ولا تستطيع المضي قدماً في أي مشروع سياسي، في ظل كل ذلك فإن السياسة الحالية تقتضي تقوية السلطة وإعادة التوازن لها، وهذا يكون على صعيدين: توفير الدعم المالي والأمني للسلطة، ومحاولة ترميم وتحسين صورتها في المجتمع أو على الأقل تخفيف حالة الاحتقان تجاهها، وهذا ما يؤكده ما ورد في الوثيقة السرية وهو أيضاً ما تم إدراجه ضمن جدول مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز خلال زيارته الحالية للمنطقة لاحتواء سياسة كيان يهود تجاه إيران بعد حادثة السفينة ميرسر ستريت.
إن الواقع السياسي للسلطة أنها سيف مسلط على رقاب أهل فلسطين، وها هي بعد أن مكنت كيان يهود من الأرض ووفرت الحماية له تريد تمكين أمريكا من الإعلام والتعليم وحتى ملفات المعتقلين، وذلك لإفساد الناس والمجتمع وتدميره ووضع الخطط الشيطانية في قمع من يتصدى لها، ولذلك لا يرجى خير منها لقضية فلسطين، ولا خير لهذه القضية الإسلامية إلا بالعمل السياسي الواعي لإسقاط الأنظمة العميلة في بلاد المسلمين وتحرير الجيوش من قيودها لتقوم بواجبها بتحرير فلسطين واقتلاع كيان يهود من جذوره.
بقلم: الدكتور إبراهيم التميمي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين