الدكتور ماهر الجعبري عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير - فلسطين
تعصف في الفضائيات لغة كأنها انعكاس لدق طبول حرب جديدة في الشرق الأوسط: في الخليج حيث انتشار الصواريخ الأمريكية، وما بين سوريا وكيان الاحتلال اليهودي حيث رسائل التهديد المتبادل. وتحت تأثير التغطية الإعلامية الباهتة، قد تنطلي على المتابعين طبيعة الأدوار التي تلعبها سوريا وإيران في تحقيق المصالح الأمريكية، وقد يهمل بعضهم صراع المصالح ما بين أوروبا وأمريكا.
إن المتابعة الواعية والدقيقة للملف النووي الإيراني تبين أن أوروبا استمرت في محاصرة إيران سياسيا والعمل على التصعيد معها طيلة السنوات الماضية، ثم حنت إيران رأسها أمام العاصفة الأوروبية فقبلت بمقترحات أمريكا لتخصيب اليورانيوم في الخارج، كمخرج من المأزق الذي تدفع أوروبا باتجاهه، بعدما كانت إيران مصممة على رفض ذلك.
ومع ازدياد الضغط الأوروبي، واستمرار "إسرائيل" بالإلحاح على ضرب إيران، باشرت أمريكا بنشر أنظمة دفاع صاروخية في أربع دول خليجية هي الكويت وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى نشر سفن حربية قبالة السواحل الإيرانية، كتلويح بالقوة العسكرية.
ومن الواضح أن هذا الإجراءات الأمريكية تأتي من باب تخفيف الضغط الأوروبي الذي يدفع باتجاه التأزم مع إيران، ومن باب سحب البساط من تحت أقدام قادة الحرب في كيان يهود من أي تحرك طائش، وهي التي لا تفتأ تطالب بالعمل العسكري ضد إيران في كل مناسبة، كما نقلت الجزيرة نت (4/2/2010) عن رئيس دولة الاحتلال اليهودي قوله "يجب أن نجند العالم كله لقتال نجاد".
ومن المعلوم أن أمريكا كانت تدعي أن مشروع نشر الدرع الصاروخي في أوروبا هو للخوف من إيران بينما كان موجها لروسيا. وقد تصاعد الجدل بين أمريكا وروسيا حول هذا الشأن بعد موافقة رومانيا أخيرا على الدرع الأمريكي، حيث ادعت أمريكا أنه ضد إيران، بينما أبدت روسيا موقفا صارما ضد ذلك المشروع واعتبرته تهديدا لها، كما ذكرت الجزيرة نت (6/2/2010).
والتحريض الأوروبي ضد إيران لا ينقطع، فمثلا ذكر تقرير صحفي بعنوان "إيران والغرب: ضغط أم حرب؟" أورده موقع البي بي سي (3/2/2010)، "لم تكن مجرد مصادفة يوم الجمعة الماضي، أن يحرّض رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير على إيران وهو يتحدث للجنة تقصي بشأن العراق. ولم يكن بحاجة لحرف الأنظار عما يسأل عنه بالإشارة إلى أن إيران الآن اخطر من عراق 2003. ولم يمر أسبوع، إلا وكان خلفه في الحكم، رئيس الوزراء البريطاني الحالي جوردون براون، يقول لنواب مجلس العموم أن إيران تطور أسلحة نووية وبرنامجها النووي ليس سلميا".
وعلى الرغم من أن بعض المحللين يرفضون النظر إلى كنه العلاقة الوطيدة بين إيران وأمريكا، مأخوذين بسخونة التصريحات الإيرانية التي تطلق للاستهلاك الإعلامي، ولاستمالة الناس مع النظام الإيراني، فإن المتابعة الدقيقة الواعية تكشف عمل أمريكا المتواصل على تنفيس الضغوط الأوروبية والتحريض "الإسرائيلي" في الملف النووي الإيراني.
ولذلك فإن وزيرة الخارجيةالأمريكية هيلاري كلينتون، ومع هذه الإجراءات العسكرية، حثت إيران على التعاون مع المجتمع الدولي، كما نقلت العربية (4/2/2010) عنها قولها "إن الإدارة الأمريكية تنظر إلى مزيد من التدابير التي قد تُقنع إيران بإعادة النظر في برنامجها النووي والتعاون مع المجتمعالدول"، وأنها أضافت "نحن والبحرين ننظر إلى الاستقرار والسلام في الشرقالأوسط."
وتلك العلاقة الوطيدة بين إيران وأمريكا تؤكد أن خيار العمل العسكري لا زال بعيدا. وخصوصا وأن هذه الإجراءات الأمريكية العسكرية لا تمثل شيئا قياسيا إلى ما يتوقع أن تقوم به دولة عظمى من التحضير في حال التخطيط لشن هجوم حربي, كما تذكر الجزيرة نت (2/2/2010). ولقد أورد موقع البي بي سي يوم 1/2/2010 هذا الاحتمال في تحليله للواقع بالقول "وربما يسعى الأمريكيون -كما يقول محللون كثيرون- لتهدئة الإسرائيليين كي لا يقوموا بعمل عسكري منفرد ضد إيران".
في هذا السياق تأتي الرسائل المتبادلة بين سوريا وكيان الاحتلال اليهودي، حيث نقلت العربية نت (4/2/2010) عن الرئيس السوري بشار الأسد قوله يوم الأربعاء 3-2-2010 "إن إسرائيل تدفع الشرق الأوسط باتجاه حرب جديدة". وأضافت العربية نت "وأوضح مسئولون سوريون أن سوريا تفضل ألا تنجر إلى أي مواجهة عسكريةتضم إيران إذا هوجمت منشآتها النووية"، في توضيح جلي لسياق الرسائل المتبادلة بين الطرفين.
وجاء الرد "البلطجي" من ليبرمان الذي قال في مؤتمر صحافي مخاطبا الأسد "عندما تقع حرب جديدة، لن تخسرها فقط بل ستخسر السلطة أيضا، أنت وعائلتك". ثم حاولت ساسة يهود التلطيف من لهجة ليبرمان فيما بعد، وفتح المجال للمفاوضات مع سوريا.
وستستمر الرسائل المتبادلة بين الأطراف التي تتابع وتؤثر في مشهد النووي الإيراني، إلا أن حربا جديدة ستبقى بعيدة عن الواقع وخصوصا أن أمريكا غارقة في مأزق كبير في أفغانستان، وأن المسلمين حول العالم كارهون لعنجهية أمريكا، وهي تعمل على تحسين صورتها أمامهم للتخفيف من احتشادهم مع مشروع الإسلام السياسي للتحرر من هيمنتها، وهو مشروع قابل للانفجار في وجهها في أي وقت.
ثم إن أنظمة تقمع شعوبها، وتقوم بإعدام المعارضين لها، وتسكت على جرائم الاحتلال اليهودي لفلسطين، والاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان لا يمكن أن تكون محل أمل للأمة لخوض حرب تحريرية ضد كيان يهود أو أمريكا.
إن إيران وسوريا تمثلان محور خدمات للاحتلال الأمريكي للعراق (وقد أوصى تقرير بيكر هملتون بإشراك سوريا وإيران في الخروج من مأزق العراق)، وإن إيران التي قدمت العديد من المعلومات الإستراتيجية للأمريكان حول مواقع لاستهداف المجاهدين في أفغانستان (كما نقلت البي بي سي قبل أشهر)، لا يمكن أن تكون في حالة حرب مع أمريكا. وإن سوريا استجابت لطلب الرئيس الأمريكي اوباما ورئيس الوزراء البريطاني بروان ووافقت على التعاون مع جهازي المخابرات الأمريكي والبريطاني في الحرب على الإرهاب، كما نقلت وكالة معا (4/2/2010) عن مقابلة للرئيس السوري مع الصحيفة الأمريكية " نيويوركر". فكيف يمكن لأنظمة تتعاون استخباراتيا مع الاحتلال الأمريكي في حربه على الإسلام المسماة الحرب على الإرهاب، وتحقق له مصالحه أن تخوض حربا ضده أو ضد ربيبته في فلسطين ؟
إن حرب التحرير الحقيقية لا يمكن أن تخاض إلا بعد أن تتمكن الأمة من التخلص من هؤلاء الحكام، وقلب الطاولة على أمريكا وعملائها في المنطقة، ومباشرة لغة عالمية جديدة تكون متبوعة بفتح باب الجهاد، لا بفتح باب المفاوضات.