علاء أبو صالح
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
لم تجر العادة أن يقوم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه رسالة للأمة الإسلامية من عقر دارها، ولم يكن مقبولاً في تاريخ الأمم أن يقوم فيها كبير أعدائها ومن يحتل ديارها ومن يقتل أبناءها وينهب خيراتها مقام الواعظين فيها، أو مقام المعلمين فيهم فيعلمهم دينهم ويخبرهم عن الإسلام الصحيح والمزيف وكأني به يريد أن يجسد عبارة "هذا أوباما جاءكم يعلمكم دينكم" .
ففي قاهرة المعز وفي دلالة معنوية لا تخفى على لبيب، صعد أوباما منبراً أمريكيا مدبوغاً بشعار الرئاسة الأمريكية ليس في واشنطن بل في كنانة الله في أرضه، وفي قلب بلاد المسلمين .
وبالرغم من عباراته المنمقة والمختارة بعناية فائقة وبرغم مديحه للإسلام وحضارته الذي لم يجاوز لسانه، وبرغم تأكيده على أنه يريد أن يتحدث بصراحة وصدق، إلا أن أوباما قد ذكر كل شيء سوى الحقيقة وقد عمد بشكل واضح غير خفي إلى التضليل والمغالطة والكذب في بعض الأحيان.
فأوباما صرح بأن أمريكا قد دُفعت بفعل أحداث 11-9 لحرب أفغانستان ولم تختار هي الحرب بنفسها، متناسياً أن تلك الحرب لازالت قائمة وأن أهداف أمريكا في أفغانستان باتت واضحة لكل مراقب من تأمين خطوط الغاز العابرة من أفغانستان وإقامة قواعد عسكرية لضرب أي تحرك جدي مخلص للمسلمين ومن حملات تبشيرية لحرف المسلمين عن دينهم ولعل أوباما لم يطلع على الأنباء التي سربت من داخل الجيش الأمريكي والتي كشفت عن الأعمال التبشيرية التي يمارسها الجنود الأمريكيون في أفغانستان.
وأما العراق فلم يذكر أوباما كيف زورت كلٌ من أمريكا وبريطانيا الحقائق في شأن امتلاك العراق لسلاح نووي وكيف اعتمدت على الكذب في حربها وان همّها لم يكن تخليص الشعب العراقي كما زعم من طاغية حكمها وتجبر بها فبلاد المسلمين اليوم تزخر بالطغاة الذين تمدهم أمريكا بأسباب الحياة والقوة ولكنه تجاهل عمداً بأن نفط العراق ومكانته الإستراتيجية ومخططات أمريكا للمنطقة بأسرها هو من دفعها لاحتلاله وتدميره فوق رؤوس ساكنيه.
ولم يذكر أوباما أن اليهود الذي تغني بمتانة علاقة أمريكا بهم واعتبرها غير قابلة للانكسار قد أقاموا كيانهم بل أقامته لهم كل من أمريكا وأوروبا على أراض تم اغتصابها وتشريد أهلها منها واحتلالها بالقوة، تلك القوة التي جعلها أوباما حكراً على المحتلين دون أن يأذن لمن احتلت أراضيهم باستخدامها ويطالبهم بالمقاومة السلمية، فهل أقامت أمريكا وبريطانيا كيان يهود بالمقاومة السلمية ؟! وأما تغنيه بحل الدولتين فلم يكن رأفة بأهل فلسطين بل حلاً لإشكالية قد سببت التوتر وإفشال المؤامرات والمخططات الأمريكية في المنطقة الإسلامية بأسرها فكانت فكرة حل الدولتين تحقيقاً للمصالح الأمريكية العليا وليس رأفة بأهل فلسطين مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الحل من شأنه أن يضيع جلَ جلِ فلسطين وأن يبقي لأهلها على استحياء وبلا سيادة على أرض أو ماء أو هواء بعض البعض منها.
وبالنسبة لدعوات الحوار وضرورة التلاقي عند القيم المشتركة في الإسلام والإدارة الأمريكية وبين الإسلام وبقية الحضارات، فلم يذكر أوباما من أعلن الحرب صليبية على المسلمين وقاد حملات شبيهة بالعصور الوسطى ومن جعل الإسلام هو الإرهاب ومن حكم على نهاية البشرية في ظل الرأسمالية ومن سعى لفرض قيمه البالية على بقية شعوب العالم، كما لم يذكر أوباما من أساء للقرآن ورسوله الكريم ابتداءاً من كبيرهم الذي علمهم السحر وانتهاءاً بأصغرهم من راسم للكراكاتير باسم حرية الدين والمعتقد، كما لم يذكر أوباما من يعتقل المسلمين لمجرد إطلاقهم للحاهم أو لباسهم أو حتى معالم وجوههم، كما لم يبين أوباما كيف حققت الإدارات الأمريكية المتعاقبة مفهوم العدالة للأمم بل حتى للشعب الأمريكي -والتي زعم أن أمريكا تشارك فيها الإسلام- هل حققت أمريكا العدالة للأمم باحتلالها واستعبادها، أم بقتل أبنائها ونهب خيراتها أم بتجويع أكثر من ملياري إنسان أم بدعمها للفتن واختلاقها للاقتتال الداخلي والطائفي في كل من العراق وباكستان والسودان والصومال وفلسطين ؟!!
وأما المرأة وحقوقها، فحدث ولا حرج، فمن كذب وخداع أوباما وتفاخره على العالم كذبه بشأن حقوق المرأة في أمريكا وسعيه للشراكة مع كل نظام يريد أن يحقق للمرأة مكانتها كما يفهمونها، وكأني به يصدق أكذوبة الغربيين بأنهم أعطوا للمرأة حقها، فجعلوا منها سلعة تباع وتشترى واستغلوا أنوثتها ولم يقيموا وزناً لأم أو بنت أو أخت كل ذلك بدعوى الحريات الشخصية واستقلالية العيش والقرار، فلم يذكر أوباما عدد النساء اللاتي يتركهن أزواجهن يصارعن الحياة لتحصيل لقمة العيش بسبب الحياة الاجتماعية المنحلة هناك، ولم يذكر أوباما عدد النساء اللاتي يغتصبن يومياً في أمريكا، ولم يذكر عدد اللواتي أصبحن بلا مأوى بعد أن تقدم بهن العمر سوى بيوت العجزة، بينما هو يسمع ويرى كيف تعيش المرأة في بلاد المسلمين برغم وجود بعض الإساءات كون هذه البلاد تحكم بأنظمة وضعية من وضع الرأسماليين وأضرابهم، وكيف تعيش المرأة حياة لا تشبهها فيها سوى الملكة التي كلما كبرت كبرت مملكتها من الأولاد والأحفاد الذين لا همّ لهم سوى طلب ودها ورضاها.
أما مشاريع التنمية فلعل أوباما قد غفل أو تغافل بأن اقتصاد أمريكا ودولارها هما سبب البلايا والمصائب الاقتصادية التي تعم العالم، ولم يبين أوباما كيف لأمريكا أن تدعم اقتصاديات العالم وهي تعاني الأزمات تلو الأزمات بل وهي تنهب خيرات العالم وأمواله.
وخلاصة ما ذكر أن الحقيقة هي ما لم يقلها أوباما وأنه ما من قضية تناولها إلا عمد فيها للكذب والتضليل والخداع فتلكم هي السياسة في عرف الرأسماليين وذاك ديدنهم.
ولكن اللافت للنظر أن يقبل بعض المسلمين أن يخاطبهم كبير أعدائهم وأن يقبلوا أن يتحدث في قضاياهم وأن يحكم بها، لا شك أن الأمة اليوم تعاني من حالة ضعف وهوان جرأت أعداءها عليها بل وجرّأت حكامها ليسخّروا البلاد والعباد والمنابر والجامعات لخدمة الكافر المستعمر.
إن الأمة الإسلامية ظلّت عبر العصور هي من تخاطب البشرية كونها تحمل رسالة الخير لهم، وهي من توجه لهم الرسائل، وهي من تقتحم عليهم ظلمتهم فتنيرها بعدل الإسلام، فذاك محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يخاطب كسرى والفرس وقيصر والروم والمقوقس والنجاشي، وذاك الرشيد يخاطب الغمام قبل البشر، وذاك المعتصم وذاك .. ، فهل يدرك المسلمون سبب هوانهم وأن بالإسلام والخلافة يعودون كراماً أعزة قادة للعالم، فيجلبون الخير للبشرية والأمم ؟!