إعلان نتنياهو عزمه ضم منطقة الأغوار
غطرسة متوقعة في ظل تخاذل حكام المسلمين وتآمرهم
بقلم المهندس باهر صالح*
أعلن رئيس وزراء كيان يهود، بنيامين نتنياهو أنه سيفرض سيادة كيانه على منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت في الضفة الغربية في حال إعادة انتخابه في 17 أيلول/سبتمبر الجاري، حيث قال في خطاب موجه للناخبين "إذا تلقيت منكم تفويضاً واضحاً للقيام بذلك... أعلن اليوم نيتي إقرار سيادة (إسرائيل) على غور الأردن وشمال البحر الميت... هذا مهم لأن هذه هي الحدود الشرقية (لإسرائيل)، مع هضبة الجولان التي اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادتنا عليها"، وأضاف "يجب علينا أن نصل إلى حدود ثابتة لدولة (إسرائيل)".
وكالعادة جاءت مواقف حكامنا مخزية إذ اقتصرت على الإدانة والاستنكار الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، ومطالبة المجتمع الدولي بالوقوف في وجه الإعلان، إذ أدانت السلطة الفلسطينية وقطر وتركيا والأردن والسعودية والكويت والبحرين ولبنان تصريحات نتنياهو، فيما قررت منظمة التعاون الإسلامي عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية، بناءً على طلب من السعودية رئيس الدورة الحالية في المنظمة لبحث إعلان نتنياهو.
والمحزن المخزي في التنديدات التي أطلقها الحكام وعلى رأسهم السلطة الفلسطينية والنظام السعودي والأردني، أنها جاءت من منطلق أن إعلان نتنياهو يقوض عملية السلام ويهدد مشروع الحل النهائي مع كيان يهود. وهو ذاته المنطلق الذي عبر عنه الاتحاد الأوروبي الذي اعتبر أن "تعهد نتنياهو ضم أراض فلسطينية، تقويض لعملية السلام، وجدد تأكيده رفض سياسة التوسع الاستيطاني، مؤكدا أنه لن يعترف بأي تغييرات على حدود ما قبل عام 1967، بما في ذلك ما يتعلق بالقدس، بخلاف تلك المتفق عليها بين الأطراف". وقال إن "سياسة بناء المستوطنات وتوسيعها، بما في ذلك في القدس الشرقية، غير قانونية بموجب القانون الدولي، واستمرارها، والإجراءات المتخذة في هذا السياق، هي تقويض لحل الدولتين وفرص السلام الدائم بين الطرفين".
فواضح أن منطق الحكام والسلطة في التعامل مع إعلان نتنياهو المتغطرس والذي يفضي إلى فرض سيطرة يهود الكاملة على ما يقارب ربع مساحة الضفة التي تحلم السلطة الفلسطينية أن تقيم فيها دولة، هو منطق الذليل الخانع الذي لا يرى غير قرارات الأمم المتحدة ومعاهدات السلام التفريطية مرجعا له، إذ باتت أقصى أماني الحكام العملاء هي تطبيق قرارات الاستعمار وحلول السلام الخيانية.
أما نتنياهو الذي لم ير من الحكام إلا الخوار والاستخذاء فقد بات متغولا لا يأبه بغضبهم أو رضاهم، حتى ولو كان المقابل لذلك مجرد حفنة من أصوات الناخبين في الانتخابات القادمة، فهو بات يأمن العواقب من جهة السلطة والحكام، وأصبحت التصريحات والتعهدات التي من المفترض أن تكلفه زوال دولته، أصبحت لا تكلفه سوى عبارات شجب واستنكار بالكاد تصل إلى مسامعه، بل لعله في المرات القادمة في مثل هكذا مواقف سيحمل هم لجنة الانتخابات في كيانه التي قد توقع عليه غرامة أو عقوبة انتخابية لمخالفته قواعد الدعاية الانتخابية كما فعلت هذه المرة أكثر من خشيته من ردود فعل حكام المسلمين!
إن صلافة نتنياهو بإعلانه الوقح سواء أكان لغايات انتخابية أم كان وعودا حقيقية، لهو مؤشر خطير إلى مستوى استصغار كيان يهود للسلطة الفلسطينية وحكام المسلمين، إذ إنه لم يعد يكترث بما يقدم عليه من عربدة وغطرسة على فلسطين وأهلها بعد أن أيقن تخاذل الحكام وتآمرهم على فلسطين معه، فهم وإن اختلف بعضهم معه في بعض تفاصيل عملية السلام وشكل الإخراج ولكنهم كلهم مجمعون على التفريط وخيانة الأرض المباركة فلسطين، فقبلتهم ومرجعياتهم صارت اتفاقيات السلام ومبادرات السلام وقرارات مجلس الأمن الاستعماري، بل ووصل الحد بهم إلى تخويف كيان يهود بانهيار أو تقويض عملية السلام الخيانية!
وسواء أكان نتنياهو قد قام بإعلانه بضوء أخضر من أمريكا كما ترددت بذلك بعض الأنباء تماشيا مع بعض التسريبات الموافقة لصفقة القرن، أم كان إعلانه على غير ما تحب أمريكا كما تؤشر على ذلك المواقف الرافضة للإعلان التي صدرت عن الدول التابعة لها كالسعودية وتركيا، أم كان الإعلان مجرد دعاية ووعود انتخابية في نظر أمريكا ستتعامل معه لاحقا بما تراه مناسبا بعد الانتخابات وبحسب نتائجها ومن سيشكل الحكومة لدى يهود، فإنّ المؤكد في كل هذه الاحتمالات والحالات أن زعماء كيان يهود ومنهم نتنياهو إنما يتعاملون ومنذ فترة طويلة ضمن سياسة فرض الأمر الواقع، مثلما فعلوا في موضوع الاستيطان الذي يكاد يلتهم الضفة، ومثل موضوع يهودية الدولة، أي أنّ زعماء يهود وفي ظل أنهم لم يجدوا ردا حقيقيا من حكام المسلمين يخيفهم أو يوقفهم عند حدهم أو يكنسهم من الأرض المباركة فلسطين كلها، وفي ظل أن إدارة ترامب ستدخل بعد بضعة أشهر في السنة الانتخابية التي تتحول فيها إلى بطة عرجاء، وقد تدخل تلك السنة حاملة معها الفشل في فرض رؤيتها، مما يعني أن زعماء يهود سيواصلون سعيهم لفرض ما يريدون سواء ضمن مشروع التصفية الأمريكي أم ضمن سياسة فرض الأمر الواقع ما لم يكن هناك مانع قوي لدى أمريكا لتحول بين يهود وبين طموحهم، أي أنّ ما قد يمنع يهود ليس مواقف الحكام والسلطة الهزيلة ولا ردود فعلهم المخزية التي لا ترقى إلى مستوى الحدث، وبالطبع فإن هذا المانع الذي قد يكون من جهة أمريكا هو قطعا ليس من باب الحرص على فلسطين وأهلها أو من باب إرجاع الحقوق إلى أهلها، بل لأنه قد يتعارض مع رؤية أمريكا لمشروع التصفية وأهدافها الاستعمارية الاستراتيجية.
أي أن فلسطين ستبقى الضحية المكلومة لتقاعس الحكام وتآمرهم عليها، ولعربدة وغطرسة زعماء يهود، ولمؤامرات ومشاريع التصفية الأمريكية، في ظل غياب الرد الحقيقي والواجب على كل مؤامرات الاستعمار وخطوات الغطرسة اليهودية ألا وهو تحرك الجيوش لدك عروش يهود ولتحرير الأرض المباركة فلسطين، وبغير هذا الرد ستبقى فلسطين تشتكي إلى الله إجرام يهود وتفريط الحكام، وسيبقى أهل فلسطين تحت نير الاحتلال ينادون الأمة وجيوشها للقيام بواجبهم في معركة التحرير.
· عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين