في الرد على مقال "حزب التحرير وتجاهل الميزات الفلسطينية"
بقلم الدكتور إبراهيم التميمي*
نشر الكاتب سري سمور مقالا قبل أيام بعنوان "حزب التحرير وتجاهل الميزات الفلسطينية" تطرق خلاله لنقاط عدة رأيت أن أرد على بعضها لما وجدت فيها من مغالطات أو أخطاء لا بد من تبيانها للقارئ ومن هذه النقاط:
حديثه عن إعلان الحزب عن عيد الفطر ومخالفته لقرار المفتي وأنّ ذلك الموضوع أحدث انقساما أخطر من حدود سايكس-بيكو التي لا يؤمن بها الحزب لأنّ هذا الانقسام، بحسب قوله، وصل إلى البلد الواحد بل إلى الأسرة الواحدة، وأنّ الأولى كان وحدة أهل فلسطين مهما كانت المبررات.
صحيح ما تفضل به الكاتب أنّ الحزب لا يعترف بحدود سايكس-بيكو التي قسمت بلاد المسلمين، بل إنّ الحزب يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الإسلام التي ستعمل على توحيد أمة الإسلام وتوحيد بلاد المسلمين وتزيل هذه الحدود التي خطها الاستعمار، والحزب يُذَكِر أمة الإسلام في كل وقت وفي كل حين أن المسلمين أمة واحدة من دون الناس، وأن الأوطان بأعلامها وأناشيدها الوطنية هي أحد العوائق التي وضعها الغرب للحيلولة دون هذه الوحدة، ولهذا لا يتصور من حزب مبدئي عنده هذا التصور المستمد من الشريعة الإسلامية الغراء أن يتنازل عن حكم شرعي إرضاءً لأهل الأردن أو لبنان أو فلسطين أو المغرب، فالوحدة الحقيقية تكون على الالتزام بشرع الله والنزول عند الحكم الشرعي ولا تكون الوحدة على باطل، لأنّ الباطل يفرق ولا يجمع.
وأيضاً لا يتصور من حزب سياسي واع يعمل على توحيد المسلمين أن يكرس الحدود التي وضعها المستعمر بحجة توحيد أهل فلسطين، فيجعل وحدة أهل فلسطين في يوم العيد على حساب وحدة الأمة وإن كان ذلك يرضي بعض عوام الناس الذين يتوقون لكل ما فيه وحدة للمسلمين، أما الأنظمة ومن هم دون ذلك مثل السلطة فهي تفعل وتفتعل هذه الخلافات عن تعمد ولغاية يريدها أسيادها.
ثم إن ما قام به الحزب لم يكرس انقساما كما حلا للسلطة وأبواقها أن يصوروه، فما إن انتهى العيد حتى بدأت الناس بالنقاش والسؤال والأخذ والرد حول هذا الموضوع وعن الدافع وراء تمسك الحزب بهذا الموقف، وكان الأمر بالنسبة للحزب طبيعيا وصحيا، لأن الحكم الشرعي واضح ويكفي فيه البيان والتذكير، وفوق ذلك فإن أهل فلسطين يدركون أن الحزب يعتبر كل الأنظمة في بلاد المسلمين أنظمة عميلة ويجب خلعها وعلى رأسها النظام السعودي وأن ما قام به الحزب لم يكن تماشياً مع ذلك النظام أو مناكفة لجهة وإنما كان نزولاً عند الحكم الشرعي وهو ثبوت الرؤية الشرعية، حتى بات يدرك الكثير من الناس أن خلاصة ما حصل هو أن الوحدة تكون بناء على الحكم الشرعي لإرضاء الله، وأنّ ما حصل من اختلاف هو بحد ذاته سعي للوحدة لأن الهدف منه الكفر بالحدود الغربية لتوحيد أمة بأكملها على أسس شرعية.
ومما ذكره الكاتب غامزا بالحزب بالقول أنه يرفض تفسير موقف الحزب بأنه يقتصر على إيجاد قضية ينشط بها قواعده ويجذب بها الأنظار ويخطف الأضواء ولو لبرهة من الوقت في ظل الركود السياسي وتراجع اهتمام الناس بأفكاره، على حد تعبيره، فهذا الكلام يفهم منه أنّ ما ذكر هو أحد الأهداف من وجهة نظر الكاتب ولكنه ليس الهدف الوحيد، وهذا الكلام متهاو لا يصح أن يصدر عن مثقف ومتابع، إذ لا يقال لحزب عريق تعرفه كل حكومات العالم ويهابه الطغاة أنه باحث عن الشهرة أو خطف الأضواء، ولا يقال هذا الكلام لحزب يمكر به الغرب ليل نهار من خلال أدواته وعملائه لما يعلمونه من تأثير الحزب وقدرته على تهديد العروش، فحزب التحرير ليس مجهولاً ولا هامشياً ليبحث عن لفتة نظر، أما ادعاء الركود السياسي وتراجع اهتمام الناس بأفكار الحزب فهذا كلام غير دقيق والواقع يثبت عكس ذلك، فالحزب في أوج الكفاح السياسي والصراع مع الأنظمة القائمة خاصة بعد ثورات الربيع العربي، وهذا يظهر للمتابع بشكل واضح وجلي، أما إقبال الأمة على أفكار الحزب فهو في تزايد بشهادة الأعداء أنفسهم ومراكزهم الغربية التي تتوجس من ذلك وتتخوف منه وقد ذكرت ذلك العديد من مراكز الأبحاث والرصد الغربية كمؤسسة راند الأمريكية.
حزب التحرير وقضية فلسطين
من النقاط التي ذكرها الكاتب في مقاله أن الحزب لم يعط لفلسطين خصوصية تذكر ولم يطور أساليبه وخطاباته بسبب فرط المركزية التي تحكمه.
وهذا كلام يجانب الصواب، فالحزب اعتبر قضية فلسطين من قضايا المسلمين الكبرى وأفرد لها خصوصية في الكفاح السياسي منذ نشأته، فكشف وفضح وبين حقيقة كل المؤامرات التي حيكت لهذه القضية وفصلها تفصيلا دقيقا، وكان له في ذلك آلاف الإصدارات، والحزب منذ نشأته بيّن موقفه من قضية فلسطين فقال أن قضية فلسطين قضية إسلامية وقضية أرض مغتصبة وأن الحكم الشرعي يحرم التنازل عن شبر واحد من أرض فلسطين، ويوجب على جيوش المسلمين أن تتحرك لاقتلاع كيان يهود من جذوره، وأنّ هذا هو الحل العملي والوحيد، وغير ذلك هو إلهاء عن الحل الحقيقي أو تضليل، وبيّن الحزب كذلك أن حصر القضايا الإسلامية ومنها قضية فلسطين ضمن البؤر الوطنية الضيقة وفصلها عن امتدادها العالمي والأممي ليس من الوعي السياسي بل هو انتحار سياسي خاصة في ظل التحديات الموجودة ومكر الدول الكبرى، وهو ما غفلت عنه الحركات الوطنية فكان الفشل حليفها في كل مشاريعها، رغم ضخامة التنازلات التي قدمتها تلك الحركات، وما يحصل هذه الأيام خير دليل على ذلك.
أما عن الأساليب، فالحزب يطور أساليبه باستمرار على أن لا تخالف طريقته وفكرته الشرعيتين، فمثلاً الحزب يتبنى العمل السياسي ولا يتبنى العمل المادي في طريقته التزاماً بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة ومن هذا المنطلق لم ينشئ الحزب فرعا مسلحا له مع أن هذا يساهم في كسر الطوق الإعلامي عنه ويلفت أنظار الأمة إليه بشكل كبير كما قال الكاتب ولكن الحزب يعتبر ذلك مخالفا للطريقة وليس تطويرا في الأساليب، أما الأساليب التي لا تخالف الطريقة فهي في تجدد مستمر ولولا الحكام الأنذال والقمع والاعتقال الذي يُمارس بحق الحزب في معظم بلاد المسلمين وهنا في فلسطين ولولا تواطؤ الإعلام مع تلك الأنظمة وإغلاق معظم منابره في وجوهنا لأدرك الكاتب والقراء ضخامة العمل الذي يبذله الحزب مع الأمة، وأدرك حقيقة الحضور الجماهيري للحزب، ومدى ثقله ورسوخ قاعدته الشعبية، والقدرة على التأثير في الأمة وتوجيه الرأي العام، وهذا أمر طبيعي لحزب سياسي مبدؤه الإسلام ويمتلك مشروعا مبلورا مستمدا من الأحكام الشرعية يسعى لإيصاله إلى الحكم بالطريقة التي حددها الشرع وهي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقوة الحزب نابعه من التزامه بالإسلام وعمله ضمن أمة تعتنق الإسلام، وشتان بين من كان هذا حاله ومن كان يحمل أفكار اليسار والعلمانية ويعمل في وسط الأمة الإسلامية، فلا مجال للمقارنة كما ذكر في المقال.
أما قول الكاتب بأنّ الحزب يصر على التواجد في الأراضي الفلسطينية ويصر على استقطاب الناس, مع أنه يرى أن فلسطين هي دار حرب ولا تصلح في وضعها الحالي لإقامة نواة دولة الخلافة التي يراها الحزب أساس حل كل مشكلات المسلمين وأن ذلك يثير التعجب، فيبدو أن الكاتب نسي أن احتلال فلسطين لم يغير حقيقة أن أهل الارض المباركة جزء لا يتجزآ من أمة الإسلام، وأنّ العمل فيهم هو عمل في الأمة، فالأمة الإسلامية كالجسد الواحد وأية حيوية تدب في أحد أعضائه تؤثر فيه كله وقد أثبتت ثورات الربيع العربي ذلك يقينا، وفوق كل هذا فإنّ الحزب يتعبد الله في الارض المباركة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويبذل الجهد في كشف جميع المؤامرات التي تحاك لتصفية قضية فلسطين ويكشف كل مكر يحاك بأهل الارض المباركة، وهذا عمل لا أتوقع أن يختلف معي الكاتب في فضله.
وأختم مقالي بالقول للكاتب بأنّ حزب التحرير ليس براغماتيا كما هو واقع أغلب الأحزاب، بل هو حزب مبدئي ولذلك هو غير قابل للتلون والتماهي مع الواقع الفاسد، بل له فكرته وطريقته المستمدة من الشريعة الغراء، وأن ثقة الحزب بأنّ الله ناصره ولو بعد حين وأن العاقبة للمتقين، ثقة عظيمة تكفيه وتواسيه رغم طول المسير ومشاق العمل، وسيبقى الحزب ثابتا على ما هو عليه حتى يأتي نصر الله.
· عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين