لا تغرسوا رؤوسكم في التراب... هاكم الحل
بقلم: الأستاذ خالد سعيد*
عن الراية
يقف الكثيرون ممن يحاولون إيجاد الحلول لمعالجة أزمات غزة المتلاحقة عاجزين عن إحراز أي نجاح يُذكر، أزمات بعضها فوق بعض لم تدع جانباً من جوانب الحياة إلا وأصابته، التعليم والصحة والخدمات بشكل عام أقل من الحد الأدنى، وأصغر معاملة يمكن أن تستغرق أياماً، المياه غير صالحة للاستخدام الآدمي بحسب دراسات محلية ودولية، الكهرباء وما أدراك ما الكهرباء، من جهة مشكلة توفير الوقود، ومن جهة جدول ساعات الوصل والقطع الذي يشبه دولاب الحظ، ومن جهة أخرى الاتهامات المتبادلة بين سلطة غزة وسلطة رام الله، البطالة تفوق معدل 50%، وكذلك مستوى الفقر حسب الإحصاء المركزي، أجور متدنية، غلاء معيشة، ... إلى ما لا نهاية من المشاكل.
يدس البعض رأسه في التراب منكراً وجود تلك المشاكل مجتمعة أو متفرقة، ويحاول أن يصور المشهد على أنه وردي، والبعض الآخر يجهد نفسه في إيجاد الحلول بينما هو في الحقيقة يُعمق المشكلة ويزيدها تعقيداً، والبعض الآخر بات الأمر له مكسباً وفرصة تجارية لا تفوت، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأحوال في الضفة ليست بأحسن حالاً مما هي عليه في غزة ولكن التفاصيل تختلف.
طبعاً إذا بحثنا عن الأسباب فقد يكون الحصار المفروض على غزة متهماً، وقد يكون الانقسام في السلطة والمناكفة بين الفصائل أيضاً متهماً، وكذلك لا يمكن غض الطرف عن الفساد الإداري والمالي كجزء من المشكلة، ومهما اجتهدنا في حصر الأسباب والمسببات فإن كل ما يمكن رصده يبقى ثانوياً أو نتيجة ترتبت على السبب الأساسي وهو الاحتلال، ففلسطين لا زالت محتلة، وأهل فلسطين يعانون الأمرين من جراء ما يقع عليهم من ظلم، والحياة أصبحت تتلخص في سؤال واحد ووحيد متى ينتهي هذا الكابوس؟ وأي حديث عن كينونة أو استقلال بأي شكل كان وبأي مسمى فهو ضلال وتضليل.
الاحتلال الذي يحاول البعض أن يتساوق معه، وممارسة دور الوكيل، كما تفعل السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها قبل أكثر من ربع قرن، والتي جاءت كمولود لقيط، وثمرة سفاح سياسي بين منظمة التحرير ويهود، فاستكملت مسيرة التفريط والتصفية لقضية فلسطين، ولا حاجة للتدليل على ذلك، يكفي أن قيادتها اتخذت من شعار "الحياة مفاوضات" أساساً لها، في محاولة لصرف المسلمين عن التوجه لتحرير فلسطين، وحصرت القضية في مساومات تفصيلية تتعلق بمطالب آنية، ومعيشية يومية، ورضيت أن تكون حارساً أميناً ليهود، وهو ما أدى إلى تحول القوى الاستعمارية الدولية، والمؤسسات التابعة لها، ووكلاؤهم من حكام المسلمين من أعداء إلى وسطاء يُركن إليهم ليكونوا حكماً بين الضحية والجلاد، وأقرب شاهد على ذلك ما نراه بعد كل عدوان إجرامي على غزة الذبيحة، من ركون إلى النظام الخائن العميل في مصر، الشريك الأكبر في الحصار المضروب على أهل غزة، ليكون وسيطا بين السلطة الفلسطينية وكيان يهود، وهو اليوم وسيط بين سلطة غزة وبين الاحتلال، والمناشدات للأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية للتدخل ودعوات رئيس السلطة المتكررة باستجلاب قوات دولية بحجة حماية أهل فلسطين، بينما هي دعوة لتثبيت كيان يهود وإخضاع أهل فلسطين لاحتلال دولي فوق احتلال يهود، وإمعان في تمكين الدول الاستعمارية من التحكم بالأرض المباركة فلسطين.
الاحتلال الذي استطاع ترويض فصائل العمل العسكري، ويحصر عملها في إطار ردات الفعل، واعتبار الاحتلال جزءاً من الحل ولو مرحلياً حسب زعمهم، ذلك بسبب عدم الوعي السياسي عند تلك الفصائل، وقبولها الدخول في لعبة التحالفات الإقليمية، وتجاذب القوى بين الأنظمة العميلة في المنطقة، والمرتبط بدوره بالقوى الدولية والصراع فيما بينها، وكما أُلبست منظمة التحرير ثوب الخيانة من الدول الغربية وبتعاون مع الدول العربية، فاعترفت بكيان يهود، وفرطت بثلاثة أرباع فلسطين، والحبل على الجرار، نقول كما أُلبست منظمة التحرير ثوب الخيانة من قبلُ ستعمل القوى الاستعمارية وبالتعاون مع عملائهم من الحكام على إلباس باقي الفصائل لبوس الخيانة، لأن ما يدبر لفلسطين جريمة كبرى، وخيانة عظمى لا تقل عن خيانة اتفاق أوسلو، ولا تختلف عن خيانة الحكام في عام 1967 أو خيانتهم عام 1948، بل هي أشد جرماً وخيانة، يتولى كبرها حكام مصر والأردن ومملكة آل سعود، يشاركهم في ذلك المنتفعون والمرتزقة من أقزام فلسطين.
وحتى لا يقع المحظور، وحينها لن ينفع الندم، فإننا ننصح الفصائل جميعا: إن مقتلكم هو الأنظمة العميلة الخائنة، فالحذر الحذر من الوقوع في حبائلها، اقطعوا صلتكم بها، وأعلنوا براءتكم منها ومن المشاريع الغربية، واحتكموا إلى الإسلام، وأعيدوا القضية إلى أصلها إلى الأمة الإسلامية، واستنصروا جيوشها لإقامة الخلافة، وتحرير فلسطين كما فعل القادة المخلصون من قبل.
وإننا على يقين أنه لو كان للمسلمين قيادة مخلصة ولاؤها لله ولرسوله وللمؤمنين، ما كان لأمريكا أن تتجرأ على الاعتراف بالقدس عاصمة لكيان يهود، وبسيادته على الجولان ضاربة بما يدعونه من "الشرعية الدولية" عرض الحائط، وهي تتهيأ هذه الأيام لإعلان صفقتها المزعومة لتصفية القضية، لكن أمريكا لم تجد في حكام المسلمين رجلاً حراً تحسب له حساباً، فجميعهم في العمالة والخيانة سواء، لا فرق في ذلك بين معتدل وممانع، ولا فرق بين من قدم الدعم لفلسطين أو امتنع عن تقديمه، ولا فرق بين من شجب واستنكر أو صمت، لا فرق بين من طبع من فوق الطاولة وبين من طبع من تحتها، فأمريكا ماضية في تطبيق مشروعها لتصفية القضية، وتثبيت كيان يهود، وحكام المسلمين أدوات لها في تنفيذ ذلك المشروع المشؤوم.
أيها المسلمون: إننا اليوم أمام خيارين: إما أن نفرط بفلسطين والعياذ بالله، مقابل فتات نتلقاه، نحسن به ظروف معيشتنا، ونبقى على قيد الحياة أذلاء مسلوبي الإرادة، أو أن نثبت، ونصبر ونصابر ونرابط، خشية لله، والتزاماً بأمره، وتمسكاً بمسرى رسوله r، ولنا الجزاء الأوفى من الله سبحانه.
ونقول لأبنائنا من الجنود والضباط في جيوش المسلمين، إن الجيش الذي صنع بدراً والقادسية واليرموك وحطين وفتح القسطنطينية، سيكون امتداده ذلك الجيش الذي سيحرر الأقصى بإذن الله، وإننا ندرك جهوزية جيوشنا وقدراتها العسكرية، ومتيقنون من عقيدتها القتالية التي لا تنفصل عن عقيدتها الإسلامية، فلن نفقد الأمل بها، وباستجابتها لله نصرة لدينه وعباده، وتحرير الأرض المباركة، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا، ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير الأرض المباركة فلسطين