د. مصعب أبو عرقوب
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
أثناء التحضيرات للثورة الكوبية وفي اجتماع سري عقد في منزل من منازل مكسيكو سيتي عرض تشي جيفارا ضرورة تقديم برنامج ثوري لشعب كوبا فأجابه أحد الحاضرين قائلا :"هذا أمر بسيط جدا, يجب أن نقوم بانقلاب, باتيستا- دكتاتور كوبا - قام بانقلاب واستلم الحكم في يوم واحد, ومن الضروري وقوع انقلاب ثاني لطرده...ارتضى باتيستا بمائة تنازل للأمريكيين, وسنقدم لهم نحن مائة تنازل آخر" استهجن تشي تلك الإجابة وعلق عليها في مذكراته قائلا "كانت المسألة بالنسبة له الاستيلاء على الحكم, وكنت أرى من جانبي أن نقوم بهذا الانقلاب على أساس بعض المبادئ وان المهم في الأمر هو أيضا معرفة ماذا سنفعل عندما نصير في الحكم." هكذا أدرك جيفارا حقيقة تاريخية و عرف الفرق بين الاستيلاء على الحكم وإقامة دولة لها دستورها وأفكارها وأنظمتها الخاصة التي تسعى لتطبيقها.فمجرد الوصول لسدة الحكم ليس بالأمر الصعب لا يلزمه سوى الاستعداد لتقديم التنازلات ومن يقدم أكثر سيصل أسرع وأسهل من غيره, وقد تفسر تلك الحقيقة التاريخية بعض الأحداث والظواهر السياسية التي يصعب على البعض تصديقها, فعندما كان شيخ شريف احمد رئيسا للمحاكم الإسلامية سابقا ووصل إلى الحكم في الصومال كان حينذاك يقاتل الأطماع الخارجية في الصومال من المستعمرين, ويدعو لتطبيق الشريعة الإسلامية, فاجتاحته القوات الإثيوبية مدفوعة بأمريكا وخرج شيخ احمد اثر هزيمة المحاكم الإسلامية نهاية عام 2006, فما الذي قدمه ذلك الشيخ ليعود رئيسا شرعيا يستقبل في عواصم مصر وتركيا وغيرهما, يبدو أن شيئا ما قد تغير ليصبح وصوله للحكم شرعيا و" أمرا بسيطا جدا ".وحتى لا تغيب تلك الحقيقة عن أذهان من يسعى للوصول إلى الحكم بسهولة ويسر تضع وزيرة الخارجية الأمريكية النقاط على الحروف وتبسط الأمور في عصر السرعة فتصرح أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي :"لن نتعامل مع حكومة فلسطينية تضم حماس أو نمول مثل هذه الحكومة بأي شكل من الأشكال ما لم تنبذ حماس العنف وتعترف بإسرائيل وتقبل بالوفاء بالالتزامات السابقة للسلطة الفلسطينية "فالتمويل للوصول لسدة الحكم والشرعية الدولية يبقى منوطا بتنفيذ الشروط وتقديم التنازلات, وما على الراغبين بذلك إلا تقدم الصفوف فلم تفت الفرصة بعد وما زال العرض ساريا فقد طمأنت كلينتون كل المتعطشين للوصول للحكم بقولها "نحن نريد أن نترك الباب مفتوحا", وهكذا ترتسم معالم السياسة الخارجية للإدارة الديمقراطية الجديدة واستعدادها لتقديم "العون والتمويل والشرعية " لجميع المعتدلين في العالم الإسلامي, فكل شيء يتغير فشيخ شريف احمد كان إرهابيا أصوليا ولكنه أصبح رئيس دولة معتدل, وقائمة الإرهاب التي تضم بعض الحركات ليست مقدسة و يمكن تغيرها, المهم أن تقبل العرض الأمريكي لتفتح لك كل الأبواب, وتنضم إلى قائمة المعتدلين عالميا، فالانتقال من التطرف إلى الاعتدال لا يلزمه سوى قبول العرض الأمريكي, وبذلك يقترب وصف الاعتدال السياسي من تعريف جيفارا للمعتدلين فالاعتدال في رأيه " كلمة يحب عملاء الاستعمار استخدامها : فالمعتدلون هم كل أولئك الخائفين, أو كل أولئك الذين يفكرون بالخيانة بشكل من الأشكال, أما الشعب فليس معتدلا على الإطلاق."قد توفر تجربة جيفارا مثالا للتدليل على واقع العلاقة بين الاستعمار والشعوب المقهورة, وتسلط الأضواء على حقائق سياسية وتاريخية دونها في مذكراته بصراحة تحسب له, لكن رؤيته لطريقة التغير و أنظمته بعد الثورة لا تتعدى كونها ردة فعل على السياسة الاستعمارية الظالمة للولايات المتحدة الأمريكية تجاه شعوب أمريكا اللاتينية كما يقر في مذكراته, ولم تشكل مواقفه السياسية وآرائه رادعا حتى لأتباعه الذين تجاوزوها تحت عنوان المرحلية والخطوات التكتيكية واختلال موازين القوى لينصاعوا أمام عاصفة الاعتدال، تلك العاصفة التي لا يملك الوقوف أمامها إلا من استندت مواقفه السياسية لقاعدة صلبة غير قابلة للمساومة على مكاسب شخصية أو حزبية ضيقة, قاعدة تستند إلى عقيدة تملك برنامجا واضحا وأنظمة كفيلة بحل جميع مشاكل الإنسانية وتحدد سلوكا سياسيا ثابتا لا تزعزعه العواصف, مقيدا بتشريع لا يمكن تجاوزه تحت أي ذريعة من الذرائع, فقد شكل موقف الرسول محمد عليه السلام أمام وفد قريش المفاوض تشريعا يغلق كل الأبواب أمام المعتدلين وذرائعهم, وكانت إجابته قاطعة لا لبس فيها "يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري على أن اترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو اهلك دونه ما تركته", واضعا بذلك خطا احمرا لا يمكن تجاوزه لكل من اعتقد الإسلام فكرا ومنهاج حياة واتخذه طريقة خاصة في التغيير و إقامة الدولة, فالعبرة بنوع النظام والبرنامج الذي سيطبق في جميع مناحي الحياة بعد الوصول لسدة الحكم ولا قيمة للسلطة أو الحكم بدون ذلك .على جميع الحركات الإسلامية بما فيها حماس رفض عرض وزيرة الخارجية الأمريكية وقد يقبل البعض كما هو حال جميع النخب الحاكمة في العالم الإسلامي والعربي فقد وصلوا لسدة الحكم بهذه الطريقة بل كان وصولهم "أمرا بسيطا جدا", لكن الأمة الإسلامية لن تنتظر طويلا حتى تقيم دولة بسواعد شبابها وقوتهم الذاتية وتطبق إسلامها وتحمله رسالة نور للعالم فالأمة أصبحت تميز وببساطة أيضا المخلصين من المعتدلين .