إبراهيم الشريف
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
يحق لنا أن يتملكنا الأسى ونحن نرقب مشهدًا مأساويًا يمثل فيه حكام المنطقة أدوار البطولة والضغط على "إسرائيل" دون خوف منها أو وجل، بينما حقيقة الموقف بأنهم كرّسوا الانهزام والتخاذل، فهاهم يتوسلون قادة يهود بأن يقبلوا بوجود دولة لأهل فلسطين أيّ دولة على جزء بسيط من أرض فلسطين مقابل أن يعترفوا بهم ككيان طبيعي في المنطقة بشكل رسمي وكامل، فبعدما قدموا ليهود كل ما يمكن أن يقدموه من تنازلات يأتيهم رد بنيامين نتنياهو بأن فكرة حل الدولتين فكرة غبية وبأن القدس ستبقى موحدة عاصمة لكيانهم !وفي الحقيقة حل الدولتين هذا رؤية أمريكية بحتة، طرحتها الولايات المتحدة الأميركية منذ 1950م حين شجعت على تنفيذ قرار تقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية وتسوية قضية اللاجئين مرورًا بفترة أيزنهاور ثم كينيدي وانتهاء بفترة بوش و أوباما الذي دأب يكرر هو ومبعوثوه بأن حل الدولتين هو الحل الوحيد، وها هم حكام المسلمين دون استثناء يجعلون هذا المشروع مشروعهم وذلك خدمة للسياسة الخارجية الأميركية في العالم الإسلامي، مخالفين بذلك أمر ربهم ومفرطين بأرض طاهرة مقدسة، وسائرين في عكس تيار شعوبهم التي تعاني تحت وطأة تضليلهم الكثيف.
بالنسبة لموقف ما تسمى بدول الاعتدال فموقفها واضح مكشوف، تنادي وتعمل للرؤية الأميركية دون حياء وتصريح مبارك واضح (لا بديل عن حل الدولتين لتحقيق الاستقرار في المنطقة)، ولكن المراوغة تميز مواقف ما تسمى بدول الممانعة، حيث أنها تدعي معاداتها لكيان يهود ودعمها للمقاومة من أجل تحرير فلسطين، بينما الواجب الشرعي المفروض عليهم أن يتحركوا هم كدول لتحرير هذه الأرض المقدسة المغتصبة، وإذا تمعنا في مواقف هذه الدول نجد أنها الأداة الحادة التي تستعملها الولايات المتحدة الأميركية للضغط على كيان يهود من أجل أن يسير فعليًا في حل الدولتين، فالنظام السوري لا يوجد عنده مشكلة في وجود كيان يهود والاعتراف به وإنما مشكلته في حدود هذا الكيان، وتصريحات الرئيس السوري حول "السلام الدائم والشامل" تملأ الصحف والمجلات، وأخبار المفاوضات مع كيان يهود من أجل "السلام العادل والشامل" لم تعد سرية بل وأصبحت رسمية، ولعل القارئ الكريم يدرك معني السلام العادل والشامل هذا..
وموافقة سوريا على المبادرة العربية التي تتضمن الاعتراف بكيان يهود أمر لا يحتاج لشرح.
وبعد الحرب الإجرامية على غزة والتي وقف خلالها النظام السوري متفرجًا أمام المذابح، صرّح الرئيس السوري قائلاً: " إن المقاومة أصبحت عنصراً أساسياً من عناصر السلام" ! " كيف يمكن لمن يريد تحقيق السلام ألا يدعم المقاومة" فحتى دعمه للمقاومة هو دعم يصب في غاية الضغوطات التي تمارس على كيان يهود من أجل أن يسير في حل الدولتين الأميركي وفي التعمية عن الواجب الأصلي.
وإذا انبرينا للنظام الإيراني فإن نجاد أكّد في لقاء مع شبكة اي بي سي أنه: لن يمنع الفلسطينيين من الاعتراف بالدولة العبرية في إطار حل إقليمي على أساس "دولتين"، ولا يفوتني أن أذكر هنا بأن العداء الإيراني لأميركا عداء مزعوم يكذبه التعاون الإيراني الأميركي في العراق وأفغانستان، وهو بمثابة فزّاعة لمنطقة الخليج ليكون مبررًا لبقاء القوات الأميركية، والآن تستخدمه الولايات المتحدة أداة ضغط على نتنياهو من أجل أن يقبل بحل الدولتين، فربطت القيام بإجراءات قوية حيال الملف النووي الإيراني بحصول تقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين، فالعداء الذي تدعيه دول ما يسمى بالممانعة لكيان يهود هو عداء مؤقت من أجل فرض السلام المتمثل بحل الدولتين والدعم الذي تقوم به للمقاومة يصب في نفس الغاية الآثمة، وأملي كبير في أن تكون حركات المقاومة على وعي كامل بما يراد بها ولها.
وهكذا تكتمل خيوط المؤامرة لتصفية قضية فلسطين والمقاومة وبيعها ليهود بثمن بخس تنفيذًا لرؤية أميركا. إن فلسطين مرتبطة بعقيدة المسلمين وهي ليست ملكًا لأهل فلسطين أو حتى لمسلمي اليوم، بل هي حق للأمة إلى قيام الساعة، ولن يطول الزمان الذي نرى فيه جيشًا مسلمًا عقائديًا يُـتّـبر أركان دولة يهود تتبيرًا بإذن الله، وإلى حين ذلك لا يجوز لأحد أن يفرط بشبر واحد من هذه الأرض سواء التي احتلت عام 48 أم عام 67م فكلها سواء في ميزان الإسلام، ويجب الوقوف في وجه كل مؤامرة تهدف لتصفية هذه القضية الهامة في حياة المسلمين، وإلا فهي الخيانة لله والرسول والمؤمنين.