تعليق صحفي

من يعمل من أجل الإسلام لا يكرس سنين حكمه في ترسيخ العلمانية وتبعية البلاد للغرب!

تحت عنوان: "الفاينانشال تايمز: مخاطر سعي أردوغان إلى تطبيق حكم الفرد المطلق"، نشرت البي بي سي العربية تقول نقلا عنها: "بغض النظر عما يظنه المرء بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلا أن على المرء أن يعجب بجرأته". وأردفت إن "هذا القائد الاستبدادي وصل إلى سدة الحكم في عام 2002 بعد وعده بكسر قبضة المؤسسة العلمانية في البلاد وخلق نموذج ديمقراطي في العالم الإسلامي".

وتابعت الصحيفة إنه "بعد مرور أربعة عشر عاماً، فإن أردوغان استطاع ترويض تركيا من دولة يسيطر عليها الجنرالات والقضاة، كما أنه ضيق الخناق على وسائل الإعلام وعلى المتظاهرين وتخلص من منافسيه". ورأت الافتتاحية أن "تركيز أردوغان غير العادي على ممارسة سلطته ليس كافياً، إذ إن من أولوياته الأساسية الحصولَ على سلطة تنفيذية لإضفاء الشرعية على حكم الرجل الواحد". وقالت الصحيفة إنه " من أجل تحقيق ذلك الأمر، أجبر أردوغان رئيس الوزراء التركي داوود أوغلو على تقديم استقالته، وهو الذي كان يعد من الموالين لأردوغان ويشغل رئيس حزب العدالة والتنمية". البي بي سي العربية.

البعض ممن يؤيدون أردوغان في نموذجه (الإسلامي) إنما يتخندقون خلف ذريعة الممكنات وعدم القدرة على التغيير الجذري أو السريع باتجاه الإسلام، ولذلك يلتمسون له أعذارا وأعذارا لعدم تطبيقه الإسلام والعمل على تغيير المجتمع ونظام الحكم إلى الشكل الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، فتجد هؤلاء يرون أنّ أردوغان معذور في عدم تطبيقه للإسلام نظرا لوجود الخصوم العلمانيين الذين يخشاهم والذين لن يسمحوا له بذلك!!

ورغم أنّ هذه الحجة واهية تسقط عند أول وقوف على آيات الله المحكمات التي تحرم الحكم بشرعة الطاغوت ولو للحظة واحدة ومهما كانت المبررات، كقوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، بما تحمله  (ما) في الآية من مفهوم حيث هي من صيغ العموم، فتشمل وجوب العمل بجميع الواجبات، ووجوب الانتهاء والابتعاد عن جميع المنهيات، وكون الطلب بالأخذ والانتهاء الوارد في الآية هو طلب جازم، وهو للوجوب، بقرينة ما ورد في نهاية الآية من الأمر بالتقوى، والوعيد بالعذاب الشديد لمن لم يأخذ جميع ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم ينته عن جميع ما نهى عنه، وكقوله تعالى ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ﴾. رغم ذلك إلا أنّه لو تجاوز المرء هذه الثوابت للحظة بغية البحث فقط، ونظر في حجة عدم القدرة ومحدودية الإمكانيات، وعدم الرغبة في المخاطرة بالمشاركة في الحكم، لوجد في منطقهم عجبا.

إذ أردوغان يخاطر بنفسه وبحكمه، ويضحي برفقاء دربه، وحتى خصومه يستغربون من جرأته في تحديهم، ولكن ليس من أجل الإسلام، وإنما من أجل محاكاة النموذج الرئاسي الأمريكي كما قال قبل أيام، بل وطالب زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو بالرضوخ ومتابعة هذا الانتقال كالحمل الوديع!!

أي أنّ الرجل لا يرى في المخاطرة ضيرا ولا في معاداة خصومه العلمانيين مجازفة خاطئة من أجل التحول إلى النظام الرئاسي، وتراه مستميتا للنجاح في مشروعه الرئاسي العلماني، بينما لا يفكر أو يصرح أو حتى يمهد لتطبيق الإسلام، بل واستنكر دعوة رئيس البرلمان التركي، إسماعيل كهرمان، معارضة النظام العلماني ودعوته إلى اعتماد دستور ديني في تركيا لعام 2016!!

فهلا أفاق من يظن خيراً في أردوغان، وأدركوا خطورة الدور الذي يؤديه أردوغان وحزبه في خدمة المصالح الأمريكية ومعاداة مشروع الإسلام النهضوي؟!

فرحم الله أبا بكر الصديق رضي الله عنه حيث قال حينما قال له الناس: إن هؤلاء جل المسلمين، والعرب على ما ترى قد انتقضت بك، وليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين. فقال: "والذي نفس أبي بكر بيده، لو ظننت أن السباع تَخَطَّفُني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله ، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته".

فشتان بين من ينذر نفسه وروحه خدمة للدين ويعرض حياته للخطر من أجل الإسلام، وبين من يضحي بنفسه من أجل تثبيت نظام علماني وتكريس تبعية تركيا للغرب!!