تعليق صحفي

الرؤية الليكودية والاستعلاء الأمريكي وراء رفض مشروع القرار الفلسطيني

 

تناولت وسائل الإعلام وجود "تباين بشأن رفض مجلس الأمن مشروع إنهاء الاحتلال"، بعدما "استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (فيتو) باعتبارها دولة دائمة العضوية في المجلس"، وامتنعت بريطانيا عن التصويت، بينما "تأسفت الأردن وفرنسا لعدم التوصل إلى إجماع، في حين أكدت مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي على ضرورة استئناف المفاوضات، في ظل ارتياح إسرائيلي"، (الجزيرة نت في 2014/12/31).

إن وضع مواقف القوى العالمية والكيان الصهيوني من مشروع القرار في سياقها الصحيح يقتضي مراجعة رؤى وأهداف الأطراف المختلفة من الحل السلمي:

1-      النظرة الصهيونية: إن الأمن والتطبيع هما الكلمتان المفتاحيتان للنظرة اليهودية، إذ يستهدف الكيان الصهيوني من خلال المسيرة السلمية تحقيق الأمن لجنوده ومستوطنيه، والاختراق الاقتصادي للأسواق العربية وإزالة الحاجز الشعوري مع الشعوب لتقبل كيانهم فوق تراب فلسطين، بينما هي ليست مستعدة في مقابل ذلك بأي تنازل حقيقي عن السيادة، ولو لطرف دولي ثالث (حتى الساعة)، وخصوصا في ظل النظرة الليكودية التوسعية التي ظلّت تحلم بالتوسع لا الانسحاب الفعلي، ولذلك فإن الكيان الصهيوني لا يتحرك خارج حدود تلك الكلمتين، مهما علا صوت جعجعته "السلمية".

2-      النظرة الأمريكية: تلتقي مع النظرة اليهودية في الأمن حيث أعربت أمريكا في أكثر من مناسبة وعلى لسان أكثر من مسئول ورئيس أن "أمن إسرائيل هو من أمن أمريكا"، ولكنها تريد تحجيم "إسرائيل" ضمن حدود معينة، وخصوصا بعد ترسيخ الرؤية الأمريكية بحل الدولتين، وتريدها كحاملة طائرات متقدمة للدفاع عن مصالح أمريكا في المحيط الإسلامي، وفي الوقت نفسه تتصرف معها كتصرف الأب مع الابن المدلل، ولذلك فهي لا تضغط عليها بما يكفي، وتتقبل مشاكساتها، وخصوصا مشاكسات قادة حزب الليكود كأمثال نتنياهو. وفي الوقت نفسه، تريد أمريكا الحفاظ على أوراق الحل بيدها وحدها، فلا تسمح لحل أوروبي بالنفاذ عبر المؤسسات الدولية، إلا إذا كانت صاحبة اليد العليا فيه.

3-      المحاولات الأوروبية: استسلمت أوروبا للرؤية الأمريكية القاضية بحل الدولتين منذ تشكل اللجنة الرباعية، إثر نشر "خارطة الطريق" الأمريكية عام 2003، عندما وجدت أوروبا فيها فسحة للحراك، حيث أشركت أمريكا معها أوروبا وروسيا والأمم المتحدة في الحراك للحل، وصارت أوروبا تلهث خلف تحركات أمريكا، وظلت تفشل كلما حاولت النفاذ عبر أية حالة من حالات انشغال أمريكا بالملفات الأخرى.

ومن المعروف سياسيا أن مشروع القرار الفلسطيني المقدم لم يخرج عن حدود الرؤية الأمريكية (حل الدولتين)، ولم يتمرد على شروط تحقيق الأمن للكيان اليهودي، ولكنه أوروبي المنشأ، وإن وجود طرف دولي ثالث لحفظ الأمن لا يتوافق مع مبدأ السيادة الكاملة التي تريدها "إسرائيل".

لذلك لا يمكن تسويق هذا الرفض الأمريكي – "الإسرائيلي" للقرار على أنه في صالح القرار "وطنيا"، بل إن الفهم الصحيح للرفض لا يصح أن يخرج عن سياق الرؤية الليكودية التوسعية ورفض أية سيادية غير يهودية، مع الاستعلاء الأمريكي على القوى العالمية المؤثرة، وإحباط أي تحركات دولية لا تكون أمريكا عرّابها، وأن أمريكا تسمح لكيان يهود بمساحة من المشاكسة كما يسمح الأب لابنه المدلل، وأن أوروبا ترضخ بالنهاية للعجرفة الأمريكية وتلحق بتحركاتها الجديدة.

ومن العار على من يعتبر نفسه أنه يقود حركة "تحرر وطني"، أن يروج لهذا الرفض في سياق الترويج لمسيرة التنازلات التي قادتها منظمة التحرير الفلسطينية عبر عقود طويلة، متعاميا عن الوقائع السياسية والنظرات الاستعمارية فيما يتعلق بقضية فلسطين.

إن قضية فلسطين هي قضية عسكرية ذات بعد سياسي، ولذلك لا يمكن أن يمر الحل الفعلي عبر المحافل الدولية أو القرارات الدولية، ولا يعدو اللهث في أروقة الأمم المتحدة أن يكون أكثر من غزوات دونكيشوتية حالمة لمن يحمل لقب رئيس في غير موضعه.

3-1-2015