تعليق صحفي: إبعاد سفير أو اعتذار لا يعيد كرامة ولا يرفع حصارا

أعلن وزير الخارجية التركي عن خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي لكيان يهود في تركيا، من مستوى سفير إلى مستوى سكرتير ثانٍ، وذلك غداة التسريبات لتقرير لجنة التحقيق الدولية المعروفة بلجنة بلمار، والذي اعتبر أن الحصار على قطاع غزة مشروعا، وقد صدر هذا التقرير عقب الإعلانات المتكررة لقادة يهود وتأكيدهم أنهم لن يقدموا اعتذارا عن قتل المتضامنين الأتراك في ساحل البحر.

***

لقد جاء هذا الموقف الذي حظي بتصفيق كثير من الفصائل الفلسطينية، بعد عام ونصف على ارتكاب المجزرة بحق الأتراك المسلمين المتضامنين مع أهل غزة، والذين قتلهم يهود بكل صلف، دون أن يرف لهم جفن أو يبدوا أي ندم على فعلتهم، بل إن قادتهم صرحوا أكثر من مرة بأنهم لا ينوون الاعتذار.  جاء موقف حكام تركيا بخفض التمثيل الدبلوماسي ردا على عدم اعتذار يهود وبعيد خروج تقرير لجنة التحقيق الدولية المجحف في حق أهل غزة، لتكون العلاقات على قدر من المساواة، بعدما غادر سفير تركيا كيان يهود قبل أكثر من عام، بعيد الاهانة التي وجهت له من قبل يهود، وهو سفير عندهم.

قد يحمل هذا القرار بخفض العلاقات مع كيان يهود (وليس قطعها) مسحة من البطولة افتقدها حكام تركيا، حتى شاع في أروقة الإعلام والسياسيين القول بأن أردوغان مجرد ظاهرة صوتية، ولكنه قرار لا يرتقي لمطالب الأمة التي لا تفهم معنى أو مغزى لأن يكون هناك علاقات دبلوماسية مع كيان يهود، وهي التي خرجت وملأت شوارع استانبول وأنقرة وغيرها، وحاصرت سفارة كيان يهود وهي تتمنى الوصول لها والفتك بمن فيها وهي تهتف بملء الفم "أردوغان حرك مدافع الجيش التركي".

 

فهل يعبر حكام تركيا بموقفهم هذا حقيقة عن موقف الأمة التي تتوق للأخذ بثأرها؟

وهل كان عليهم الانتظار أكثر من عام ونصف ؟ وأن ينتظروا تحقيق لجنة دولية لكي يعرفوا ويفهموا أن ما قامت به يهود جريمة لا تغتفر؟

وهل كان حكام تركيا سيعززون العلاقات مع كيان يهود إن قام كيان يهود بتقديم اعتذار لتركيا كما طالبوا هم بذلك، عن مقتل ما يقارب العشرة من أبنائها الأبطال الذين قضوا وهو يحاولون كسر الحصار الجائر عن غزة؟

وهل كان هذا الاعتذار فيما لو حصل سيعزز العلاقات ويعيدها بين كيان يهود وبين حكام تركيا؟

وهل إذا اعتذر يهود سيكون ذلك مبررا لاستمرار التعاون العسكري والتدريبات المشتركة وتدريب طياري يهود في أجواء تركيا ليقوموا بعدها بالتنفيذ الفعلي وإغراق أهل فلسطين بحمم أسلحتهم؟

وهل إذا اعتذر يهود لا يعود المسجد الأقصى مغتصبا أو تتحرر الجولان مثلا ؟ أو ينتهي مسلسل الإجرام اللامتناهي ليهود وتنتهي غطرستهم في بلاد المسلمين؟

أم هل اعتذار يهود سيعيد الدماء التي أسالوها إجراما واستكبارا في الأرض وهم يعلمون أنهم لن يعاقبوا بعقوبة رادعة ومن أمن العقوبة أساء الأدب ؟

أم هل أن اعتذار يهود يفك الحصار عن غزة وأهلها ؟ وهو ما تطلع له أولئك الأبطال الذين قضوا على سفينة مرمرة، وهم يعلمون أن جهدهم هذا ما هو إلا عمل متواضع لا يرفع حصارا، ولكن معدنهم النفيس أبى التسليم للمحتل و الرضى بالأمر الواقع.

 إن القضية الفلسطينية وصراع يهود مع الأمة لا تنتهي ولو اعتذروا عن إجرامهم البشع، لأنها قضية أرض إسلامية محتلة يجب على الأمة تحريرها كاملة والقضاء على هذا الكيان المسخ. أما المشكلة عند حكام تركيا فلا تكمن في وجود الاحتلال ولا التفكير في إزالته، بل هم يريدون التعاون مع هذا المحتل وكأنه دولة شرعية تصح معها العلاقات الطبيعية، وهم يتعاملون مع الموقف كأنه مشكلة تقع بين أي دولتين في العالم، واحدة تخطئ في حق الأخرى فتطالبها الأخرى باعتذار، فإن اعتذرت انتهت المشكلة. ولذلك هم يربطون عودة التعاون والعلاقات التجارية والعسكرية الحميمة إلى سابق عهدها بمجرد اعتذار ! وترجع "إسرائيل" دولة صديقة!

إن الأمة الكريمة تسبق حكامها ولا ترضى بالمطالبات السطحية والشكلية، وهي تستحق وتتطلع إلى حكام من جنسها ينفذون تطلعاتها ويقودونها من شاهق إلى شاهق، فقد طال التصاقها بالأرض على أيدي حكامها الذين بدأت تهتز وتزول عروشهم، ولسان حال الأمة مع خداع حكامها يقول:

كدنا نخاف إذا طلبنا أنجماً        أن يرشدونا للحصى في الوادي

3-9-2011