خبر وتعليق
هل تجتمع مفاهيم الثورة والتطبيع ؟
ذكرت وكالات الأنباء أن العلاقات التجارية "الإسرائيلية" المصرية عادت لمسارها، ونقل عن مسئول في كيان يهود قوله "إن المصانع المصرية التي تستخدم منتجات إسرائيلية بموجب اتفاق تجارة برعاية أمريكية قد استأنفت العمل اثر تعطيلات جراء احتجاجات في مصر".
إن هذا التطبيع مع كيان يهود الغاصب وما يتضمنه من اعتراف به على أرض فلسطين هو من أهم معالم الخيانة في الأنظمة العربية المستبدة، وإن التطبيع الاقتصادي من خلال حركة البضائع مع هذا الكيان هي من معالم الفساد السياسي والتآمر لمصلحة المحتل، وهو ما يجب أن ينتهي مع انتهاء مبارك. 
وإن هذا الخبر بحاجة إلى وقفة مع مفهوم التطبيع: فالتطبيع هو مصدر لغوي يفيد جعل الشيء طبيعيا، ولا توجد هذه الكلمة أساسا في قواميس اللغة العريقة، ولكنّها اشتقت ودرجت في الاستخدام ترجمة لكلمة (Normalization) الإنجليزية، والتي هي مصدر لكلمة بمعنى العادي أو الطبيعي أو المعياري أو المتعارف عليه. ويُقصد بكلمة التطبيع في مجال العلوم السياسية إقامة علاقات طبيعية في جوانب الحياة المختلفة بين دول مختلفة وشعوب مختلفة بعد أن تكون قد مرّت في حالة صراع قد يصل إلى الدموية.
ولقد بدأ مفهوم التطبيع يطفو على سطح الخطاب السياسي العربي بعد توقيع اتفاقيات الخيانة مع الأنظمة العربية، وكانت الانطلاقة الرسمية للتطبيع مع توقيع معاهدة كامب ديفيد ما بين كيان يهود ونظام السادات البائد عام 1979، وما تلاها من تداعيات، حيث كسر السادات الحاجز النفسي عندما زار فلسطين وهي تحت الاحتلال. ومن ثم حصل انفلات عارم وهرولة من قبل الأنظمة نحو التطبيع بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 مع منظمة التحرير وما تلتها من اتفاقية وادي عربة مع الأردن سنة 1994. 
وهو يجري من خلال إقامة العلاقات الدبلوماسية، وفتح الحدود لحركة الناس والسلع والثقافات والعادات والفنون. وحركة السلع تعني إنهاء ما تسمّى حالة المقاطعة الاقتصادية العربية للشركات اليهودية والدول المتعاملة معها، وتشمل السماح للسفن الإسرائيلية بعبور قناة السويس ومضيق ثيران، واستخدام كافة الموانئ العربية. 
وكان شمعون بيريس قد تحدث عن هدف الاندماج بالشرق الأوسط، كتصور مستقبلي لاستيعاب "إسرائيل" في المنطقة، أو ربما بشكل أدق لابتلاع "إسرائيل" للمنطقة، كما جاء في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) عام 1993، الذي يقوم على فكرة التمدد السياسي والاقتصادي "الإسرائيلي" في المنطقة من خلال السوق الشرق أوسطية.
إن أي علاقة مع هذا الكيان ما هي إلا سير في مشاريع الأعداء ولا يمكن أن تلتقي مع شموخ الثائرين على الاستبداد، وهي ثمار لتلك الاتفاقيات التي كبلت الأمة وأذلتها، وهي القيود التي ثار عليها شباب المسلمين وهم يتحركون لإسقاط الأنظمة، فكيف يمكن للثارين في مصر أن يعتبروا أنهم قد أنجزوا مهمتهم في ظل استمرار العلاقة المحرمة مع هذا الاحتلال المجرم في ظل استعادة نشاطات التطبيع الاقتصادي مع هذا الكيان ؟
5-3-2011