ذكرت وكالة معا أن تقريرا حقوقيا (للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان)، يعتبر الأول من نوعه خصص لمراجعة عمل وصلاحيات جهاز المخابرات العامة الفلسطيني، أوصى بأهمية قيام السلطة الوطنية الفلسطينية بإصلاح مؤسسّي، وبضرورة أن يصدر رئيس السلطة تعليمات واضحة ومحددة، لكافة ضباط ومنتسبي جهاز المخابرات بضرورة الالتزام بأحكام القانون. وذُكر أن فكرة إعداد هذا التقرير جاءت على ضوء التساؤلات التي أثارتها قضية قيام ضابط كبير في جهاز المخابرات العامة الفلسطينية بطرح تسجيلات مصورة ووثائق أخرى على وسائل الإعلام، تتعلق بشخصية سياسية مرموقة.
وحسب التقرير، فإن ما يجري على أرض الواقع من عمليات قبض واحتجاز وتفتيش وتحقيق وجمع معلومات من قبل المخابرات هو استبعاد للنيابة العامة (صاحبة المسئولية)، وحصر الأعمال في ضباط المخابرات العامة والنيابة العسكرية، وهو مخالف لقانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني للعام 2001، وهذا ما تستخلصه الهيئة من خلال زياراتها الدورية إلى مراكز الاحتجاز التابعة للمخابرات، واستماعها إلى إفادات المحتجزين فيها، أن المخابرات مارست أنشطة مختلفة مست الضمانات المنصوص عليها في باب الحقوق والحريات من القانون الأساسي الفلسطيني، وقانون الإجراءات الجزائية، كدخول المساكن بدون مذكرة، والتنصت على المكالمات دون إذن النيابة العامة والقضاء.
***
لقد طفحت جرائم جهاز المخابرات وجهاز الأمن الوقائي وأزكمت روائحها المنتنة أنوف الناس، بعدما عذّبت ونكّلت وقتلت واعتقلت الأبرياء، وأصرّت على الاعتقالات السياسية، وعربدت وهي تسير على نهج الأنظمة الديكتاتورية بعدما ولّى ذلك الزمان، وانقضى. ولا زال هنالك من يتحدث عن إصلاح الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ولا زال هنالك من ينافق لها من السياسيين، ومن يكرم ضباطها، بدل احتقارهم على وحشيتهم بحق إخوانهم، وبدل اعتبارهم مجرمين في حق الأمة وأبنائها.
ومن المؤسف أن يأتي هذا التقرير في سياق الدفاع عن شخصيات سياسية "مرموقة!!" نتيجة الفضائح، بدل أن يأتي للدفاع عن حقوق أناس شرفاء ومخلصين انتهكت من قبل جهازي المخابرات والأمن الوقائي ولم يتحرك أحد لنصرتهم، وكأن الهيئة المستقلة لحقوق "الإنسان" تصنف "الإنسان" على أساس الشخصيات المرموقة وغير المرموقة !
وإن المتابع لما يجري على الأرض يدرك أن المخابرات والأجهزة الأمنية الأخرى تعتبر نفسها فوق السلطة وفوق قوانينها، فكيف يمكن لرئيس السلطة أن يكبح جماح هذه الأجهزة المسعورة ؟ وهي التي تتفلت من القوانين وتتمرد على قرارات محكمة العدل العليا، حتى صار التفكير لدى الناس أن تأخذ القانون بأيديها بعد أن لم تنصفها قوانين السلطة ولا محاكمها أمام المخابرات والأمن الوقائي.
إن أجهزة أمنية خرّج ضباطها جنرالٌ أميركي حاقد على المسلمين لا يتوقع منها إلا الفساد والإفساد، فما النتيجة العملية في أن يصدر رئيس السلطة تعليمات لأجهزة أمنية تفتخر بالفلتان الأمني وبتمردها على سلطات القضاء ومحكمة العدل العليا، وهي تقول: "لا أحد يلوي ذراع المخابرات" كما فعلت في ردة فعلها على اعتقال محمد الخطيب من حزب التحرير: هل يستطيع رئيس السلطة الفلسطينية أن يلوي ذراع المخابرات وهو لم يستطع أن ينفّذ قرار محكمة العدل العليا بحق الخطيب!
وأمام هذا الفلتان، صار حريا بأهل فلسطين أن يقفوا في وجه هذه الأجهزة سياسيا، وأن يسحبوا بساط العربدة من تحت أرجلهم، حتى تعود الأمور إلى نصابها، وحتى يحافظ الناس على كراماتهم. وإن السكوت على جرائم الجهاز المسعور تقوده إلى مزيد من التغوّل، ولذلك يجب أن يرفض الناس منطق العربدة وأن لا يستجيبوا لأوامر هذه الأجهزة في التحقيق وفي قبول الإهانة وخصوصا أنها أوامر تتناقض مع قانون السلطة الذي تدعيه. ويجب أن يقفوا أمام ضباط تلك الأجهزة وقفة المؤمن المعتز بدينه وإيمانه.
"وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ"
1/11/2010