بسم الله الرحمن الرحيم

جواب سؤال

" التعجيل بأداء الدين المؤجل مقابل خصم جزء منه"

السؤال:

إذا اشترى رجل سلعة بعشرة آلاف يدفع شيئا منها حالاً والباقي منجماً على سنة مثلاً، فهل إذا جاءه البائع بعد الشهر الثالث مثلاً وقال له إذا أعطيتني ما تبقى وهو خمسة آلاف مثلاً، خصمت لك ألفاً، فآخذ منك أربعة فقط، فهل يعتبر هذا بيعاً للدين بأقل من قيمته لأجل التعجيل في الدفع أم هو مسامحة مشروطة وليست بيعاً للدين.

وإذا كان هذا جائزاً، فكيف يختلف عن جعل ثمنين للسلعة في عقد واحد؟

الجواب:

إن التعجيل بأداء الدين المؤجل مقابل خصم جزء منه ليس بيعاً للدين بالدين، وإنما هو في الفقه تحت باب "ضعْ وتعجَّل"، أي ضع من الدين المؤجل شيئاً مقابل سداده معجلاً.

أما الدَّيْن بالدَّيْن، فكأن يكون لك على رجل ألف دينار فتشتري منه بها مئة كيلو من العدس يعطيها لك بعد شهر، فهنا بعت الدين "1000" دينار بالعدس المؤجل أي بالدين، وهذا حرام لأنه بيع الدين بالدين، علاوة على أنه سَلَمٌ برأس مال دين، وهو حرام، لأن رأس مال السلم يجب أن يكون مقبوضاً منذ البداية.

وصورة أخرى للدين بالدين كأن يكون لك دين على عمرو "1000" دينار، ولي على زيد دين "مئة ثوب"، فأقول لك أبيعك الأثواب المئة على زيد بالألف التي لك على عمرو... فهذا بيع دين بدين...

وهناك صور أخرى، ولكنها كلها بيع دين بدين. ويسمى هذا كذلك بيع الكالئ بالكالئ، وبيع النسيئة بالنسيئة...

وهذا البيع لغير المدين حرام قولاً واحداً لحديث الحاكم في مستدركه على الصحيحين عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ». وأضيف في رواية أخرى «هُوَ النَّسِيئَةُ بِالنَّسِيئَةِ».

وأما بيع الدين بالدين للمدين فمختلف فيه فمنهم من يجيزه ومنهم من يحرمه...

وأما سؤالك فهو عند الفقهاء كما قلنا تحت باب "ضعْ وتعجَّل"، أي ضع من الدين المؤجل شيئاً مقابل دفع الدين أو بعضه معجلاً... وهذه المسألة مختلف فيها:

- فمنهم من لا يجيزها ويستند إلى أدلة منها:

-1 ما أخرجه البيهقي في سننه الكبرى عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: أَسْلَفْتُ رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ، ثُمَّ خَرَجَ سَهْمِي فِي بَعَثٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: عَجِّلْ لِي تِسْعِينَ دِينَارًا وَأَحُطُّ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَكَلْتَ رِبًا يَا مِقْدَادُ، وَأَطْعَمْتَهُ».

)وللعلم فقد قال الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان: "في سند حديث البيهقي ضعف("

-2قالوا إنّه معلوم أنّ ربا الجاهليّة إنّما كان قرضاً مؤجّلاً بزيادة مشروطة، فكانت الزّيادة بدلاً من زيادة الأجل، فأبطله اللّه تعالى، وحرّمه، وقال(وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم)، وأضافوا أن خصم جزء من الدين بدلاً من تقريب الأجل هو كذلك حرام بسبب العوض المترتب على الأجل، زيادةً أو نقصانا.

وقال بتحريم هذا الأمر "ضع وتعجَّل" جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وكرهه زيد بن ثابت وابن عمر وعدد من التابعين.

- ومنهم من يجيزها ويستند إلى أدلة منها:

-1 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْرِجَ بَنِي النَّضِيرِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ أَمَرْتَ بِإِخْرَاجِنَا وَلَنَا عَلَى النَّاسِ دُيُونٌ لَمْ تَحِلَّ، قَالَ: «ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا» رواه الحاكم في مستدركه على الصحيحين وقال هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

)وللعلم فقد قال الذهبي في تلخيصه الزنجي ضعيف وعبد العزيز ليس بثقة. وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة "وإسناده حسن ليس فيه إلا مسلم بن خالد الزنجي وحديثه لا ينحط عن رتبة الحسن.("

-2 قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "إنما الربا أَخِّرْ لي وأنا أزيدك" وليس "عَجِّلْ لي وأنا أضع عنك".

وقد رُوي جواز ذلك عن ابن عباس والنخعي والحسن وابن سيرين وهو رواية عن الإمام أحمد ووجه عند الشافعية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وأجازها ابن عابدين من فقهاء الحنفية كما في حاشيته على "الدر المختار"

ونحن لا نحب أن نتبنى في المسألة رأياً، فليقلد صاحب المسألة من يطمئن برأيه من الفقهاء...

وكما ترى فإن هذه المسألة تختلف عن مسألة البيع نقداً أو بالتقسيط، فلو قال البائع سعر هذه السلعة بألف نقداً أو بألف وثلاث مئة على أقساط، وتُركت هكذا عائمة فلا يجوز، لأن الثمن مجهول. أما لو تحدد السعر فقال المشتري: أشتريها بكذا نقداً، أو قال أشتريها بكذا تقسيطاً، فهو جائز حيث حدد الثمن، وأصبح للسلعة ثمن واحد.

14 من صـفر 1434

الموافق 2012/12/27م

للمزيد من التفاصيل

 

بسم الله الرحمن الرحيم

)سلسة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك(

جواب سؤال حول الأوراق النقدية

إلى حافظ غرس اللهHafedh Gharsallah

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أخي الكريم جزاك الله عما تفضلت به من شرح،

اسمح لي يا أخي أن أطرح عليك هذه الأسئلة:

تخيل نفسك أجيرا أو موظفا وحرمت من أجرتك أو من مرتّبك لسنوات خلت، فهل ترى من العدل أن يحكم لك بأجرك الذي حرمت منه بنفس القيمة التي كانت قبل 10 سنوات مثلا؟ فمثلا إذا أخذت منك 84 غراما من الذهب يفترض مني أن أرجع إليك 84 غراما من الذهب ولو بعد عشر سنوات وهذا شرع الله. يا سيدي 84 غراما من الذهب = 7230 دينارا الآن، أما قبل 10 سنوات فإن 84 غراما من الذهب = 1200 دينار، فإذا اقترضت منك 1200 دينار وأرجعتها لك بعد 10 سنوات 1200 دينار أكون قد أرجعت لك سدس القيمة أي 14 غراما من الذهب وهذا فيه بخس لمالك، وقد نهانا الله جل وعلا وقال في قرآنه الكريم ((ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين)) وهو حسب فهمي المقصد من تحريم الربا. ألا ترى يا أخي بأن يرجع الشيء (الدينار الذي لا يستمد قيمته من ذاته، إنما هي قيمة متفق عليها) إلى أصله (الذهب)؟

الجواب:

الأخ الكريم حافظ غرس اللهHafedh Gharsallah

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

بالنسبة للنقود الورقية الحالية، فتنطبق عليها أحكام النقد بجامع العلة "النقدية" أي استعمال هذه الأوراق أثماناً وأجوراً، وكل ما يُتعامل به أثماناً وأجوراً يُعد نقداً وتنطبق عليه أحكام النقد ما دام متداولاً بين الناس وغير كاسد، أي غير ملغى قانوناً.

أما دليل اعتبار هذا الورق نقداً تطبق عليه أحكام النقد، فهو:

حيث إن هذه الأوراق الإلزامية، قد اصطلح على جعلها نقداً وأثماناً للأشياء، وأجرة للمنافع والخدمات، وبها يشترى الذهب والفضة، كما يشترى بها سائر العروض والأعيان، فإنها تكون قد تحققت فيها علة النقدية، أي "استعمالها أثماناً وأجورا" المتحققتان في الذهب والفضة، المضروبتين دنانير ودراهم. ولذلك تطبق أحكام النقد في الذهب والفضة على النقد الورقي الإلزامي، فتؤخذ منه الزكاة ويمنع فيه ربا الفضل والنسيئة، ولذلك فلا يجوز أن يُسدَّد الدين بأكثر منه وإلا كان ربا النسيئة، وكذلك لا يجوز الصرف من الجنس الواحد إلا مثلاً بمثل وهاء بهاء... وفق الأحكام الشرعية المتعلقة بالنقد، ذهباً وفضة.

وعليه فإن دَيْنك على الآخرين يُسدَّد لك كما هو دون زيادة حتى وإن انخفضت العملة أو زادت... ما دامت العملة سارية المفعول قانوناً.

إني أقدر ما ذكرته من مشاكل نتيجة انخفاض النقد، فكما ذكرت فإن كان لك على فلان "1000" دينار مثلاً قبل عشر سنوات ويريد أن يسددها لك اليوم، فواضح من ذلك الوقع الثقيل عليك نتيجة انخفاض هذا الورق خلال العشر سنوات. ولكن الحق أحق أن يتبع، وما دام هذا الورق ينطبق عليه واقع النقد فتطبق عليه أحكامه من حيث الربا، فإذن لا يجوز أن يُسدَّد الدين بأكثر منه ما دام هذا الورق النقدي صالحاً قانوناً للتداول.

أسأل الله سبحانه أن يبارك لك في مالك وأهلك وولدك.

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

06 من رجب 1434

الموافق 2013/05/16م

للمزيد من التفاصيل