هل تصبح تركيا عرّابا للتطبيع وسمساراً للمحتل عبر خط الغاز؟!

 علاء أبو صالح*

عن الراية

اتفقت دولة يهود وتركيا الخميس الماضي على بدء محادثات حول إمكان بناء أنبوب غاز يربط بين البلدين تحت البحر لإمداد تركيا وأوروبا بالغاز، وذلك في الزيارة الأولى لوزير في حكومة الاحتلال إلى تركيا منذ تطبيع العلاقات بين البلدين.

 وقال وزير الطاقة في كيان يهود يوفال شتاينتز عقب لقائه في إسطنبول نظيره التركي بيرات ألبيرق «قررنا أن نباشر فوراً محادثات بين حكومتينا لتحديد إمكان وجدوى مثل هذا المشروع»، وأضاف أن «المشروع يمكن أن يتيح لنا نقل الغاز الطبيعي من (إسرائيل) إلى تركيا ومنها إلى أوروبا».

 وأكد أن بلاده «اكتشفت حوالي 900 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي» وأن «الاحتياطات يمكن أن تصل إلى حوالي ثلاثة تريليونات متر مكعب»، مشدداً على أن هذه الكمية الضخمة «أكبر من أن يستهلكها بلد صغير مثل (إسرائيل) ».

 فيما صرح وزير الطاقة التركي في بيان له أنه اتفق مع نظيره في كيان يهود على إقامة حوار بشأن تصدير الغاز الطبيعي، وأضاف ألبيرق، وهو صهر أردوغان، أنه بحث مع شتاينتز سبل توفير الطاقة الكهربائية لأهل فلسطين، ومن ذلك إنشاء محطتين لتوليد الكهرباء في جنين بالضفة الغربية وفي غزة.

 وفي ندوة مغلقة حول حوض المتوسط على هامش مؤتمر الطاقة في اسطنبول، قال ألبيرق "إن التقارب التركي (الإسرائيلي) حول إيصال موارد الغاز الطبيعية شرقي المتوسط، سيمنح بلاده فرصة لتكون فعّالة في المنطقة، ويقدم لها مكاسب كبيرة من جهة الاتحاد الأوروبي". مؤكداً على ضرورة اعتبار الطاقة "وسيلة لإحلال السلام، وعدم فهمها على أنها سبب لاستمرار الصراعات".

 تأتي هذه التطورات بعد أن اعتبر رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أن دولة الاحتلال قد "نفذت كافة شروط بلاده لتطبيع العلاقات بينهما"، وتبع ذلك انحدار النظام التركي بتسارع في تطبيع علاقاته مع كيان يهود المحتل، فهو بعد أن اشترط رفع الحصار عن غزة، رغم أن هذا الشرط لا يبرر جريمة التطبيع، اكتفى بإدخال فتات المساعدات عبر الموانئ اليهودية ذرا للرماد في العيون وسعياً للتغطية على جريمته النكراء، وها هو النظام التركي يسعى لتبرير جريمته الجديدة مرة أخرى عبر حديثه عن بناء محطتين لتوليد الكهرباء في الضفة وغزة، وكأن نصرة فلسطين وأهلها تكون بتوفير الكهرباء ولقمة العيش المغموسة بالذل وبتركهم ومقدساتهم تحت نير الاحتلال!.

 إن تصريحات ألبيرق وتطلع بلاده للتأثير في المنطقة عبر تقديم الخدمات لكيان يهود وأوروبا، وتسخيرها خط أنبوب الغاز المزمع إنشاؤه لإحلال ما يسمى بالسلام في المنطقة، هي تصريحات دونية وتعبر عن رؤية النظام التركي للتأثير والفعالية في المنطقة والقائمة على السير تحت مظلة التبعية، وهي مؤشر على مدى انخراط حكام تركيا في ترسيخ الهيمنة الغربية على منطقة شرق المتوسط وعدم اكتراثها فعلياً بفلسطين وأهلها إلا ضمن حدود هذه الغاية.

 إن لعب دور فعّال في المنطقة لا يكون عبر التبعية وتقديم الخدمات للمحتلين والمستعمرين، بل بتبني قضايا الأمة والانحياز لمبدئها والسعي لتحررها ولو أدى ذلك لمجابهة قوى الطغيان كلها، أما الخضوع لما يسمى بقواعد اللعبة الغربية فسيبقي تركيا رهناً للسياسات الاستعمارية ويجعلها أداة تخدم الاستعمار ولا تخدم أمتها.

 إن النظام التركي بحزبه الحاكم ورئيسه قد خذلوا فلسطين رغم ادعائهم (الإسلام المعتدل)، وكل جعجعاتهم الإعلامية ذهبت أدراج الرياح مع أول مفترق طرق حقيقي، ولو كان هؤلاء قد تنسموا عبق العثمانيين أو اتخذوا من سليمان القانوني أو عبد الحميد رحمهما الله قدوة لهم، ما كان لهم ليرضوا إطلاقا أن يساوموا على المبادئ أو "تشريح أجسادنا ونحن أحياء" لقاء حفنة من الدولارات أو لقاء اتفاقيات اقتصادية هي لمصلحة يهود أقرب. فقد صرح رئيس وزراء كيان يهود في روما في حزيران الماضي بقوله: "الآن من الممكن توريد الغاز من (إسرائيل) إلى تركيا ومنها إلى أوروبا. من دون الاتفاق كان من المستحيل فعل ذلك"، منوها إلى أن اتفاق تطبيع العلاقات يصب في مصالح كيان يهود الوطنية.

 ثم إن الغاز محل المباحثات هو من ثروات المسلمين المغتصبة، ومثل هذه المباحثات وما سيتمخض عنها من اتفاقيات متوقعة هي إقرار لهذا الاغتصاب وجريمة أخرى فوق جريمة التطبيع مع هذا الكيان المحتل.

 نعم إن هذه الاتفاقية المزمعة ستجعل من تركيا بوابة لبيع الغاز - الذي يسرقه كيان يهود - إلى أوروبا والعالم، وهو ما يفسر اهتمام كيان يهود بهذه المباحثات أكثر من العقود المبرمة والمتوقعة مع كل من الأردن ومصر وقبرص واليونان. فقد أكد وزير الطاقة في كيان يهود أن بلاده بصدد إبرام اتفاقيات تعاون في مجال الطاقة مع كل من الأردن ومصر وقبرص واليونان، مشددا على أن "الخيار التركي مهم جدا". ورأى الخبير في مجال الطاقة بجامعة بلكنت التركية نجدت بامير "أنه من وجهة النظر (الإسرائيلية) فإن نقل الغاز (الإسرائيلي) إلى أوروبا عبر تركيا هو الطريق الأكثر إفادة".

وجراء ذلك ستصبح تركيا بوابة للتطبيع، وسمساراً للترويج السياسي قبل التجاري لهذا الكيان المجرم وأداة لتبييض صورته الكالحة دولياً، وسيبقى النظام التركي - كدأبه في التضليل - يتغنى "بنصرة" أهل فلسطين والعمل على تخفيف آثار الإجرام اليهودي عنهم مع بقائهم تحت الاحتلال دون أن يحرك ساكناً أو يقدم شيئاً في سبيل تحرير فلسطين الأرض المباركة التي حافظ عليها عبد الحميد وضيّعها وقصّر فيها وتآمر عليها ورثة مصطفى كمال.

إن تركيا كان يمكن لها أن تمتلك هذا الغاز هي ومن خلفها بقية المسلمين، وأن تمتلك معادن البحر الميت وبقية ثروات فلسطين المغتصبة، لو أنها تأسّتْ بسيرة العثمانيين ودافعت عن مسرى نبيها وحررت فلسطين من رجس يهود وقضت على كيانهم المسخ، فتعود الثروات إلى أصحابها الحقيقيين، لكن هذا النظام ورئيسه الذي تغنى مراراً بالعثمانيين تنكب سيرتهم واقتفى أثر مصطفى كمال العلماني هادم الخلافة العثمانية، ونظر لفلسطين نظرة وطنية ضيقة ورضي باحتلالها ورهن قراره بيد أمريكا التي دفعته لتطبيع العلاقات مع كيان يهود بعد أن أهانوا دولته وقتلوا رعاياه، مما جعله في النهاية يبتاع ثرواته بدل أن يبيعها، وتتحكم فيه دولة يهود المسخ بدل أن يتحكم هو في العالم!

 

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين