التعزية في المجرم شمعون بيريز والمشاركة في جنازته شرعنة للاحتلال وجرائمه

*باهر صالح

عن الراية

 

شُيعت في القدس المحتلة الجمعة 30/9/2016م جنازة شمعون بيريز الرئيس التاسع لدولة يهود وآخر قادتها المؤسسين، بحضور تسعين وفدا دوليا، بينما شارك من العرب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وعدد من المسؤولين الأمنيين والسياسيين بينهم صائب عريقات أمين سر منظمة التحرير، ومحمد المدني مسؤول ما تسمى "لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي" في السلطة الفلسطينية، وحسين الشيخ مسؤول الارتباط والتنسيق، إلى جانب وفود من الأردن ومصر والمغرب وسلطنة عمان والبحرين.

لا شك أنّ هذه المشاركة والتعزية من قبل السلطة الفلسطينية والوفود العربية بوفاة رئيس دولة يهود المحتلة للأرض المباركة فلسطين خطيئة وجريمة نكراء بكل المقاييس، بل هي خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين.

فبيريز هو رئيس دولة يهود القاتلة لأطفال ونساء وشيوخ فلسطين، والمهجرة للملايين من أبنائها، والمدنسة للمسجد الأقصى وأرض فلسطين الطاهرة، وقبل ذلك ومعه هي المحتلة لأرض فلسطين، الأرض الإسلامية المباركة، وحتى بيريز نفسه فله الخصوصية والتميز في الإجرام بحق فلسطين وأهلها، فهو صاحب باع في جرائم الإبادة بحق أهل فلسطين خلال خدمته في حركة "الهاجاناه" المعروفة بجرائمها، وهو من قاد مذبحة مخيم جنين والياسمينة في مدينة نابلس القديمة عام 1987م، وهو من أمر باستهداف ملجأ للأمم المتحدة في قانا وقتل مئات النساء والأطفال عام 1996م، حتى لُقب بجزار قانا، وهو مهندس العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وهو يعد عراب المشروع النووي لكيان يهود ومؤسس الاستيطان في الضفة الغربية،... فهو باختصار رجل متميز في الإجرام وصاحب سبق في مشروع الاحتلال.

فالمشاركة في جنازته وعزاء أهله ودولته هي بلا شك خيانة لدماء أطفال ونساء وشهداء فلسطين، وخيانة للاجئين المشتتين في بقاع الأرض، وخيانة للمسجد الأقصى الذي يدنسه يهود صباحا ومساء، وخيانة لفلسطين الأرض المباركة التي روى ثراها دماء الشهداء الأبطال فتحا لها ودفاعا عنها، وهي قبل ذلك ومعه خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين.

فأقل ما يُقال في المشاركة أنها تعني الإقرار بحق بيريز في كل ما قام به من جرائم بحق فلسطين وأهلها والمسلمين بعامة، إذ لا يمكن أن يُتصور الاعتراض على تلك الجرائم ومن ثم الترحم والبكاء على وفاة مرتكبها!! وهي تعني أيضا الإقرار بحق قادة يهود في القيام بكل ما يلزم لحفظ كيانهم وتثبت احتلالهم للأرض المباركة فلسطين شأنهم شأن بيريز الذي استمات في الحفاظ على دولة يهود وتثبيتها.

ومن غير المتوقع أنّ يكون قادة السلطة والوفود العربية التي شاركت في الجنازة لا يدركون حقيقة المجرم شمعون بيريز، ولكنها الأهداف الخبيثة التي يريدون تحقيقها من وراء ذلك، فعباس مثلا يهدف من وراء مشاركته إلى تحقيق كثير من الأمور، فهو يريد أن تنال خطوته إعجاب الرئيس الأمريكي أوباما الذي كان سعيدا بخطوة عباس تلك وعبر عن ذلك في كلمته، وهو الأمر الذي أراد من خلاله أوباما ومن خلال مشاركته هو بنفسه في الجنازة أن يعبر عن مدى احترامه والعالم معه لدعاة السلام لتوجيه رسالة لاذعة إلى نتنياهو المتعنت والرافض للحلول أو المعرقل لها، حيث أثنى أوباما في كلمته على مشاركة عباس في الجنازة، وقال إنّ وجوده في مراسم تشييع الرئيس "الإسرائيلي" السابق يذكر بأن العمل من أجل السلام يجب أن يستمر.

وكذلك أراد عباس أن يظهر كرجل سلام أمام دول العالم الغربي حتى آخر رمق، وهو ما صرح به عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد المدني المشارك في الوفد بقوله "ذهاب عباس وحضوره جنازة بيريس خطوة سياسية أيده فيها كل رؤساء العالم المشاركين في الجنازة حتى إن 90% من الحضور قد صافحوه".

وكذلك أرادت السلطة ومعها الوفود العربية المشاركة في الجنازة أن تجعل من التعايش والتطبيع مع يهود أمرا عاديا ومقبولا، وهو ما عبر عنه مستشار عباس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية، محمود الهباش، بقوله "الرسول محمد لو كان حيا بيننا، لشارك بهذه الجنازة"، وأكد على قوله هذا "بأن الرسول محمد شارك بجنازة جاره اليهودي، وما بيرس إلا جار... شئتم أم أبيتم". فهم يريدون أن يتعامل المسلمون مع دولة يهود وقادتها المجرمين كجيران طبيعيين، لا بد من التعايش معهم والقبول بوجودهم وتطبيع العلاقات معهم، وهذا الدافع الأبرز وراء مشاركة الوفود العربية المذكورة.

فهي محاولة لإعطاء كيان يهود الشرعية التي يبحثون عنها في اغتصابهم لفلسطين، وبقائهم في قلب العالم الإسلامي ومهوى أفئدة المسلمين، المسجد الأقصى المبارك.

ورغم إدراك السلطة وقادتها لحجم الغضب الشعبي لهذه الخطوة وردود الفعل المتوقعة على تلك الخطيئة، وما قد تتسبب به من إحراج لقاعدتها الحركية وبقايا القاعدة الجماهيرية إلا أنّها قامت بها بكل صلف وغرور، بلا أدنى حياء أو خجل، لتعمق نهج العهر السياسي الذي لم يسبقها إليه أحد من قبل إلا من ضُرب بهم المثل عبر التاريخ كأبي رغال الذي أرشد أبرهة الحبشي إلى البيت الحرام لهدمه.

وحالة الاستخفاف هذه من قبل قادة السلطة بالغضب الشعبي والحركي، تستند إلى إدراك السلطة حقيقة سلطانها المزعوم في فلسطين، فهم يعلمون تماما أنّهم موجودون وباقون بإرادة دولية ويهودية، فعباس قام بتلك الخطوة وهو مطمئن إلى حكمه، فهو يعلم تماما أنّه ما جاء هو وسلطته إلا بإرادة دولية ومباركة يهودية، فلولا حماية يهود وأمريكا له لهوى منذ زمن بعيد تحت أقدام أهل فلسطين الشرفاء، فالسلطة لا تملك من معالم السيادة والدول شيئا ومع ذلك هي باقية وقائمة بدعم أمريكا ويهود لها، ولماذا لا يدعمونها وهي تمثل اليد الضاربة والذراع الأمني للاحتلال، وعرابة السلام والتطبيع والاستخذاء!!

إلا أنّ ذلك لا يعفي أهل فلسطين من رفع صوتهم عاليا صارخين في وجه السلطة وأزلامها بأن يرفعوا أيديهم عن قضية فلسطين، إذ من شأن ذلك أن يفشل مشاريع التصفية والتفريط حالما يدرك يهود وأمريكا من ورائهم بأنّ السلطة وقادتها لا يمثلون إلا أنفسهم وأنّ البشر والحجر يتبرؤون منها، لتذهب بذلك أحلام أمريكا ويهود في تصفية قضية فلسطين أدراج الرياح، حتى يأذن الله بنصر من عنده، وإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة تحرك الجيوش لتدك حصون يهود وتطهر المسجد الأقصى والأرض المباركة من رجسهم.

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين