رمزية راية الإسلام في الشام وضرورة الحفاظ عليها
المهندس باهر صالح*
ما إن يتوقف المرء عند مشهد استشهاد قادة غزوة مؤتة الثلاث، زيد بن حارثة، وجعفر ابن أبي طالب، وعبد الله بن رواحه، رضي اللهم عنهم، ويتأمل في حرصهم على إبقاء راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرفوعة في المعركة، لا سيما ما فعله جعفر بن ابي طالب، والذي قطعت يمينه فابتدر الراية بيساره، ثم قطعت يساره فاحتضن الراية بعضديه إلى أن استشهد وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله أبدله يديه جناحين في الجنة يطير بهما حيث يشاء، ما إن يتأمل المرء ذلك كله حتى يشعر بأحاسيس تسري في عروقه يكاد لا يقدر على الإبقاء عليها بداخله من هول المشهد وعظمته.
فالراية التي حرص القادة الثلاث على إبقائها مرفوعة في المعركة، ومن بعدهم خالد بن الوليد رضي الله عنه، الذي استلم الراية وأكمل النصر، كان لها رمزيتها العالية التي هانت النفس لأجلها، وليس هذا الأمر مقصورا على المسلمين وإن كانوا هم الاكثر تميزا، فكم من الروايات والأساطير التي تتغني بها باقي الأمم والشعوب لرجال تمسكوا وحافظوا على أشياء ما كانت لتساوي شيئا لولا رمزيتها التي جعلتها أثمن مما تتصوره العقول!
فرمزية الراية، راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، مستمدة من عقيدة الأمة، ومرتبطة بحبها لإسلامها ولرسولها، ورفعها علامة واضحة وفارقة على هوية حاملها ورافعها، وهنا مربط الفرس.
فالراية التي تميزت بها ثورة الشام، والتي لطالما حرص الإعلام على تغييبها، حتى لم يعد يجد بدا من تصويرها بعد أن وصلت إلى مرحلة تكاد تكون فيها الوحيدة، بعد أشهر قليلة من انطلاق الثورة التي تبلورت معها رؤية الناس ومطالبهم، كان لها دلالتها ووقعها على العالم بأسره.
فالراية في الثورة تعني الهوية والبوصلة، وتدل دلالة صريحة على مدى الوعي الذي وصل إليه الثوار، إذ كان رفع الراية بعد انقطاع، وعقب تجارب لم تكن قد برزت فيها، كثورة تونس ومصر واليمن، فكان رفعها ليس من باب التقليد والمحاكاة، وهو ما أرق الغرب والمستعمرين، إذ لو كان رفعها مجرد تقليد أو محاكاة لهان الأمر عليهم، ولرؤوا فيه شيئا عاديا. ولما تزامن رفعها والحفاظ عليها مع تحطم كل المبادرات والمؤامرات على صخرة ثوار الشام أيقن المستعمر وأدواته أنّ الخطر على نفوذه حقيقي ولا يستهان به.
فكانت راية رسول الله، بمثابة حبل المشنقة الذي يلتف حول أعناق الغرب وأدواته في الشام، وهو يضيق شيئا فشيئا حتى إذ وقع ارتجاج بسيط في ترتيب الأمور كانت نهاية الغرب وأدواته في الشام. لذلك لم يكن مستغربا أن يصب الغرب وأدواته في الشام جام غضبهم على راية رسول الله، وأن يبذلوا الجهد الكبير من أجل يعود علم الاستعمار شعارا ورمزا للثورة، وهذا ما يفسر المحاولات الأخيرة اليائسة من الإئتلاف وأزلامه ورجال الغرب في حلب من محاولة رفع علم الاستعمار وإقصاء راية رسول الله.
فرفع علم الاستعمار في الثورة يعني بالنسبة للغرب بأنّ الأمور بأمان وأنّ نفوذه في المنطقة باق، فالعلم بالنسبة للغرب رمز على بقاء فكره ومؤامراته المرشد والملهم للثوار، وهذا أيضا لا غرابة فيه، فعلم خطه ورسمه المستعمر قبل عقود وجعله رمزا للبلد وسيادته بلا شك سيحمل هذه الدلالات وأكثر.
وعليه، فإنّ الصراع بين راية رسول الله وعلم الاستعمار، ليس نزاعا أو صراعا بين قطعتي قماش، ولا هو أمر شكلي، بل هو من جوهر الصراع في الشام، صراع بين الانعتاق والتحرير واستعادة الهوية من جهة، وبين الاستعمار وبقاء نفوذه وهيمنته المادية والفكرية على المنطقة، من الجهة الثانية.
والتفكير برفع العلم مداراة أو تقية، هو تنازل في ساحة الصراع، وسيقرأه الغرب قراءة صحيحة، سرعان ما تنعكس على أرض الواقع بمزيد من الضغط والدموية والإجرام، إذ سيفهم الغرب بأنّ قناة الثوار قد لانت وأن عصاهم قد بدأت تتكسر.
وإذ ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ الثورة في الشام قد وصلت إلى مرحلة كسر العظام، فهذا يعني أنّ الحفاظ على المكتسبات مهما قلت أمر في غاية الأهمية والحساسية، وأنّ أي تراجع للخلف ولو ميليمترا واحدا هو خسارة كبيرة.
فهذه دعوة إلى الإخوة في الشام، شام العز والبطولة، خيرة أرض الله، أن تتفتح أعينهم على حقيقة المؤامرة، وأن ينعكس ذلك بمزيد من الصمود والتحدي والثبات، الذي وعد الله معه بالنصر والتمكين ولو بعد حين. فالحرص على إبقاء راية رسول الله، راية العقاب، خفاقة عالية واتخاذها شعارا للثورة المباركة هو من دواعي النصر والتمكين إن شاء الله.
17/4/2015
• عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين