بل .. نعم وألف نعم للشعارات الدينية وليمت بغيظه كل حاقد على الدين

د. عبد الله بدر

في غمرة الحراك السياسي الذي ولدته ثورة الناس في مصر على الحكم الجبري يلاحظ أن كثيرا من السياسيين ورجالات الأحزاب والإعلاميين هناك، يرددون مؤخرا مقولات من مثل "لا للشعارات الدينية" و"لا لاستخدام الدين في السياسة" و"ولا للدين في العملية الانتخابية" و"لا لاستخدام المساجد منابر للدعاية" و"لا للأحزاب الدينية" وغيرها من المقولات, في معرض حديثهم عن الانتخابات, وسن القوانين, وشكل الدولة المطلوب إقامتها هناك, والدولة التي يسمونها (الدينية) أو (المدنية)... وهذه المقولات وغيرها يظهر فيها جليا مدى تغلغل العلمنة (فصل الدين عن الحياة والمجتمع) في عقليات تلك النخب, التي صنعها النظام البائد, من خلال حربه الشرسة على الإسلام, والتخويف منه وتشويهه,  حتى جعل منها أبواقا لا ترى في الدين أية مصلحة. والأخطر من ذلك أن بعض الناس البسطاء في الشارع المصري باتوا يتأثرون بتلك  النخب, ويرددون ما يردد هؤلاء.

وسواء صدرت هذه المقولات عمن يحارب الإسلام على بصيرة, أم كان من يطلقها بسيطا ويحسب أنه يحسن صنعا, فإنها مقولات خاطئة ساقطة في ميزان الفكر الإسلامي المبدئي. وحتى ندرك ما يحصل في مصر (وفي كل وضع مشابه) ونصل إلى أرشد الفهم, بإذن الله, لا بد لنا أن نعي الأمور التالية:

 أولا: إن أهل مصر, كسائر المسلمين في العالم الإسلامي, متدينون ويحبون الإسلام, ومستعدون لأن يضحوا بالغالي والنفيس من أجله, لكنهم مضللون من سياسييهم وإعلامييهم ومفكريهم الذين يدأبون على تصوير الإسلام على أنه (قديم, رجعي, طائفي, غير متسامح, وغير حداثي, وضد المرأة, وضد الحرية, وضد الفن, وضد وضد ..؟!) من أجل التنفير منه وممن يحملون الدعوة إليه.

  ثانيا: وقد ساعدت القوى السياسية المحسوبة على الإسلام في مصر إلى حد بعيد في تكوين هذه الصورة المغلوطة عن الإسلام, ابتداء من المرجعيات الرسمية التي ساندت النظام, وقدمت إسلاما مشوها يخدم وجود الحكم الجبري وهيمنة الغرب.. إلى الأحزاب الإسلامية التي قبلت بالتعايش مع النظام البائد وقوانينه العلمانية, ولم تدع إلى تغييره بالكلية, فكان خطابها خطابا دفاعيا متنازلا عن كثير من ألف باء الإسلام, واستخدمت أساليب غير شرعية في العمل أخافت الناس منها, وشوهت صورة العمل الحزبي المبدئي.

ثالثا: وهذه الاحزاب الإسلامية التي اجتاحت البرلمان, وتنافس على كرسي الرئاسة في مصر, تتجسد فيها  العلمانية بامتياز, فهي في كل مفردات برامجها, لا تختلف عن القوى السياسية الأخرى, وهي تتملق الغرب وتطلب رضاه, وتقدم التنازلات الكثيرة والفاضحة إلى البعيد والقريب حتى تكون مقبلولة عند أعداء الدين. ولعل تهافت مواقفها, واستعدادها للتخلي عن مسلمات الدين, هو ما يجعل العلمانيين في مصر, والكفار في الغرب, يطعنون في الدين, ويلاحقونها, ويطالبونها بالمزيد من التنازلات التي تقصي الدين عن المجتمع والدولة, حتى باتت (فنانات وراقصات) مصر تهدد هؤلاء الإسلاميين, وتحذرهم من المساس بتراثهم الفني العظيم! أما جواب هؤلاء المعتدلين لكل من يهاجم الإسلام فهو جاهز على الدوام: لا تخافوا.. فلن يتغير أي شيء! ألا تبا لما يصنعون.

رابعا: إنه ليحز في النفس ويدمي القلب أن نرى من أبناء مصر الكنانة من يعتبر أن تصويته للمرشح (الإسلامي) رهان خاسر, كما التصويت لأحمد شفيق المحسوب على الفلول. وما كان هذا ليحصل لو كان خطابه خطابا إسلاميا مبدئيا واضحا لا لبس فيه, وما كان هذا ليحصل لو كان برنامجه و مفرداته شرعية مبدئية, وكانت شعاراته, كل شعارته ترضي الله عز وجل. لكن الناس تتخوف ممن تتذبذب مواقفه, ولا يقدم برنامجا شرعيا صادقا واضحا لا مواربة فيه.

 خامسا: إلى المسلمين في مصر الكنانة, وإلى كل من يحمل لواء الإسلام ويدعو له, وإلى كل من يعلن أنه ينطق باسم الإسلام, ويتخذه مرجعية هناك, أقول: اعلموا أنه لا عزة لكم إلا بالإسلام, ولا رفعة لكم إلا به, فكل حياتكم إسلام, في الأكل والشرب والزواج, وفي السياسة والاقتصاد والحكم, وهو ليس في المسجد فقط, وإنما في السياسة الخارجية والتعليم والقضاء والحياة الاجتماعية, .. في كل شيء. قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). اقطعوا أن الإسلام هو مخلصكم, فهو دين ربكم, وهو الذي يصلح شأنكم. أعلنوها أن لا دين إلا دين الإسلام, واكفروا بكل شيء سواه. ألم يعلنها ربكم من قبل: (إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسلام)؟ وأنه: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين)؟ أعلنوها أنكم تريدون حكم الإسلام والإسلام فقط, لا أن يكون الإسلام أحد مصادر التشريع. أعلنوها أنكم تريدون حاكما مسلما كعمر, تنتخبونه, ويرعاكم ويقيم العدل فيكم, وتأخذون على يده إن أخطأ.

 أعلنوها أن لا أحزاب إلا ما قام منها على أساس الإسلام, وأن هذا ليس فتنة, وأن الفتنة هي في الأحزاب العلمانية والوطنية والقومية والديمقراطية, وأنها غير شرعية وممنوعة. أعلنوها أن مصر هي ولاية من ولايات الدولة الإسلامية الجامعة التي تقود البشرية للهدى والخير, وأنكم لستم مع القطرية والفرقة, وأنكم لستم فراعنة بل أبناء مسلمين. أعلنوها أنكم تريدون دولة خلافة لجميع المسلمين, وليس دولة مدنية تقصي الدين وتجذر العلمنة, وتسلم البلاد والعباد مرة أخرى لأعداء الدين. فإن أنتم أعلنتم عن هويتكم هذه بكل الجرأة والوضوح والتحدي, وأقرنتم قولكم بأعمال مبدئية تجسد ما تقولون, فإن الله لن يخذلكم, ولن يتركم أعمالكم, وسيرضى عنكم, وسيستخلفنكم كما استخلف الذين من قبلكم.

  واعلموا أن أعدائكم من الكفار والعلمانيين يراهنون على ضعف قياداتكم التي تدعي أنها تمثل ما يسمى بالإسلام المعتدل, فلا تسمحوا لهؤلاء الذين يحبهم الغرب بالتنكر لمعتقداتكم, ولا تقبلوا منهم أن يتنازلوا عن أي حكم شرعي. خذوا على يد من يتحدث باسم إسلامكم, وهو أبعد ما يكون عن الهوية الإسلامية الحقيقية. قولوا له أنكم سئمتم تفريطه, وتودده لأعداء الدين في الغرب, الذين يفاخرون أنهم أعداء الإسلام, والذين يفاخرون أن دولهم دولا نصرانية, والذين يحتلون بلاد المسلمين, ويعملون القتل صباح مساء في أبناء المسلمين.

قولوا لهؤلاء الإسلاميين (المعتدلين) إن الغرب الكافر وجنده من العلمانيين في بلاد المسلمين يحتقرونكم, وأنهم فرحون بشعاراتكم (الإسلامية) التي تتماهى مع من يريدونه منكم. قولوا لهم أنكم لن تسمحوا لهم أن يطعنوا أمة الإسلام العظيمة في ظهرها, وأن شعاركم الوحيد هو "نعم وألف نعم للإسلام .. كل الإسلام وليمت بغيظه كل حاقد على الدين." قولوا لهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ).

31/5/2012