بسم الله الرحمن الرحيم

سوريا الشام ومؤامرات الغرب

بقلم: حمد طبيب

إن من أكثر المناطق اهتماما لدى الغرب هي بلاد المسلمين، وخاصة منطقة (الشرق الأوسط)، ومن أكثر دول الشرق الأوسط حساسية وخطورة في نظرهم المناطق المجاورة لكيان يهود؛ وهي (سوريا ومصر ولبنان والأردن).

لذلك -ومن هذا المنطلق- فإن الدول الغربية وخاصة أمريكا تعمل جاهدة وبكل ما أوتيت من حنكة سياسية، وطاقات مادية ومعنوية، وعملاء سياسيّين -في المنطقة وخارجها- على احتواء الثورات في بلاد المسلمين وخاصة مصر وسوريا؛

وهذا ما صرحت به الوزيرة المصرية في 13/12/2012حيث قالت: (إن الولايات المتحدة تسعي لاحتواء الثورة المصرية وتوجيهها لخدمة المصالح الأميركية والإسرائيلية، وقالت -في تحقيقات قضائية بشأن أنشطة المنظمات الأجنبية بمصر-: إن "أحداث ثورة 25 يناير جاءت مفاجئة للولايات المتحدة وخرجت عن سيطرتها لتحولها إلى ثورة للشعب المصري بأسره، وأضافت "لذلك قررت الولايات المتحدة في حينه العمل بكل ما لديها من إمكانيات وأدوات لاحتواء الموقف وتوجيهه في الاتجاه الذي يحقق المصلحة الأميركية والإسرائيلية أيضا".

وقد قامت أمريكا بالفعل باحتواء الثورة المصرية إلى حدّ ما، وحرفها عن مسارها وتسييرها في اتجاه آخر، غير الاتجاه المنشود عند جماهير المسلمين في مصر، (وهو الانعتاق الكامل من الظلم ومن تبعية الاستعمار الغربي)؛ وذلك عن طريق المجلس العسكري العميل لها بقيادة (المشير طنطاوي)، وعن طريق بعض قادة الاتجاه الديني في مصر وبعض القوى الوطنية ممن دخلوا في لعبة وخديعة البرلمان ( مجلس الشعب) .

والثورة في سوريا الشام قامت- كما قام غيرها في البلاد العربية- ضد الظلم والقهر والقمع والتسلط والديكتاتورية المطلقة، فقامت أمريكا ودول أوروبا بمواكبة هذا الحدث الخطير، بكل ما أوتوا من قوة ودهاء وحنكة سياسية ومكر وتخطيط وتدبير....فماذا فعلت هذه الدول المجرمة لاحتواء وتضليل وحرف مسار الثورة في سوريا، وهل نجحت حتى الآن في ذلك؟!..

لقد قامت هذه الدول الغربية -وخاصة أمريكا- بعدة أعمال من اجل إجهاض ثورة المسلمين المخلصين في سوريا الشام؛ تماما كما عملت في دول أخرى مثل مصر وتونس، ومن هذه الأعمال الماكرة:-

1-      العمل المتواصل من اجل احتواء قادة الثورة في الداخل، وذلك عن طريق إنشاء ما يسمى (بالمجلس الوطني السوري) عن طريق تركيا في بداية الأمر، وإظهاره إعلاميا على انه هو الممثل للثورة، وإمداده بالأموال ، وقامت بإنشاء (مجلس عسكري) مرتبط بهذا المجلس الوطني في محاولة خبيثة لاحتواء عمليات الانشقاق عن الجيش السوري.

2-      إطلاق يد الطاغية السفاح وعائلته من آل الأسد؛ في عمليات القتل والتدمير والتخريب والتهجير والاعتقالات والتنكيل بالناس، بأبشع الصور التي عرفتها الشعوب على وجه الأرض، ومنع إصدار أي قرار دولي يجيز للدول الكبرى التدخل في سوريا، كل ذلك من اجل هدف منظور عند أمريكا على وجه الخصوص وهو تركيع الشعب السوري للرضا بما تمليه مستقبلا من توجيهات وقرارات عن طريق المجلس الوطني، أو المجلس العسكري؛ أي تهيئة قيادة جديدة في سوريا تخلف آل الأسد تكون مقبولة ولها ولاء سياسي داخل سوريا؛ ولمنع أي تدخل دولي من قبل أوروبا أو غيرها في مستقبل سوريا...

 لذلك امتنعت أمريكا عن أي عملية دعم سياسي - عن طريق المؤسسات الدولية- للثورة واعتبرتها مقامرة سياسية غير مأمونة النتائج؛ فقد ذكرت "وكالة أنباء رويتر" بتاريخ 27/2/2012 "أن إدارة الرئيس الأمريكي (باراك اوباما) تحاول مع حلفائها الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، لكن مسئولين أمريكيين، يقرّرون بأنهم لا يرون مرشحا صالحا يحل محله؛ سواء داخل الحكومة أو من (المعارضة المفتّتة)، وباختصار ليس هناك خليفة محتمل، ولم يتضح ما إذا كان من الممكن أن يظهر قريبا..وقالت هذه الوكالة إن مسئول أمريكي كبير طلب عدم نشر اسمه قال: ".. ليست هناك شخصية معارضة يمكن أن تخرج وتصبح وجهاً للمقاومة السورية.."وهذا الكلام أكدته وزيرة الخارجية (كلينتون) حيث قالت: " لا يوجد إلى الآن شخصية يمكن أن تكون بديلا عن النظام، وان عملية دعم وتسليح المقاومة دون إيجاد البديل هي أشبه ما تكون بالمقامرة غير مأمونة العواقب.."

  ومعنى هذا الكلام هو أن أكثر القوى الثائرة في الداخل لم ترتبط بمخططات أمريكا، ولا بالمجلس الوطني ولا بالمجلس العسكري، وما زالت هذه القوى منفصلة عن سياسات وتخطيط الغرب.

3-      هناك مخطط رهيب قد أعدت له أمريكا خططاً جاهزة عن طريق البنتاغون (وزارة الدفاع)، وهذا المخطط يهدف إلى تحطيم القوة العسكرية، لسوريا وذلك خوفاً من أي عملية انقلاب مخلصة مستقبلا، وأيضا لطمأنة كيان يهود على حدودهم في منطقة الشمال، وذلك تحت غطاء الأمن وحماية المدنيين؛ وتبدأ الخطة أولا بإنهاك القوة العسكرية عن طريق إطالة أمد الاقتتال الداخلي بين القوى المتصارعة، ثم بالقيام بأعمال عسكرية تدميرية لمركز القوة في الجيش السوري – كما حصل في ليبيا-  وذلك في حال إنضاج الأمور السياسية داخل سوريا وخارجها، فقد نقل موقع CNN  الإلكتروني يوم 29 /2/ 2012 عن مصادر أمريكية قولها إن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) انتهت من وضع "خطط تفصيلية" لعمليات عسكرية تستهدف " النظام السوري " حسب وصفها ، موضحة أن الخطط جاهزة للتطبيق إذا أصدر البيت الأبيض أوامر بذلك.  وأفاد مسؤولون أمريكيون عبر نفس المصدر " أنه في حال سقوط الرئيس السوري فإن بعض أركان نظامه في الأجهزة العسكرية والأمنية سيستمرون في مناصبهم لفترة من الزمن كفيلة بضمان استتباب الأوضاع، أما في حال حصول انهيار كامل للنظام فسيكون على واشنطن والمجتمع الدولي التدخل للحفاظ على الأمن وحماية المدنيين."!!

 

لذلك فإن دائرة الثورة في سوريا ستبقى ضمن هذا الإطار في سياسات أمريكا، وتقوم بتوسيعه  حسب ما تراه مناسبا عن طريق الإمداد بالسلاح من الدول المجاورة أو عن طريق الدعم المالي والسياسي لعملائها من المجلس الوطني، ليتمكنوا من السيطرة على الداخل السوري، ولن تسمح أمريكا بالتدخل الدولي إلا بعد إكمال مخططها في احتواء قادة الثورة بحيث تكون العملية مضمونة النتائج حسب تصوّر الساسة الأمريكان.

 

هذا ما يفعله الغرب وقادته ودوله العدوّة للإسلام والمسلمين، وعلى رأسها الأفعى السامة أمريكا، وذلك من أجل وأد أية محاولة مخلصة في بلاد المسلمين، ومن أجل إبقاء التبعية والسيطرة السياسية والعسكرية، ولحراسة كيان يهود مستقبلا من أي أخطار وتهديدات ....... فإلى متى يبقى الغرب يتحكم في بلاد المسلمين، ويصنع مصيرها ويرسم مستقبلها ؟!، إلى متى تبقى قوى التضليل والخداع تضلّل أبناء المسلمين، وتصرفهم عن الهدف السامي النبيل في الانعتاق والحرية الصحيحة؟!، إلى متى يبقى البعض من أبناء الأمة مطايا لهؤلاء الكفرة اللئام يحملون أوزارهم، ومشاريعهم الخبيثة في بلاد المسلمين؟!، وإلام السكوت من قبل المخلصين الواعين من أهل القوة والرأي من أبناء الأمة، ألا تكفي هذه الدماء الزكية الطاهرة لتحريك مشاعرهم وهزّ كيانهم ليتحركوا مع حركة الأمة المخلصة فيقطعوا الخطّ على كل مخططات أمريكا ودول أوروبا والصين وروسيا؟! .

إن الذي يستطيع أن يوقف هذا الإجرام، وهذا المكر الكبير هم أهل القوة والمنعة من الواعين المخلصين، لأن المخطط رهيب وماكر يخفى على معظم المسلمين، وتقدّم له الدول الكبرى بمقدماتٍ رهيبة مضلّلة؛ من التجويع وسفك الدماء وإثارة الفوضى السياسية، وغير ذلك من أساليب إجرامية، ويزيد الطين بلّه في مساعدة الغرب على تنفيذ هذه المخططات دخول بعض القوى المضلّلة مع الغرب؛ من إسلامية ووطنية كما حصل في تونس وليبيا ومصر....

 

فنسأله تعالى أن يلطف بأهل الشام، وأن يخلّصهم من هذا الكرب الرهيب والمخطط الإجرامي اللئيم، وذلك بالمخلصين من أبنائهم في قوى الجيش ومن أهل الرأي والمنعة، وأن يجعل تخطيط أمريكا وتدبيرها في نحرها ليصدق عليها قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) الأنفال/ 36 ، وأن يجعل الشام عقر دار الإسلام كما بشر بذلك عليه السلام بقوله: (...وَعُقرُ دَارِ المُؤمِنِينَ الشَّامُ..) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وأن يكرم أهل الشام في سوريا بخلافة راشدة على منهاج النبوة، تكون قاعدة انطلاق لتحرير بيت المقدس أولاً، فتجمعَ شمل الأمة الإسلامية جميعا بالجهاد والاستشهاد لتحريره من كيان يهود الأشرار..

فالله الله يا جند الشام!!.. كونوا كالأنصار الأوائل حين أنقذوا أهل المدينة من الدمار وسفك الدماء بالإسلام ودولة الإسلام..  قال تعالى (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ 29 وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) 30/ الأنفال_ صدق الله العظيم.

 

14/3/2012