البلطجة هي الوجه الحقيقي للأنظمة
علاء أبو صالح
من تابع تعامل الأنظمة مع الثورات في البلاد العربية وأساليبها في قمعها وتصديها لها، يدرك أن هذه الأنظمة تستقي توجهاتها وأنماط سلوكياتها من معين واحد، وأنها نُسخٌ استنسخت في معامل غريبة عن الأمة وفكرها وأصالتها وحتى عن عاداتها التي توارثتها؛ حيث ظهر للعيان كيف تكرر في كل البلدان التي شهدت الثورات مشهد القمع الرهيب والبطش الذي تنعدم فيه أدنى مشاعر الإنسانية علاوة على خُلق المسلمين أو حتى شهامة العرب.
ومن أبرز ما اعتمدته هذه الأنظمة من أساليبَ لقمع المتظاهرين هو البلطجة التي مارستها فرقٌ أعدّت خصيصاً للقيام بالمهام الإجرامية القذرة. فشاهدنا البلطجية في تونس وفي مصر والأردن والعراق والبحرين، والبلاطجة في اليمن، وعصابات القذافي في ليبيا والشبيحة في سوريا. فهل كانت هذه الظاهرة ظاهرةٌ غريبة عن الأنظمة ابتكرتها لمواكبة الأحداث والتصدي للثورات أم أنها ظاهرة أصيلة متأصلة فيها؟ وما الذي دعاها لاعتماد هذا الأسلوب؟
إن سلوك الأنظمة التي حكمت بلاد المسلمين طوال عقود خلت سطّر تاريخاً أسوداً قاتماً وخلف واقعاً مأساوياً أشد بشاعة من أي واقع متصور، شهد على جزء من ذلك تقاريرُ منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، والتي بدورها غضّت الطرف عن الجزء الأعظم من هذه التصرفات الإجرامية بحق الشعوب خدمة للقوى الاستعمارية التي تهيمن على هذه الأنظمة وتسخرها لتحقيق مصالحها في المنطقة.
فالأنظمة كانت طوال سنين حكمها عبارة عن مجموعة من البلطجية "المقننين"، حيث تمارس أعمالها الإجرامية والقذرة تحت غطاء قانونها الجائر الذي ابتدعته وكانت أول من يدوسه، أو تحت غطاء حالة الطوارئ التي استعبدت بها الناس واستباحت حقوقهم ودماءهم وأموالهم، أو غير ذلك من المبررات الواهية، وإلا فما الفرق بين أن يُقتل مدني في الشارع على يد هؤلاء البلطجية أو أن يُقتل تحت التعذيب على يد عناصر أمن الدولة كما حصل مع خالد سعيد في مصر وغيره الكثير الكثير مما لم يأت الإعلام على ذكرهم أو حصرهم؟!، وما الفرق بين أن يختطف الشبيحة شخصاً من الشارع وبين أن تختطفه أجهزة المخابرات السورية وتزج به في غياهب السجون فيمكث فيها عشرات السنين دون أن يستطيع أهله زيارته أو حتى أن يعلموا أهو على قيد الحياة أم في عداد الأموات، كما يحدث مع مئات بل آلاف المعتقلين السياسيين في سوريا والذين تلغى أسماؤهم ويستعاض عنها بمجرد أرقام؟! وما الفرق بين أن تقتل عصابات القذافي شخصاً مدنيا أعزلاً لمجرد أنه من بنغازي أو يرفض تأييد القذافي وبين أن تقوم قواته الأمنية بقتل عشرات الشباب من حزب التحرير وسحلهم في الشوارع بسبب قولهم لكلمة حق؟!
إذاً نحن أمام نفس المشهد مع اختلافٍ في أشخاص الممثلين وأزيائهم، مع أنها تتقاطع في بعض الأحيان ويحصل تبادلٌ في الأدوار، حيث يكون الشخص رجل "أمن" بزي رسمي تارة أو في النهار وفي العشية يبدل ثيابه ليمارس دوراً إجرامياً ضمن فرق البلطجية والعكس صحيح.
أما ما الذي دعا هذه الأنظمة لاعتماد هذا الأسلوب فهو ادراكها أنها أنظمة غريبة عن الأمة لا تعتمد في سلطانها على قاعدة شعبية وإنما تستمد وجودها من قوى خارجية وتفرضه بقوة الحديد والنار، وإدراكها أنها باتت اليوم كمنسأة سليمان التي أتت عليها دابة الأرض وتنتظر أدنى حركة لتسقطها، فهرعت تلك الأنظمة للقمع واستخدمت اسلوب البلطجة لتوغل في البطش ظناً منها أنها بذلك ستفلت من العقاب أو تصرف النظر عن جرائمها.
إن لجوء الأنظمة لأسلوب البلطجة المفضوح والمكشوف في وضح النهار نابعٌ من عدم قدرتها على تبرير البطش والقمع الرهيب للجماهير الثائرة والتي انتهجت اساليب سلمية، وهو يعكس أيضاً حالة الإفلاس والانهيار المدوي الذي تشهده هذه الأنظمة بل إنه يكشف عن وجهها القبيح الذي سعت دوماً لتستره بأكاذيب الانتخابات والديمقراطية تارة وبالتشدق بالممانعة الزائفة تارة أخرى. 
غير أن الأمة التي ثارت في وجه هذه الأنظمة لم تعد تخشى القمع مهما يكن من يمارسه، فقد كسرت الأمة حاجز الخوف، وتطلعت للعزة في الدنيا والجنة في الآخرة كما يردد الثائرون في سوريا "الموت ولا المذلة" و "عالجنة رايحين شهداء بالملايين"، ولن تفلح بلطجة الأنظمة العلنية أو المستورة من إخماد ثورة الأمة، وستسقط هذه الأنظمة على أيدي الثائرين من أبناء الأمة، وحينها ستحاسب الأمة هؤلاء الذين اعتدوا عليها وسخروا البلطجية في هدر دمائها أو إذلالها حساباً عسيراً.
فلتخش تلك الأنظمة وبلطجيتها ثورة الأمة وإعصارها الجارف الذي لن يبقي لهؤلاء عيناً ولا أثراً فلقد اقتربت ساعة الحسم.
 
11-6-2011م