اختتمت الفصائل الفلسطينية، الجمعة 1/3/2024 اجتماعاتها في موسكو، والتي جاءت بدعوة من روسيا لحوار فصائلي، اختتمت ببيان أكدت فيه أنها اتفقت فيه على أشياء كثيرة منها حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وإقامة دولته الحرة المستقلة كاملة السيادة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة وعاصمتها القدس، وفقاً للقرارات الدولية، والتأكيد على عدم شرعية الاستيطان والتوسع الاستيطاني وفقاً لقرارات مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، كما أكدت على اتفاقها على عقد جولات أخرى للوصول إلى وحدة وطنية شاملة تضم القوى والفصائل الفلسطينية كافة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي وصفتها الفصائل بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني!

 

والملاحظ في الأمر أنه رغم الوزن الصفري لروسيا في قضية الصراع في فلسطين إلا أن موسكو هي التي احتضنت هذا اللقاء، وهذا شيء ليس غريبا على سياسات أمريكا صاحبة التأثير الأقوى في قضية الصراع في فلسطين، فأمريكا تترك بالعادة للدول التي تطمح في الظهور أو البروز كروسيا وفرنسا وبريطانيا بأن تؤدي أدوارا جانبية تخدم المخطط المرسوم والغاية التي تريدها أمريكا.

 

فقد أبدت أمريكا أكثر من مرة رغبتها في تهيئة الطرف المقابل ليهود في عملية السلام، ليكون مهيأ ومناسبا للمضي في فكرة حل الدولتين، ولذلك صرح وزير الخارجية الأمريكي أكثر من مرة خلال زياراته إلى المنطقة بضرورة أن تعمل السلطة على إصلاح نفسها استعدادا للدور الذي ينتظرها في مشروع حل الدولتين، ومثله صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث قال في مؤتمر صحفي بعد اجتماع في البيت الأبيض مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني: "يجب هيكلة السلطة الفلسطينية بشكل عاجل لتلبية احتياجات الفلسطينيين بشكل فعال في كل من الضفة الغربية وغزة. وبمجرد انتهاء سيطرة "حماس" على غزة، يجب أن يكونوا (السلطة الفلسطينية) على استعداد لبناء دولة تدعو إلى السلام، ولا يتسترون على الجماعات الإرهابية مثل حماس والجهاد الإسلامي".

 

وكذلك مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان، قال الخميس 14 كانون الأول/ديسمبر 2023م، إن حكم الضفة الغربية وقطاع غزة بحاجة إلى ربطه تحت سلطة فلسطينية خضعت "للإصلاح والتقوية".

 

فأمريكا تريد ضمن مخططها لتصفية قضية فلسطين أن تكون هناك سلطة فلسطينية قوية قادرة على أن تكون طرفا في عملية التسوية، بحيث تكون قادرة على تلبية الاحتياجات الأمنية لكيان يهود، وتتمتع بأكبر تمثيل ممكن لأهل فلسطين، لتضفي على نفسها الشرعية في المشروع التصفوي لقضية فلسطين.

 

ولأنها تعلم أن ذلك اليوم ليس قريبا، فهي تترك الأمر ليسير بخطوات بطيئة يشرف عليها أو يساهم فيها من لا وزن حقيقي لهم في السياسة الدولية، ولكنهم يتركون آثارهم في دولاب الترويض وتهيئة الأطراف على نار هادئة ريثما يحين وقت الإنضاج.

 

ومن المعيب والمشين ما تجمع عليه تلك الفصائل وتخرج به من قرارات، فيجتمعون تحت ذريعة محببة إلى النفوس، وهي الوحدة والاتحاد وتوحيد الصفوف، ولكنهم كما تلاحظون يؤكدون في كل قراراتهم حتى عند حديثهم عن التحرر والتحرير بأن ذلك وفق قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة! فالاستيطان عندهم هو ما تعتبره تلك القرارات استيطانا، والمناطق المحتلة هي تلك المناطق التي تعتبرها تلك القرارات محتلة، والدولة المستقلة هي تلك الدولة التي تأتي وفق قرار التقسيم!! فكل العبارات وإن صيغت بألفاظ تضلل البسطاء ولكنها في حقيقتها تعني التنازل والتفريط والقبول بكيان يهود واحتلاله وحصوله على حصة الأسد من الأرض المباركة، لأن هذا ما يعنيه قبولهم بالقرارات الدولية وقرارات مجلس الأمن واعتبارها مرجعا.

 

وفوق ذلك فهم يؤكدون على حرصهم على أداة التفريط وخنجر الغدر، منظمة التحرير الفلسطينية، التي صنعها الاستعمار ورعاها وأبقاها لتكون جسر التفريط وعنوان الخيانة، ودخول الفصائل إلى منظمة التحرير هو بمثابة دخولها إلى بيت الطاعة الأمريكي.

 

والمحصلة أن أمريكا تسعى إلى إبقاء السلطة الفلسطينية وتقويتها، وترويض ما تبقى من الفصائل لتحذو حذو السلطة وتصبح جزءاً منها، لتبقى هناك سلطة قابلة لتصبح دويلة فلسطينية هزيلة في مقابل كيان يهود ضمن مشروع حل الدولتين الذي تحرص أمريكا على إبقائه السيناريو الوحيد لحل الصراع في فلسطين، والسلطة تعلم هذا الكلام جيدا وتسير فيه بكل خزي وعار، بعد أن حسمت أمرها بأنها مع التفريط والتنازل، والفصائل تصبح شيئا فشيئا جزءاً من المشروع من حيث تدري أو لا تدري!

 

والحاصل أن قضية فلسطين وبعد ما مرت به غزة من حرب وحشية، قد أزالت الغشاوة عن عين كل ذي بصر، فقد أظهرت للجميع أن الاستعمار والحكام ويهود ملة واحدة، وكلهم تجردوا من كل القيم والأخلاق والإنسانية، وأن الصراع في فلسطين هو صراع بين الأمة والمخلصين فيها من جانب، وبين الحكام وأمريكا والاستعمار ويهود من جانب آخر، وأن لا سبيل لحل الصراع إلا بتحرير فلسطين كاملة من الاحتلال وأعوانه، وأن الطريق إلى ذلك قطعا لا يمر عبر مشاريع السلام أو صناديق الاقتراع أو مخططات أمريكا، وكما ثبت للجميع بأن تحرير فلسطين أمر ممكن وسهل على جيوش الأمة والمخلصين فيها إذ ما تحركوا، فلا ينبغي لأي عاقل أن ينحاز إلى فسطاط النفاق والخيانة بعد أن لم يبق من الزمن بقدر ما مضى، ولم يبق من التحديات بقدر ما تهاوى.

 

فالأمة اليوم باتت أقوى من أي وقت مضى، والوعي بات في أعلى درجاته، والإرادة تتشكل لدى الأمة يوما بعد يوم بصلابة لم يعهدها الحكام والاستعمار من قبل، فما هي إلا قليل حتى يأذن الله بنصره، فيحق الحق ويبطل الباطل، وينصرنا على القوم الكافرين.

 

 

بقلم: م. باهر صالح

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)

6/3/2024