husaen13923

"وقال الملك حسين بن طلال في لقائه مع غولدا مئير إنه علم من مصدر حساس جدا بأن هنالك تدريبات واستعدادات سورية وإن الوحدات القتالية موجودة داخل ثكناتها منذ يومين بما يشمل سلاح الجو والصواريخ استعدادا للهجوم وأن مصدره الحساس أبلغه بأنه لا يعلم معنى هذه الاستعدادات لكنها حقيقة واقعة. وعندما سألته غولدا مئير: هل من الممكن أن يهاجم السوريون دون تعاون كامل مع مصر؟ قال نقلا عن المصدر الحسّاس لا أعتقد ذلك، سيتعاون السوريون والمصريون، وقد كان هذا الإنذار الأردني الثالث قبيل حرب 1973، ففي غضون ثلاثة شهور أرسل الجانب الأردني معلومات لـ(إسرائيل) حول الحرب المحتملة ثلاث مرات"، كان هذا آخر ما كشفه أرشيف كيان يهود من وثائق سمحت الرقابة العسكرية برفع الغطاء عنها بعد مرور خمسين عاماً على حرب عام 1973 أو كما يطلق عليها كيان يهود "حرب الغفران"، وتظهر هذه الوثائق عمق العلاقة بين العرش الهاشمي وكيان يهود.

 

لقد لعب النظام الأردني دورا حيويا في قيام كيان يهود، دورا لا يمكن القفز عنه تاريخيا أو سياسيا وإلا سوف تكون الرواية ناقصة وفيها ثغرات كبيرة. وهذا الدور لم يكن خافيا على حزب سياسي مثل حزب التحرير الذي لطالما فضح الملك حسين وكشف دوره المتآمر على قضية فلسطين، وما زالت نشراته ومنها تلك التي سبقت تسليم الضفة عام 1967م شاهدة على صدق الحزب ووعيه، وخيانة الملك وعمالته لبريطانيا، ولكن طبعا وكما هو الحال المؤسف أن شريحة واسعة من الناس تأبى الوقوف عند الحقائق المرّة وتفضّل الانجرار خلف المشاعر أو الأمنيات الباحثة عن ملك شجاع أو رئيس صاحب قرار، فتجد نفسها أمام حقائق مُرة ولكن بعد فوات الأوان ورفع الستار عن وثائق تراكم عليها غبار الزمن، ولكن تبقى الحقيقة الثابتة وهي قيمة الوعي السياسي وخطر الانجرار المشاعري على الشعوب والأمم.

 

وهذه الوثائق التي نشرت حديثا تظهر الملك حسين أو "يانوكا" وفق الوثائق ذاتها ومعناها الطفل كما أحب كيان يهود أن يطلق عليه في برقية لمدير عام رئاسة وزراء الكيان مردخاي غازيت لسفير يهود في واشنطن سِمحا دينتس في حزيران/يونيو 1973 وذلك قبل شهور من بدء الحرب، وقد كان عمر الملك حينها 38 سنة، تظهره النذير الذي عمل على تحذير كيان يهود من تحرك عملاء أمريكا لتقليم أظافر الكيان وامتداده الجغرافي خارج الإطار المخصص له وهو فلسطين، وهذا ما حصل حيث استعادت مصر سيناء وعاد كيان يهود إلى المساحة المخصصة له، وفشلت بريطانيا والملك حسين ومصدره "الحساس" في إفشال مخططات أمريكا بقيادة عميلها السادات، ولم ينجحوا في مساعدة غولدا مئير التي تربطها علاقة سياسية خاصة مع بريطانيا والملك حسين، ومن ذلك ما كشفته صحيفة معاريف عام 2014 من أن الملك حسين وغولدا مائير اتفقا في لقاء جمعهما بعمان على وجود مصلحة مشتركة واحدة هي منع إقامة دولة عربية أخرى فلسطينية بين الدولتين، وقد بين حزب التحرير في حينها أن هذا السبب، وهو مشروع الدولة الواحدة المشروع البريطاني الذي تبناه الملك حسين وقاتل لأجله، هو الذي دفعه لتسليم الضفة الغربية عام 1967 وذلك للهروب من الضغوطات الأمريكية عليه لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية بقيادة منظمة التحرير التي أنشأتها أمريكا على يد عميلها جمال عبد الناصر عام 1964م وذلك لتنفيذ مشروع الدولتين الذي تبنته أمريكا في أواخر عهد الرئيس دوايت ديفيد أيزنهاور.

 

إن تلك الذكريات سوف تبقى وصمة عار على جبين أبناء وأحفاد الشريف حسين الذي طعن الأمة الإسلامية وقاتل تحت لواء بريطانيا لهدم الخلافة، ومن ثم جاء من بعده ابنه عبد الله الذي يقول عنه يهود إنه كان على تواصل معهم في الثلاثينات من القرن العشرين وأقام العلاقات معهم وكان له دور مساعد ومهم في إنشاء دولتهم اللعينة، ومن ثم أكمل المسير الملك حسين الصديق المقرب لزعماء كيان يهود، وها هو عبد الله الثاني على درب الآباء والأجداد في الخيانة والتآمر على قضية فلسطين، وهو وإن تخلى عن مشروع الدولة الواحدة وتبنى مكرها مشروع الدولتين إلا أن الولاء السياسي لبريطانيا يجري في عروقه مجرى الدم، وهو متمسك بالعلاقات القوية مع كيان يهود رغم كل الصفعات التي أهانت قوة نظامه المعنوية خاصة فيما يتعلق بالوصاية على المسجد الأقصى وعدم تجاوز مشروع الدولتين في الضفة الغربية من خلال الاستيطان والضم، وهو ما زال متمسكا بالعلاقة الوثيقة مع كيان يهود المنقاد لأحزاب يمينية على خلاف مع جماعات اليسار التي كانت تعتبر الأسرة الهاشمية الصديق المقرب لها، فكما هو معلوم في قاموس الأنظمة العميلة أن مصالح الدول الكبرى ومصلحة كيان يهود لها الأولوية على المصالح الشخصية والحزبية، وها هو الملك يفضل الجلوس على شرفة قصر رغدان ليراقب بناء نتنياهو للسياج الفاصل بين مملكته وبين فلسطين على امتداد 360 كلم منها 100 كلم من المفترض أنها حدود للدولة الفلسطينية "المنتظرة" التي سوف تربطها علاقات قوية مع الأردن! ويصمت عن هذا المشروع بذريعة أنه لا يعنيه ولا يمس مملكته وفق تقسيمات سايكس بيكو الاستعمارية، يجلس ويراقب بحذر ويتابع المتغيرات على الأرض والوقائع التي يفرضها كيان يهود ويتساءل هل بعد هذا التجاوز لمشروع الدولتين يعود مشروع الإنجليز وحلم الآباء والأجداد - مشروع الدولة الواحدة - فيبعث من جديد؟ أم أن القادم موجة تهجير لأهل الضفة باتجاه الأردن بشكل يهدد الملك والعرش الهاشمي؟ أو تنجح أمريكا في صياغة جديدة للمنطقة وحل براغماتي يحفظ العرش الهاشمي ويحاكي ما فرضه كيان يهود ويعطي لأهل فلسطين ما تبقى من فتات مشروع الدولتين؟!

 

وفي الختام: إن بقاء النظام الأردني قائماً على قدميه يعني أن الخطر على كيان يهود ما زال بعيدا نسبيا، فالنظام الأردني كان وما زال أكبر داعم وحامٍ لكيان يهود، والدول الكبرى تمنع سقوطه وتتناسى في بعض الأحيان صراعاتها السياسية حفاظا على كيان يهود من الزوال، ولذلك كان العمل على إسقاط هذا النظام العميل هدفا حقيقيا لكل من يسعى لقلب الطاولة على رأس الدول الكبرى وكسر القيود عن الأردن وجيشها الشجاع ليلتحموا مع أهل فلسطين في معركة كمعركة عين جالوت، ولكن من جهة الأردن هذه المرة، معركة تقضي على كيان يهود مرة وإلى الأبد وتتحقق بها بشرى الرسول ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ».

 

 

بقلم: د. إبراهيم التميمي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)