بسم الله الرحمن الرحيم
الخلافة: واقع مرتقب وتخوفات غربية
علاء أبو صالح
لم يكن هدم الخلافة الذي يوافق الثالث من آذار لعام 1924 بالتأريخ الميلادي، نتيجة مغامرة سياسية أو محاولة عابرة أو سياسة ارتجالية مارستها القوى الغربية الاستعمارية، بل كان هدمها ثمرة جهود مضنية وعقود بل قرون من الكيد والتآمر والتخطيط من تلك القوى، والتي انتهجت طرقاً مختلفة وتوسلت إلى تحقيق هذه النتيجة بوسائل شتى، فهدم الخلافة كان ولا زال الإنجاز الأول والأهم الذي استطاع الغرب تحقيقه في صراعه مع الحضارة الإسلامية منذ بزوغ فجرها وإقامة دولتها الأولى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة إلى يومنا هذا.
 
لذا كان من الطبيعي ومن المتوقع أن تحيط القوى الغربية الاستعمارية هذا الإنجاز بهالة من الأسباب والظروف والمخططات تسعى من خلالها للمحافظة عليه، وتلك الأسباب والظروف والمخططات هي بلا شك عوائق حقيقية في وجه استعادة الخلافة من جديد.
 
ومن أدرك نظرة القوى الغربية الاستعمارية للخلافة في تاريخها وفي مستقبلها المرتقب يدرك حجم الاهتمام الذي تبديه هذه القوى في سبيل إعاقة عودة الخلافة من جديد.
 
يقول الدكتور رفيق حبيب وهو كاتب مصري قبطي في مقال له (بالنسبة للدول الغربية، تمثل فكرة استعادة الدولة الإسلامية الموحدة، مشروعا لبناء كيان دولة عظمى. وهو ما يعني ضمنا تحدي الدول الغربية وأمريكا، بوصفها القوى العظمى في عالم اليوم. ولا يمكن أن يستمر الغرب في تفوقه على مختلف دول العالم، إذا تم بناء دولة الوحدة الإسلامية والتي سوف تقع على الحدود الجنوبية للغرب، وتفصل الغرب عن بقية دول العالم، وتحتل منطقة قلب العالم. فإذا قامت دولة للوحدة الإسلامية، لن يستمر الغرب كقوة عظمى. والأهم من ذلك، أن دور الحضارة الغربية بوصفها الحضارة المتقدمة والمهيمنة على العالم، سوف ينتهي.
 
إن حلم العولمة، وهو حلم هيمنة الليبرالية الغربية على العالم، سوف ينتهي إذا قامت دولة إسلامية موحدة، لأنها سوف تجعل الحضارة الإسلامية مهيمنة على جزء مهم من العالم، وبهذا تقوم حضارة أخرى تنافس الحضارة الغربية، وتقف كحائط صد يمنع هيمنة الحضارة الغربية على العالم.
 
وحلم دولة الوحدة الإسلامية، يعيد للغرب تاريخه مع الدولة الإسلامية في مراحلها المختلفة. فلم يستطع الغرب تحقيق هيمنته وسيادته العالمية، إلا بسقوط دولة الخلافة الإسلامية، والتي مثلت آخر تحد حضاري عالمي للدول الغربية.) انتهى كلام حبيب
 
ولتحقيق ذلك انتهجت القوى الغربية الاستعمارية العديد من الطرق والأساليب للحيلولة دون عودة الخلافة ومحاربة فكرتها، نذكر منها فصولاً تشتمل على أعمال وتصرفات عديدة، نذكرها على سبيل المثال لا الحصر:
1.       التضليل الفكري وتمثل ذلك في إدخال الأفكار الغربية على الأمة الإسلامية بثوب الإسلام، من خلال مناهج التعليم، ووسائل الإعلام، والأحزاب الموالية للغرب والتي تحمل أفكاره وتروج لها، ومن خلال الكتّاب ولوثات علماء السلاطين.
 
2.       التضليل الإعلامي والطوق المحكم الذي ضربته تلك القوى على فكرة ومشروع الخلافة وكل ما يتصل به من أحداث ونشاطات وأفكار.
 
3.       التضليل السياسي الذي كرس التبعية للغرب كسياسة عامة في كافة بلدان العالم الإسلامي مما زاد من عبودية تلك الأنظمة للغرب وقلل من احتمالية انعتاقها من ربقة الاستعمار.
4.       وآخر سهم في كنانة تلك القوى هو تسخير ما بات يعرف بحركات الإسلام المعتدل، والتي تسعى من خلالها إلى إيجاد نماذج حكم تسمى إسلامية وتوالي الغرب فتجهض مشروع الخلافة عبر تصويره للأمة كتلك النماذج التي سرعان ما ستكتشف الأمة عقمها وتبعيتها وبعدها عن مبدأ الإسلام.
 
تلك هي العوائق وتلك هي مخططات القوى الغربية الاستعمارية ومكرها، ولكن قوة مبدأ الإسلام الفكرية، ورسوخه في أعماق المسلمين، ووجود طليعة من الأمة حملت مشروعها الحضاري المتمثل بالخلافة، قد عجل من إفاقة الأمة الإسلامية من التخدير الذي اعتراها وحالة التيه التي شهدتها، مما دعا الأمة من جديد أن تلتف حول مشروع الخلافة ليصبح أملها المنشود للخلاص مما حل بها، وبوابة للفجر القادم، فالعاملون للخلافة اليوم باتوا منتشرين في أصقاع العالم وباتت دعوة الخلافة تلاقي قبولاً واسعاً منقطع النظير في آسيا الوسطى في أوزبكستان وقرغيزستان وطاجكستان بل وفي روسيا وأوكرانيا، وفي أندونيسيا وماليزيا، وفي شبه القارة الهندية في باكستان وفي أفغانستان وبنغلادش وفي الهند وفي بلاد الشام وفي بقية البلدان العربية، وفي الجاليات الإسلامية في بريطانيا وأمريكا والدنمرك وهولندا والدول الاسكندينافية وفي أفريقيا في تنزانيا وكينيا وشمال أفريقيا، وفي استراليا وفي غيرها.
 
لقد جابت دعوة الخلافة العالم وباتت الأمل المنشود للمسلمين جميعاً ولم تعد عودة الخلافة أمراً وهمياً أو خيالياً بل أمراً واقعياً قابلاً للتحقق في كل وقت بل إنه هو المستقبل المرتقب الذي يتطلع إليه المسلمون وتخشاه القوى الغربية الاستعمارية.
 
ونحن إذ نؤكد حقيقة دنو الخلافة لا نبالغ ولا نزيد عن وصف الواقع الذي تحياه الأمة، وللدلالة على ذلك نذكر جملة من توقعات الغرب وتخوفاته حيال قيام الخلافة، ونقف قليلاً على ما تعيشه الأمة، ولا يفوتنا الاسترشاد بالنصوص الشرعية التي تبشر بدنو عودة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
 
أما توقعات الغرب وتخوفاته فقد كثرت واطردت في الآونة الأخيرة، منذ عهد بوش الابن إلى يومنا هذا، ولن نكرر ذكر تصريحات بوش التي تخوف فيها من قيام خلافة من إندونيسيا إلى إسبانيا ولا تصريحات بلير أو ساركوزي أو حتى تصريحات كلارك، ولكننا نقف على ما صدر حديثاً من تصريحات تعكس مدى خوف القوى الغربية الاستعمارية من عودة الخلافة مما دعاها إلى إشعال فتيل الحروب في المنطقة لعرقلة عودتها، ولكنّ أنى لهؤلاء أن يقفوا في وجه فكرة قد آن أوانها وفي وجه مشروع بات تحققه قدراً مقدوراً، ولعل أبرز تلك التصريحات هي تصريحات جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي بشأن باكستان حيث قال "أنَّ أكثر ما يقلقه ليس أفغانستان ولا العراق ولا أزمة الملف النووي الإيراني، بل باكستان"؟ مضيفاً: "أعتقد أنَّه بلد كبير، ولديه أسلحة نووية يمكن نشرها، وفيه أقلية مهمة فعلاً من السكان المتطرفين". جاءت تصريحاته هذه وسط تخوفات كثيرة صدرت عن العديد من المسئولين والخبراء التي تحذر من أن تكون باكستان نقطة ارتكاز للخلافة القادمة. ففي الرابع والعشرين من تشرين الثاني 2009 صرح الميجر جنرال جون م. كستر، قائد مركز مخابرات الجيش في فورت هواتشوكا في أريزونا صرح لصحيفة واشنطن تايمز قائلا "إنّ القادة العسكريين القدماء يحبوننا، فهم يفهمون الثقافة الأمريكية، ويعلمون بأنّنا لسنا الأعداء، ولكنهم خارج القوات المسلحة مجددا." وقد ورد تصريح أخر على صفحات واشنطن بوست في آذار 2009 لديفيد كيلكولن، مستشار قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال ديفيد بتريوس في حرب أميركا قال: "في باكستان 173 مليون نسمة، و100 رأس نووي، وجيش أكبر من الجيش الأمريكي... وقد وصلنا إلى مرحلة حيث يمكن رؤية انهيار النظام الباكستاني خلال ستة شهور... إنّ إطاحة المتشددين بالنظام سيدمر كل الذي نراه في الحرب على الإرهاب اليوم." وفي الثاني من كانون الأول 2009 ومن على شاشة محطة جيو الباكستانية أعربت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عن قلقها من العمل للخلافة في باكستان.
 
بل إن التعامل مع الخلافة قد بدا على لسان الخبراء والكتاب الغربيين كحقيقة قائمة مما دعا الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي المشهور جون شيا أن يوجه رسالة للرئيس الأمريكي يطالبه بفتح مصالحة مع ما أسماها بالخلافة الخامسة التي لن تستطع القوات الأمريكية الوقوف بوجهها أو مجابهتها. جاء في رسالة شيا التي كانت بعنوان(حتمية المصالحة مع دولة الخلافة الخامسة): "الحقيقة الجليَّة هي أنَّه لا يستطيع أي جيش في العالم، ولا أيَّة قوَّة عسكريَّة - مهما بلغت درجة تسليحها - أن تهزم فكرة.
 
يجب أن نقرَّ بأنَّنا لا نستطيع أن نحرق قادة هذه الفِكْرة في كلّ بلاد الشَّرق الأوسط، ولا أن نحرق كتُبَها، أو ننشر أسرارها؛ ذلك لأنَّ هناك إجماعًا بين المسلمين على هذه الفكرة.
 
إنَّ الشرق الأوسط يواجه اليوم القوَّة الاقتصاديَّة الموحَّدة للدُّول الأوربيَّة، هذا صحيح، لكن عليْنا أن نعرِف أنَّه في الغد سيواجه الغرب القوَّة الموحَّدة لدولة الخلافة الخامسة."
 
وهذه التصريحات خرجت للعلن وبات التوجس من الخلافة المرتقبة ظاهراً وماثلاً للعيان-برغم وجوده عبر العقود المنصرمة- بسبب تحسبهم وتوقعهم أن تقوم الخلافة بين لحظة وأخرى ومنهم من توقع عودتها حتى عام 2020 كتقرير (رسم خريطة المستقبل العالمي) الصادر عن المجلس الوطني للاستخبارات في ولاية فيرجينيا التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية C.I.A، وكنائب رئيس مجلس الدوما السابق ميخائيل يورييف.
 
وهذه التصريحات ليست الشاهد الوحيد على ما نؤكده من دنو الخلافة بل إن الواقع الذي تحياه الأمة يدل على ذلك أتم الدلالة والوضوح، فالأمة الإسلامية اليوم باتت تتطلع للخلافة وللوحدة الإسلامية ولتطبيق الشريعة في كافة مناحي الحياة، وبات تمسك الأمة بالإسلام اليوم أكثر من أي وقت مضى، وباتت الأمة على أتم استعداد لتقديم التضحية تلو الأخرى في سبيل دينها، يدفعها إلى ذلك ترسخ مفاهيم العقيدة لديها، وإدراكها الحسي أن لا خلاص لها مما هي فيه سوى بالعودة للإسلام عبر إقامة دولته، وبات شعار "إن هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله" مفهوماً عملياً مجسداً لدى الأمة بأسرها، كما أن الحكام الجاثمين على صدرها قد بانت سوءاتهم في وضح النهار، وباتوا يناصبون الأمة ومشروعها الحضاري العداء علانية فهم شركاء أمريكا والغرب في الحرب على الإسلام، بل إن القوى الغربية قد انكشفت سوءاتها كذلك فبانت هشاشة جيوشها وقوتها العسكرية برغم امتلاكها لأعتى آلة عسكرية، فحلف شمال الأطلسي في أفغانستان يعيش كابوساً يؤرق مضجعه من قبل ثلة من المسلمين لا من قبل جيش وأمة، بل إن من جيوش ذاك الحلف من دفع الإتاوات ليحتمي من هجمات المجاهدين في أفغانستان.
 
هذا الواقع الذي تعيشه الأمة بكل خيوطه يؤكد على أن الأمة باتت مهيأة لتحتضن دولة الخلافة القادمة قريباً بإذن الله، فالخلافة في نظر الأمة باتت واقعاً مرتقباً لا حلماً ولا أمنية.
يعزز من هذا التوجه لدى الأمة الإسلامية آيات من كتاب الله وأحاديث شريفة تبشر الأمة بالنصر والظفر والظهور والاستخلاف والتمكين في الأرض وتبشر الكافرين بفشل مساعيهم وأنها إلى بوار في الدنيا وعقاب وعذاب ونار في الآخرة.
 
فكيف لأمة أن لا تتطلع لعودة الخلافة صباح مساء وهي تقرأ قول الحق جل في علاه:( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، وقوله:( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)، وأنى لأمة أن لا تتطلع لقيادة العالم وهي تسمع حديث الرسول الأكرم بعد أن أخبر عن مرحلة الملك الجبري الذي نحياه بقوله: (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)، وهي تقرأ قوله كذلك (أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أم رومية، قال مدينة هرقل تفتح أولاً) ثم هي تترقب أن يسود الإسلام الأرض في ظل الخلافة لا يترك بيت وبر ولا حضر، قال عليه السلام (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها). وغير ذلك من الآيات والأحاديث الشريفة التي تبين خيرية الأمة الإسلامية وأن العاقبة والظهور لها ولدينها.
 
إن مشروع الخلافة قد اجتاز كل المعوقات والحواجز، فالخلافة اليوم يكاد أن يبزغ فجرها مع كل صباح يلوح، فهي-بإذن الله- أقرب من طرف العين، وكل ما يصور للأمة من بعد الخلافة وعدم إمكانية قيامها من جديد ليس سوى حرب إعلامية استباقية لن تضر الأمة إلاّ أذى. فما على الأمة إلا أن تغذي الخطى نحو العلا قدماً لتحرر نفسها وتقيم حضارتها وتنقذ البشرية.
 
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين