Tahalof622

 

بقلم: د. إبراهيم التميمي*
"بعد عقود من الانقسامات والنزاعات، نشهد فجراً لشرق أوسط جديد وإن هذه الإتفاقات سوف تؤسس لسلام شامل في المنطقة قائم على الصداقة والاحترام المتبادل، أعتقد أنّ سبع أو ثماني أو تسع دول إضافية ستوقّع اتّفاقات تطبيع مماثلة مع "إسرائيل" بما فيها الدول الكبيرة" (فرانس 24 15-9-2020). كان هذا مقتطفات مما تحدث به ترامب مساء الثلاثاء 15-9-2020 خلال توقيع اتفاقيات التطبيع بين كيان يهود والإمارات العربية المتحدة والبحرين في البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وبعد ذلك التاريخ بدأت الدول العربية تهرول نحو التطبيع، فكانت السودان والمغرب وتم تهيئة الأرضية لتطبيع شامل ورسمي بين كيان يهود ومعظم الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، ورغم عدم توقيع المزيد من الاتفاقيات بعد وصول بايدن إلى الحكم إلا أن المتابع يجد أن العلاقات بين كيان يهود وتلك الأنظمة تتعمق بشكل قوي وسريع حتى شملت معظم المجالات الاقتصادية والسياسية.
ولو عدنا في الذاكرة قليلاً إلى الوراء نجد أن ذلك التطبيع الذي فَصَله ترامب عن تصفية قضية فلسطين كان ضمن صفقته التي أسماها -صفقة القرن- والتي كانت تقوم على محورين رئيسيين؛ محور متعلق بحل قضية فلسطين وآخر متعلق بدمج كيان يهود ضمن تحالفات المنطقة.
أما المحور الأول فقد فشل فيه ترامب فشلاً ذريعاً لأسباب كثيرة، من أبرزها مراوغة نتنياهو ولعبة الانتخابات في ذلك الوقت، وذلك بعد أن أخذ من ترامب ما استطاع على عادة قومه في المراوغة والمكر! وهذا الشق لم يعد موجوداً بذهاب ترامب وعدم تبني بادين له، وإعادة ترتيب الأولويات في السياسة الأمريكية، ووضع ملف قضية فلسطين ضمن حالة إدارة الملف ومنع تفجر الأحداث، التي بالكاد تنضبط بفعل جرائم كيان يهود المتواصلة والاندفاع بسياسات تهويدية مغلفة بهوس توراتي خاصة من جماعات اليمين التي تمسك بزمام الحكومة والمعارضة، وكذلك فرض الوقائع اليومية في الضفة والقدس من قادة الكيان مستغلين التواطؤ العالمي والوضع الدولي المتأزم وانشغال الولايات المتحدة بقضية الصين وأوروبا وعدم وجود أفق للسلام.
أما الشق الثاني وهو الشق الإقليمي فقد كان محل ثناء من بايدن قبل فوزه في الانتخابات، وكان محل إشادة منه بعد وصوله لمنصب الرئيس، وكذلك كان موقف مستشاره للأمن القومي -جاك سوليفان- ووزير الخارجية أنتوني بلينكن وكان لدوائره السياسية وخاصة وزارة الخارجية دور إيجابي في تعزيز تلك الاتفاقيات وتقويتها وتوسعتها لتشمل مجالات أهم من الاقتصاد والسياحة، وهو سبب كتابة هذه المقالة، وهو الجانب العسكري والتحالفات العسكرية، يبرز ذلك مع تتابع الأخبار عن رغبة كيان يهود في الانخراط بتحالفات مع عدد من الدول العربية برعاية أمريكية بالتزامن مع طرح أعضاء في الكونغرس الأميركي مشروع قانون يقضي بأن تسعى وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) إلى دمج الدفاعات الجوية "لإسرائيل" ودول عربية، حيث قالت السيناتورة الجمهورية جوني إرنست "إن مشروع القانون يوجه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى التعاون مع الشركاء والحلفاء في الشرق الأوسط لإيجاد بنية أنظمة صاروخية وجوية متكاملة للتصدي لما أسمته تهديدات إيرانية ووكلائها في المنطقة"، وأضافت إرنست "التشريع الذي يدعمه الحزبان يسلط الضوء على دول مجلس التعاون الخليجي والعراق و(إسرائيل) والأردن ومصر ودول أخرى يحددها وزير الدفاع، ويطلب من البنتاغون وضع استراتيجية لتنفيذ التعاون الأمني وصياغة وتقييم بيئة التهديدات الحالية".(الجزيرة نت 9-6-2022 ) وكذلك ما كشفه كيان يهود عن نشر منظومات دفاع جوي "إسرائيلية" في الإمارات والبحرين ضمن استراتيجية الإنذار المبكر والتصدي للصواريخ البالستية وعدم نفي الإمارات والبحرين لتلك الأخبار، ومن ثم كانت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن حول زيارته المرتقبة إلى المنطقة، حيث قال لوسائل إعلام أمريكية إن "زيارته المتوقعة إلى السعودية، لا تتعلق بالطاقة والنفط، إنها تتعلق بالأمن القومي لإسرائيل" (المركز الفلسطيني للإعلام 13-6-2022)، وهو ما أعلن عنه البيت الأبيض حيث أعلن "أن الرئيس بايدن يزور منطقة الشرق الأوسط في الفترة من 13 إلى 16 يوليو لتعزيز التزام الولايات المتحدة بأمن (إسرائيل) وازدهارها وحضور قمة مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر والعراق والأردن (المعروف باسم GCC + 3).. كما سيلتقي مع نظرائه من المنطقة لتعزيز الأمن والمصالح الاقتصادية والدبلوماسية للولايات المتحدة".(روسيا اليوم 14-6-2022).
إضافة إلى ما سبق كان هناك تحركات قوية بوساطة أمريكية لترسيم الحدود البحرية مع لبنان لاستخراج كميات الغاز الضخمة المكتشفة في البحر المتوسط خاصة من قبل كيان يهود لبيعه للدول العربية وضخه إلى تركيا وأوروبا، حيث أعلن أردوغان الشهر الماضي عن عزمه على مد خط أنابيب لنقل الغاز الذي يستخرجه كيان يهود من البحر الأبيض إلى تركيا ومن ثم إلى شرق أوروبا في خطوة تنسجم مع التوجه الأمريكي لمساعدة أوروبا على تخفيف الاعتماد على الغاز الروسي، وهو ما تم الإعلان عنه صراحة في القاهرة يوم الأربعاء 15-6-2022 عقب توقيع كيان يهود ومصر والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر مصر بعد إسالة الغاز على أراضيها وشحنه بالناقلات إلى أوروبا ووصفه نفتالي بينت بالإنجاز التاريخي.
وبالتالي يتبين أن اتفاقيات التطبيع أو ما أطلق عليه اتفاقيات أبرهام التي نجح ترامب في إعلانها وتنفيذ جزء منها باتت أداة سياسية في يد الولايات المتحدة لإحكام السيطرة على منطقة الشرق الأوسط وهو ما تسعى له إدارة بايدن، وتلك الاتفاقيات وإن كانت تصب في خدمة كيان يهود في كثير من المجالات ولكنها في المقام الأول برعاية وإشراف أمريكي لتوظف بالشكل الذي تريده أمريكا وتتطلبه مشاريعها السياسية سواء أكان في جعل كيان يهود جزءا من المنطقة وتحالفاتها بحجة التصدي للخطر الإيراني أو جعله ينخرط في تحالفات تكون تحت ناظري أمريكا وعملائها وتمكنها من ضبط كيان يهود ومنع ارتكاب حماقات ضد إيران وجر المنطقة لحرب في لحظة لا تريدها أمريكا أو كان لإعادة تقسيم المنطقة على أسس مذهبية الشكل استعمارية الجوهر، أو في إمعان السيطرة على مقدرات المسلمين وتكبيل جيوشهم وجعل قدراتهم العسكرية مرهونة للغرب وإرادته، أو في تصفية قضية فلسطين لصالح كيان يهود أو في ابتزاز دول الخليج ونهب ثرواتهم ... وهذا التوظيف الاستعماري الخبيث هو الخطر الحقيقي لاتفاقيات التطبيع وما يتبعها من تحالفات عسكرية رغم أن تلك الاتفاقيات التي تقر بشرعية كيان يهود ووجوده في المنطقة هي جريمة وخيانة عظمى بحد ذاتها.
إن الخطر الحقيقي على كيان يهود وتحالفاته مع الأنظمة العربية ليس النظام الإيراني الذليل العميل لأمريكا، والذي باتت عمليات الاغتيال المتنوعة رمياً بالرصاص وتسميماً... للقادة العسكريين والعلماء على أرضه وعمليات ضرب المفاعلات النووية ومحطات الطاقة والحرائق تملأ عناوين الصحف الإيرانية، دون رد حقيقي من النظام الإيراني، رغم أن كيان يهود المتغطرس على حقيقته كيان ذليل ضعيف لا يحتاج إلى ربع القوة التي استخدمتها إيران ضد المسلمين في العراق والشام للقضاء عليه، ولكن هيهات هيهات لمن رضع الذل والعمالة والعداء للمسلمين أن يتصدى لأعداء الأمة.
وفي الختام إن الخطر الحقيقي على كيان يهود ومخططات أمريكا ونفوذها يتجسد في رفض المسلمين لعمليات التطبيع المخزية وما تبعها من ترتيبات سياسية وعسكرية وتململ الأمة الإسلامية للانعتاق من الأنظمة التي أذلتها وضيعت قضاياها وهيبتها، وتشوق المسلمين لتحرير فلسطين وبيت المقدس وقدرتهم على القيام بذلك إن تحركوا بوعي سياسي فذ لإسقاط الأنظمة العميلة التي تحمي كيان يهود وتقيد الجيوش وتمنعها من التحرك لنصرة أهل فلسطين وتحرير المسجد الأقصى وكامل الأرض المباركة.

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين