أهل غزة بين القتل قصفاً أو تجويعاً!!

بقلم: الأستاذ حسن المدهون*        

 

عن الراية

لم يكن العدوان الأخير لكيان يهود على قطاع غزة إلا نتيجة طبيعية لاستخفافه بأهل فلسطين وهم يرون الحكام في المنطقة يتسابقون على حمايته والتطبيع معه بشكل متسارع، كما فعل مؤخرا حكام السعودية والإمارات ومن قبلهم حكام مصر والأردن وقطر، وأمثلهم طريقة من يلعب دور الوسيط بين الحركات الفلسطينية وكيان يهود، فيتوسط لإبرام هدنة بعد هدنة.

وفي الوقت ذاته تتماهى الدول والأنظمة في الاشتراك في تصفية قضية فلسطين، سيرا وراء ما يُعرف بصفقة القرن، وتشكيل تحالف بين الدول العربية وكيان يهود بحجة مواجهة إيران! رغم معارضة أوروبا وعملائها لهذه الصفقة خوفا من التأثير على بعض الأنظمة التابعة لهم وحرصا على عدم تفرد أمريكا بالحلول.

فبعد قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لكيان يهود، بدأت خطوات أمريكا في العمل على تصفية قضية اللاجئين باعتبار أنّ قضية فلسطين لها أبعاد عدة أهمها القدس واللاجئون والحدود والمياه.

فالتقت مصالح كيان يهود مع مصالح أمريكا في هذه النقطة، بدليل طلب رئيس وزراء كيان يهود بنيامين نتنياهو من وزرائه العمل خلال العام الحالي على تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين باعتبارها رمزا لقضية اللاجئين وذات بعد سياسي يخص قضية فلسطين، والعمل على تحويل قضية اللاجئين من قضية سياسية إلى مجرد قضية إنسانية وإغاثية لا أكثر، مستغلين في ذلك الواقع المعيشي المزري المفروض على قطاع غزة، بفعل سياسات السلطة الفلسطينية والعقوبات المفروضة على قطاع غزة بهدف تسليمه كاملا للسلطة في رام الله، وبفعل الحصار الاقتصادي الذي يفرضه كيان يهود، هذا فضلا عن تقليل أعداد اللاجئين المتواصل منذ عقود في كل من سوريا ولبنان في إطار أعمال منظمة هدفت لتضييق سبل العيش عليهم مقابل فتح باب الهجرة للدول الأوروبية أمامهم، وما جرى من أحداث في عدد من المخيمات في سوريا مؤخرا نتيجة سياسات بعض الحركات والتي كانت عادة ما تنتهي بتهجير أهالي المناطق ثم تسليم السلاح ونقل المقاتلين إلى مناطق أخرى.

وفي سياق محاولة أمريكا وكيان يهود تصفية قضية اللاجئين عبر تصفية وكالة الغوث، جمدت أمريكا جزءا كبيرا من مساعداتها لتلك الوكالة، فردت دول أوروبية بالتعهد باستمرار تقديم التبرعات للوكالة.

والسياسات التي انتهجتها الوكالة، تلقي بظلال من الشك على تواطؤ أمريكا ومعها كيان يهود في التأثير على تلك السياسات من أجل تصفيتها.

فمنذ سنوات كثيرة وحجم الدعم الغذائي والصحي قد تقلص بدرجة كبيرة، ما دفع اللاجئين في قطاع غزة للاحتجاج أكثر من مرة على تلك التقليصات، علاوة على اتهامات للوكالة بخصوص سياسة تقليص التوظيف في عدد من دوائرها كالتعليم والصحة، إضافة لتغيير نوعية التوظيف والذي كان محصورا فقط بمن يحمل بطاقة لاجئ ليشمل من لا يصنف كلاجئ مما يعطي انطباعا عنها أنها ليست وكالة للاجئين حصرا.

وقد اشتد في الآونة الأخيرة حجم التقليصات، فقبل أسابيع تم إقالة ما يقارب ألف موظف كانوا يعملون على بند العقود، بل استمرت تصريحات عدد من كبار موظفيها لتلقي ظلالا من الخوف والشك حول إجراءات وتقليصات شديدة تجاه موظفي الوكالة في مناطق عملها الخمس، مع احتمال تأجيل بدء العام الدراسي في مدارس الوكالة.

وهذه التهديدات الأخيرة تجاه تقديم الخدمات والتي تمس عددا من المناطق تلتقي مع سياسة أمريكا في التعامل مع أهل فلسطين وفق رؤية تصفوية تعتبر أهل الأرض المباركة فلسطين مجرد قضية إغاثية أو إنسانية ولكنها ليست سياسية، بل إنها تتلاقى مع الدور الذي يقوم به المبعوث الأممي لعملية السلام نيكولاي ميلادينوف، والذي أعد خطة بخصوص قطاع غزة ويعمل بكل قوة للترويج لها.

حيث تركز تلك الخطة على ما يُعرف بالبعد الإنساني في قطاع غزة، وعلى ضرورة إقامة مشاريع إنسانية في قطاع غزة تحديدا، ويكون لمصر دور كبير في تلك المشاريع، محققا بذلك ما يروجه المبعوث الأمريكي لعملية السلام وصهر ترامب جاريد كوشنر بضرورة التركيز على المشاريع الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة، خاصة بعد فشلهما في الزيارة الأخيرة للمنطقة في الترويج لصفقة القرن، فكان الرد بالعمل على الناحية الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة، للتهديد بتمرير تلك الصفقة بدءا من قطاع غزة ورغما عن رفض عباس والذي يصر على العودة لفكرة حل الدولتين على حدود 67 وليس دولة على مناطق السلطة المقطعة في الضفة الغربية مع توسيع لقطاع غزة.

إنّ استغلال معاناة أهل فلسطين وقطاع غزة تحديدا من أجل القبول بالمشاريع الدولية التي تحوكها أمريكا هو استغلال بشع للتضحيات والمعاناة التي يعيشها أهل قطاع غزة.

إنّ احتلال كيان يهود للأرض المباركة فلسطين هو الذي أوجد الكوارث التي يعيشها أهل فلسطين، ومن أوجد كيان يهود من الدول الغربية الكبرى هو الذي أوجد أيضا المنظمات الدولية التي سوقت حلولا تضمن تسكين آثار جرائم كيان يهود لإبقائه.

لكن جوهر قضية فلسطين هو أنها أرض محتلة يجب تحريرها بالجهاد المفروض على الأمة وأهل القوة فيها، فواجب الأمة تحرير فلسطين وإغاثة أهلها.

وحتى لو نجحت أمريكا في تقزيم قضية فلسطين أكثر وأكثر وزيادة ضنك العيش على أهلها، فإنّ نجاحها سيكون في تصفيتها كقضية وطنية، أما باعتبارها قضية إسلامية يتجلى فيها الصراع بين حضارة الإسلام المغيبة الموعودة بالغلبة والتمكين وبين حضارة الغرب والاستعمار الذي زرع هذا الكيان، فإنها لن تتمكن من النجاح فيها ما لم توجد قوة على وجه الأرض قادرة على محو القرآن الكريم وسورة الإسراء وسنة النبي e، ولن توجد تلك القوة بالطبع، وكما قال الإسلام كلمته الفصل وانتصر في الحروب ضد الصليبيين والتتار من قبل، فإنّه سيصرع الحضارة الغربية والاستعمار وكيان يهود في المنطقة وسيكنسه كنسا وذلك لحظة تحرك الأمة وجيوشها تحت راية الإسلام قريبا إن شاء الله.

 

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين