تعليق صحفي

خطاب العالم الإسلامي من تركيا:

وجوب استلهام التاريخ العثماني لا تمرير الفكر العلماني

   نقلت صحيفة الزمان التركية (30/7/2017) أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستعد لإنشاء مؤسسة تخاطب العالم الإسلامي من تركيا، وأن ذلك يأتي "ردا على تصريحات (إسرائيل) والسعودية بأن العهد العثماني قد ولّى". ونقلت عن نواب حزب الشعب الجمهوري المعارض أنهم انتقدوا حملة العدالة والتنمية هذه، واصفين إياها بالعدول عن القانون المدني.

إن الإسلام يطرح للعالم مشروعا سياسيا وحضاريا من أجل تغيير وجه الأرض بإزاحة الرأسمالية عن مركز الصدارة العالمية ليشرق نور الإسلام من جديد، ولا شك أن الأمة الإسلامية بحاجة إلى أن تكون قنوات التواصل الفكري والسياسي مفتوحة بينها، وبين شعوبها وبلدانها، وليس ثمة من حواجز أو فواصل تحجبها عن ذلك الاتصال والتواصل، لولا تآمر الحكام وترسيخ حدود التقسيم، ولذلك فإن الدعوة لمخاطبة العالم الإسلامي، إذا تجردت عن الغايات الاستعمارية وتمردت على الشعور بالهزيمة الحضارية، تستوجب الاهتمام والمتابعة.

وإن ما هو أهم من هذه الدعوة، هو المضمون الحضاري والثقافي الذي تحمله وتطرحه مؤسسة تخاطب العالم الإسلامي من تركيا ومن غيرها. ومع ذلك فإن هنالك خصوصية لتركيا، بأنها كانت آخر معاقل دولة الخلافة العثمانية، وأن اسطنبول كانت حاضرتها، وآثارها وأحجارها ما زالت شاهدة على تاريخ عسكري وإسلامي يذكّر بأمجاد تلك الخلافة وفتوحاتها ودفاعها عن بلاد المسلمين أمام الهجمات الاستعمارية، والمؤامرات الدولية.

ولذلك فإن مؤسسة ثقافية لا تستلهم ذلك التاريخ الجهادي ولا تلتزم تلك الثقافة الحضارية لا يمكن أن تكون الرد المناسب على تبجّح زعيم كيان يهود ولا على تجرؤ ملوك النفط، بأن عهد الخلافة العثمانية قد انتهى، بل إن الخطاب الذي يستلهم نفس تلك الخلافة هو الوحيد الذي يمكن أن يستقطب الأمة وأن يحشدها من مشارق الأرض إلى مغاربها معه. وهو الرد الذي يتناغم مع استنهاض أهل القدس وفلسطين للأمة تحت شعار #الأقصى_يستصرخ_الجيوش، وعلى رأسها الجيش العثماني.

فإذا كانت القيادة التركية تريد فعلا أن تتحدى كيان يهود وأنظمة الخليج في تهجمها على إرث الخلافة العثمانية، وأن تلجم معها زعماء حزب الشعب الجمهوري الذين ورثوا العداء للخلافة العثمانية عن مصطفى كمال، كما تقطر ألسنتهم في كل مناسبة، فإنها ملزمة بالخطاب القرآني الذي أوجب على المسلمين الوحدة السياسية مع الوحدة العقدية وتحكيم الإسلام وتحرير البلدان، في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة، وهي ملزمة باستلهام بشرى الرسول الكريم r: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، كما استلهم الأجداد العثمانيون بشرى فتح القسطنطينية وحققها محمد الفاتح الذي خلده التاريخ، بعدما فاز بمدح الرسول r: «فَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ».

هذا هو الخطاب الوحيد القادر على إعادة ضبط بوصلة الحراك السياسي في الأمة الإسلامية، وهو الذي نحمله وندعو إليه ونحب لكل مسلم أن يسابقنا فيه، بل أن يسبقنا إلى تحقيقه، وهو التحدي الحضاري الحقيقي للغرب العلماني، وهو الذي يعلو ولا يُعلى عليه، ولو كره الغرب الاستعماري والمحتل اليهودي:

﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.