تعليق صحفي

الكفاح ضد الاستعمار الرأسمالي ليس حربا دينية ضد نصارى الشرق

تناقلت وسائل الإعلام أخبار التفجيرات التي حصلت في مصر، ومنها خبر الجزيرة نت تحت عنوان "عشرات الضحايا بتفجير كنيستين بمصر تبناهما تنظيم الدولة"، حيث قتل 43 شخصا وأصيب أكثر من مئة في تفجيرين استهدفا الأحد كنيستين في مصر وتبناهما تنظيم الدولة الإسلامية

كما في كل مرة، وعند كل حادثة شبيهة، تعلو الأصوات على الفضائيات حول "مكافحة الإرهاب" وتُوجّه أصابع الاتهام للإسلام، ولمشروعه العالمي في إقامة الخلافة على منهاج النبوة، بينما يتناسى الجميع أن أصل هذا "الإرهاب" هو الهجمة الغربية الاستعمارية على المسلمين، وأن منبعه هو مؤامرات الغرب باشتراك الحكام المستبدين لمنع وحدة الأمة في ظل دولة الخلافة الراشدة التي تحكّم الشريعة السمحاء، والتي تحفظ دماء الناس تحت ظلّها، لا تفرق في ذلك بين المسلمين وغير المسلمين.  

ولذلك فإن دول الاستعمار الغربي هي التي تتحمل وزر تلك الجرائم، وهي التي تشعل "الطائفية"، وتحرّك الصراع الديني في بلاد المسلمين خدمة لأجنداتها الاستعمارية، ومن أجل تشويه صورة الإسلام ولفضّ الناس عن الاحتشاد على مشروع الخلافة.   ومما يزيد الطين بلة، أن الحكام المستبدّين يبادرون إلى وصم تلك الجرائم بـ(الإرهاب)، ويلصقونها بالمسلمين، بينما يصمتون عن إرهاب روسيا وأمريكا ودول أوروبا وعن إرهاب الأنظمة الدكتاتورية ضد المسلمين، كما في الجرائم الكيماوية المتكررة ضد أهل سوريا.  

ومن ثم فإن "مكافحة الإرهاب" يجب أن تعني عند المسلمين الكفاح ضد الاستعمار الرأسمالي وضد أدواته وعملائه، كونه أصل الإرهاب ومبعثه.   وإن من يفهم طبيعة الشريعة الربانية يدرك أن الخلافة على منهاج النبوة هي دولة للناس وليست خاصة بالمسلمين، ولذلك فإنها سبيل للتراحم بينهم لا الشقاء وبعث الشحناء فيما بينهم، وهي رحمة للعباد وتجلب الخير للبشرية، وليست سوطا مسلطا على رقابهم، كما يحاول البعض تصويرها، عبر مثل هذه الجرائم.  

ويعيش في دولة الخلافة المسلمون وغير المسلمين يتمتعون بعدلها وخيراتها، بحيث يكون فيها لغير المسلم ما للمسلم من إنصاف، وعليه ما على المسلم من الانتصاف. وهي الدولة التي تحكّم الإسلام في حياة تابعيها مهما اختلفت أديانهم، ومن ثم فهي لا تفتح المجال السياسي للطائفية ولا لصراعاتها وقلاقلها، ولا واقع فيها لمفهوم الأقليات، لأن الرعية فيها سواسية تحت عدل الإسلام كأسنان المشط.  

ولا مجال في دولة الخلافة الراشدة لتأجيج الفتنة بين النصارى الذين يعيشون في دولة الخلافة وبين المسلمين. وعلى النقيض من ذلك، فإن الاستعمار هو الذي يؤجج تلك الفتنة بينهم وبين المسلمين، وهو الذي تمكّن من ذلك عندما قضى على دولة الخلافة، وعندما استغل بعض رجالاتهم وبعض رجالات المسلمين ممن ساروا في مخططاته ونفّذوا أجنداته الخبيثة، كما تفعل الأنظمة المستبدة الرابضة على رقاب المسلمين وغير المسلمين في البلاد الإسلامية، وعلى رأسهم نظام السيسي نفسه، الذي هو شعلة في هذه المخططات وتلك الفتنة، وليس بريئا من تلك الجرائم.  

ولذلك نؤكد من جديد أن الممارسات الدموية ضد الطوائف غير الإسلامية في بلاد المسلمين هي جرائم وممارسات خاطئة سياسيا فوق كونها باطلة شرعيا، وهي أيضا تناقض الأحكام الشرعية التي توجب حماية كافة الرعايا والذود عنهم، وتحرم ترويعهم أو استباحة دمائهم أو تهجيرهم، كما بينت الأدلة الشرعية التي تنهى عن ذلك من مثل قول رسول اللهr: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» رواه البخاري.  

ولقد كان حزب التحرير سبّاقا في توثيق ذلك العدل الرباني مع غير المسلمين في ظل الإسلام، وفي إبراز ذلك النقاء والصفاء الإسلامي في مستقبل الأمة، عندما أعد مشروع دستور الخلافة -الذي عرضه على الأمة وعلى حركاتها وعلمائها، وبين فيه أن "جميع الذين يحملون التابعية الإسلامية يتمتعون بالحقوق ويلتزمون بالواجبات الشرعية".  

ثم إن دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هي رحمة للمدنيين في شتى بقاع الأرض، لا في بلاد المسلمين فحسب، ولن تكون مصدر إرهاب لهم، ولذلك فإن التفجيرات العبثية التي تنال من الأبرياء والمدنيين هنا وهناك، تناقض أحكام الشريعة الغرّاء ودستور دولة الخلافة، لأن الإسلام لم يبح استهداف الأبرياء والمدنيين من غير المحاربين بالقتل. وإن ما يجري من جرائم تحت عنوان الخلافة (أو نسبته إلى تنظيم عسكري يحمل عنوانها) هو ظلم لمشروع الخلافة الحقة قبل أن يكون ظلما لمن يُقتل تحت تلك الدعوى الخاطئة.