تعليق صحفي

تونس ومسيرة التدجين والتطبيع مع المحتل اليهودي

نشرت وكالات الأنباء خبر مشاركة وفود يهودية من كيان الاحتلال اليهودي في الأعياد اليهودية في تونس، ونشرت روسيا اليوم الخبر تحت عنوان "حوالي 1000 يهودي بينهم إسرائيليون يتوافدون إلى معبد الغريبة بتونس"، ونقلت الجزيرة عن رافائيل كوهين -وهو حاخام يهودي جاء من كيان الاحتلال اليهودي، في رد على سؤال للجزيرة نت حول إحساسه أثناء ممارسته طقوسه الدينية في بلد مسلم، بينما تمنع حكومته الفلسطينيين من الصلاة في القدس، أنه تمنّى أن يتغلّب ''العقلاء'' من المسلمين واليهود على من وصفهم بالمتطرفين من الجانبين. وشارك عبد الفتاح مورو نائب رئيس البرلمان التونسي والقيادي في حركة النهضة في تلك الاحتفالات، وتحدث خلال زيارته إلى كنيس الغريبة للجزيرة نت أن تونس تستقبل كل اليهود لتبين للعالم أنهم لا يحتاجون إلى تأسيس دولة تحميهم، بل إن على الدول التي يعيشون فيها حمايتهم.

بداية لا بد من التفريق بين حماية الإسلام لأهل الذمة من اليهود ممن عاشوا في كنف الخلافة عبر قرون طويلة من عدل الإسلام، وبين حماية الأنظمة للوفود اليهودية القادمة من كيان يهودي مجرم، نشأ على جماجم أهل فلسطين، ويتحدى قادته الأمةَ الإسلامية يوميا، وهم يتوعدون المسلمين بالقتل دون أن يحسبوا حسابا للأنظة ولجيوشها المكبّلة، كما توعد ليبرمان وزير الحرب اليهودي قادة حماس بالقتل، ومنهم إسماعيل هنية. وكان يمكن تفهم قيام اليهود بممارسة شعائرهم بحرية في تونس، دون أن تُحمّل تلك الشعائر الطابعَ التطبيعي، ودون أن تَحمل رسائل سياسية من قبل النظام التونسي، مع حضور مسؤول كبير في حركة النهضة في ذلك الحدث التطبيعي الذي تجرمه الأحكام الشرعية.

وهم يتجاهلون اليوم، أنه بينما يحرس النظام التونسي الحاخامات اليهود لتأمين سلامتهم، يقمع الاحتلال اليهودي المسلمين ويمنعهم من زيارة المسجد الأقصى، بل ويقتل شبابهم وشاباتهم على مداخل القدس وعلى أبواب المسجد الإبراهيمي في الخليل، تحت ذريعة حمل السكاكين، فأي فحش سياسي هذا الذي يمارسه النظام التونسي، ويقف معه من يعتبرون أنفسهم إسلاميين شهّاد زور عليه، بل ويشاركون في مسيرة التطبيع السياسي الباطل. ويتجاهلون أيضا أن قادة الكيان اليهودي كانوا قد اعتقلوا –قبل عام تقريبا- الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي دون أن يرف لهم جفن، بينما أخذ النظام التونسي باستجداء اليهود للإفراج عنه (روسيا اليوم في 29/6/2015).

إن تونس التي كانت أيقونة الثورة، والتي تفجّر فيها الربيع الثوري، تسير على خطا النظام التركي، شبرا بشبر في توظيف "الإسلاميين" من أجل تشريع العلمانية وتمرير مشاريعها السياسية الباطلة، ومنها التطبيع مع المحتل اليهودي، حيث تفتح أبوابها للحاخات اليهود القادمين من الكيان اليهودي المجرم.

 

وإنه مما لا شك فيه أن حرمة التطبيع مع المحتل اليهودي لم تكن يوما محل خلاف فقهي أو سياسي قبل أن تسير الأنظمة العربية في مسيرة المفاوضات وما تسمّى "مسيرة السلام" مع الاحتلال اليهودي، وقبل أن توظّف علماءها الذين ينطقون باسمها في تبرير التحركات التطبيعية. وإن الخطورة السياسية تزداد اليوم بعدما تصدر لهذا التبرير والتمرير من يعتبرون أنفسهم "مناضلين إسلامين" من أجل التحرر، وهم قد صاروا شهود زور على مسيرة التطبيع، متحدين ثقافة الأمة، ومتجاهلين حكم وجوب استنكار نهج المطبعين، مما هي ثوابت راسخة في الأحكام الشرعية، ولا يمكن أن تتغير بتغير الأزمان والأحوال، ولا بتغير شخصيات المطبعين.

إن هذه المشاركة التطبيعية من قبل قيادي في حركة النهضة توجب الصدع من قبل حركات المقاومة التي تصنّف أدبياتها أنها إسلامية، وسطرت في مواثيقها بطلان نهج المفاوضات والصلح مع الكيان اليهودي وإخراجه من دائرة صراع الأمة الإسلامية، كما ورد في ميثاق حركة حماس.

إن صدع حركة حماس بجريمة التطبيع في تونس من قبل النظام ومن معه يمكن أن يمثل نفيا عمليا للتصريحات التي نسبت لنائب رئيس الحركة إسماعيل هنية من أنه دعا تونس إلى عدم تجريم التطبيع، مثل ما أوردته صحيفة الزمان بتاريخ 30/10/2012، تحت عنوان "هنية ينفي التدخل لمنع إدراج تجريم التطبيع بالدستور التونسي"، بعدما تناقلت وسائل إعلام عن رئيس كتلة النهضة في المجلس التأسيسي التونسي السحبي عتيق، أنه قال: إن القياديين في حركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية وخالد مشعل، "نصحانا أثناء زيارتهما لتونس بعدم التنصيص على تجريم التطبيع مع إسرائيل في الدستور التونسي الجديد". ثم نقلت عن الناطق باسم حكومة غزة طاهر النونو أن هنية لم يتدخل في ذلك الأمر، معتبرا أن "الدستور التونسي شأنا تونسيا".

لذلك نبرق رسالة سياسية إلى كل مخلص في تونس وإلى كل صادق في حركات المقاومة أن لا يسمح بالتشكيك في ثابت تجريم التطبيع، وأن لا يضلله أي شعار إسلامي إذا ما تلاعب بتمرير التطبيع مع الكيان اليهودي المجرم.