تعليق صحفي

الوعي على الأهداف الأوروبية كفيل برفض مشروع اتفاق الهدنة في غزة

نشر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تقريرا سياسيا حديثا (أيلول/2015) بعنوان "تقدير استراتيجي (79): الاتصالات الأوروبية الحمساوية وجهود التهدئة في غزة"، جاء في ملخصه أن "الحرص على مصالح وأمن "إسرائيل" هو المحدد الأساسي لسلوك وسياسات الدول الأوروبية تجاه القوى الفلسطينية المختلفة، ومنها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"".

وأضاف الملخص "وبعد اشتداد الحصار على قطاع غزة وضعف أداء السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير في القيام بمسؤولياتها تجاه القطاع، تبذل كل جهد ممكن لفك الحصار والتخفيف عن الشعب الفلسطيني هناك، والحوار مع الأوروبيين هو محاولة في هذا الاتجاه". وبيّن أن "السيناريو الأقرب للتحقُّق من خلال الاتصالات الأوروبية مع حماس هو السعي الأوروبي نحو تحقيق التهدئة مقابل الإعمار والتنمية في القطاع؛ وليس من المتوقع أن تقدم حماس أي أثمان سياسية لاتصالاتها مع الأوروبيين".

إن النظرة السياسية للعقلية اليهودية لا يمكن أن تنفكّ عن الأمن، فعقلية اليهود السياسية هي عقلية أمنية بامتياز، وهذه حقيقة جلية في قول الله تعالى: "لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ"، ولذلك لا يمكن "اختراق!" الوسط السياسي اليهودي عبر أي اتفاق سياسي لا يتضمن إغراء أمنيا للكيان اليهودي. وهذا ما يدركه الأوروبيون جيدا كما يقرر التقرير.

إذن لا خلاف على أن أي اتفاق سياسي (تحت أي عنوان) لا يمكن أن يخرج عن سياق أوسلو الأمني، وعن الاستحقاقات الأمنية لخارطة الطريق، ولو اختلفت الوسائل والأدوات.

هذه الانجازات الأمنية المنتظرة من الاتفاق تسهم -بطريقة غير مباشرة- في نزع فتيل المواجهة العسكرية بين المسلمين واليهود المحتلين، عبر ترسيخ واقع تعايش أمني ينعكس تلقائيا على الواقع النفسي والمكنون العاطفي للمسلمين، وهي تمثل هبوطا سحيقا عن فلسفة "الأرض مقابل السلام"، التي تحولت لاحقا إلى فلسفة "الأمن مقابل السلام"، والآن إلى فلسفة "الأمن عبر التهدئة مقابل التنمية".

لا شك أن ضغط الواقع في غزة يدفع سلطتها للتفكير بتخفيفه عبر مسار سياسي تحت عنوان الهدنة يمكن أن يحسن الواقع المعيشي، ولكنه في الوقت نفسه يحقق لحماس الشرعية الدولية و"الإقرار الأوروبي بدور حماس"، و"التخلص من قائمة المنظمات الإرهابية الأوروبية"، كما يفصل التقرير.

إن سياقنا السياسي لتناول هذه المسألة ليس في "اتهام" حماس بالتورط بمشروع سياسي ومن ثم العمل على مقاضاتها سياسيا، بل هو التحذير السياسي من الأهداف الأوروبية التي أورد التقرير بعضا منها، من مثل استكشاف الجهات الأوروبية لـ"احتمالات وفرص دمج حماس في العملية السياسية، وإمكانية اعترافها بـ"إسرائيل" والتعايش معها"، مع "التأثير في حماس وعلى قرارها السياسي تجاه القضية الفلسطينية وآليات حلها، وممارسة الضغط بوسائل مختلفة على حماس للاستجابة للرؤية الدولية لإنهاء الصراع، المستند إلى قرارات الأمم المتحدة وحلّ الدولتين".

وإنه من الواضح في البحث الموضوعي (من قبل مركز الأبحاث المذكور) أن الهدنة لا تنفصل عن الغايات والنتائج السياسية المرجوة من كافة الأطراف، ولذلك لا يمكن التغاضي عن حقيقة جر اتفاق الهدنة لعربة المشروع السياسي، وهو ما يدفعنا لنجدد النصح لقادة حماس بألا يكونوا جسرا لتمريره.

صحيح أن الأخبار في الأيام الأخيرة تتحدث عن أن "وساطة بلير بين «حماس» وإسرائيل انتهت"، كما أوردت صحيفة المستقبل في 6/9/2015، إلا أن مثل هذه العناوين الصحفية ليس لها دلالة سياسية واحدة في العادة، بل هي حمّالة أوجه، وقد تتضمن غايات من إبرازها على السطح بغض النظر عما يحدث وراء الكواليس، وخصوصا أن تفاصيل الخبر تذكر أن الوساطة "لم تنجح حتى الآن في التوصل إلى نتيجة ملموسة"، فالخبر يبرز النتائج الحالية لا النهائية. وقد ذكرنا سابقا أن هذا المسار هو أوروبي، ولذلك ليس غريبا أن تحاول القوى الإقليمية أمريكية الولاء -مثل مصر- إفشاله.

إن زبدة النصيحة أن تَحذر قادةُ حماس من السير على خطا قادة فتح، ولذلك جعل التقرير هذا الأمر في قائمة توصياته، فنصّ على "أخذ العبرة من تجربة حركة فتح و م.ت.ف في الانفتاح على أوروبا، وما ترتب عليه من أثمان سياسية ووطنية باهظة، وبالتالي عدم التسرع في التعاطي مع الانفتاح الأوروبي".