تعليق صحفي

غزة بين بحرية اليهود الحاضرة وبحرية المسلمين الغائبة

سيطرت البحرية اليهودية على السفينة السويدية ماريان التابعة لأسطول الحرية-3، مع تأكيد سلطات الاحتلال أنها لن تسمح لسفن الأسطول بالوصول إلى قطاع غزة، وضمّت السفينة الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، وقد أخضعه اليهود للاستجواب، ثم رحّلوه. وجاءت هذه المحاولة بعد خمس سنوات على قافلة أسطول الحرية الأول الذي اعتدت عليه البحرية اليهودية في العام 2010، وقتلت حينها عشرة ناشطين أتراك كانوا على متن سفينة مرمرة.

إن مشاعر المسلمين العقدية تدفعهم للوقوف مع إخوتهم المحاصرين والمنكوبين في غزة، وهو أمر مشروع أقرّه الإسلام بل ودعا إليه في قول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان﴾. وهي أيضا مشاعر إنسانية عامة تحرّك الناس لإغاثة الملهوف وكسر الحصار المستمر على غزة. ولذلك فليس ثمة من غرابة في أن يفكّر الأفراد بالتعبير عن مشاعرهم في نصرة غزة.

ولكن الغرابة أن تمر السنون بعد العدوان اليهودي الغاشم على سفينة مرمرة، ثم لا يصدر عن الأنظمة في بلاد المسلمين أية ردود فعل غاضبة تعبر عن جوهر الأمة وعزتها، بل تسير تركيا نحو إعادة تطبيع علاقاتها مع الكيان اليهودي. وبعد تلك السنين لا يكون من تحرّك إلا اجترار الأسلوب السابق، والذي يريد فيه الحكام أن تتحول النصرة عن معناها الحقيقي والحصري، والمتمثل في تحريك الجيوش لرد العدوان وتحرير البلاد وخلع الاحتلال من جذوره إلى معنى سطحي يكتفي بالقشور والغزوات الإعلامية، لتسهم في ترقيع صورة الدول الغربية والعربية المتآمرة على فلسطين وقضيتها.

إن قضية فلسطين هي قضية عسكرية في الدرجة الأولى، وليست قضية إنسانية عامة لتحلّ بالضغط على الكيان اليهودي وفضحه، وهي ليست قضية قانونية تتابع بمجرد كشف جرائم الاحتلال اليهودي، فهو عدو يجاهر بالتحدي العسكري للأمة الإسلامية، ولا يفقه إلا لغة الجهاد.

ولا يمكن أن تتحول قضية فلسطين إلى مجرد فك الحصار اليهودي عن غزة، وخصوصا في ظل تصاعد الحديث الإعلامي عن "مشروع سياسي" لذلك الغرض تحت عنوان "الهدنة"، والتي تسعى مبادرة الوساطات الأوروبية لتحقيقها.

ومن زاوية أخرى، تعاظمت وقاحة الكيان اليهودي وزاد استئساده على الحكّام بأن اعتقل رئيساً عربياً سابقاً دون أن يرفّ لقادته جفن، وانعدمت ردود أفعال الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي، وكأن الأمر عادي جدا عندهم، وبذلك فإن اليهود يستمرّون في تجاوز "الخطوط الحمر" ويكسرون "المحرمات" السياسية، لكي تستمرئ الأمة أي عدوان وتطاول عليها من قبل اليهود.

ومن ثم انشغلت الحكومة التونسية في شحن العالم ضد الإرهاب، بعد العملية المشبوهة فيها قبل أيام، ومن ثم سخّرتها في المواجهة مع حزب التحرير الذي أقض مضجعها في كفاحه السياسي الفذ، وفي حملة "وينو البترول"، ولم تتجرأ الحكومة التونسية على أية ردة فعل على مستوى الحدث، ولو بالتلويح بالقوة العسكرية ضد هذا ‏الاعتداء السّافر على رئيسها السابق. لتثبت بذلك أن الأنظمة العربية كلها تفهم وتلزم قول الشاعر:

أسد علي في الحروب نعامة      فَتْخَاء تنفر من صفير الصافر