تعليق صحفي

تجذّر الانقلاب الأمريكي الأبيض في السعودية يؤكد حقيقة المؤامرات الغربية

تناقلت وسائل الإعلام خبر التغيرات المفصلية والحساسة التي حصلت في تشكيلة رجالات الحكم السعودي، منها تغيير ولي العهد ووزير الخارجية، وركزت فضائية العربية على سلاسة التحوّل وتقبله من قبل أهل السعودية والأمراء عبر بث مشاهد المبايعة، ونشرت في 30/4/2015 خبر "الملك سلمان يزور أخاه الأمير مقرن في قصره بالرياض".

وساهمت السي إن إن الأمريكية في تسهيل الأمر عبر خبرها في 30/4/2015 "بعد إعفائه من ولاية العهد... الأمير مقرن يبدد الشكوك حول انقسام داخل الأسرة الحاكمة ويتقدم المبايعين لولي العهد وولي ولي العهد" وتحدثت عن تقبيل ولي العهد الجديد ليد السابق.

إن الانقسام في العائلة الملكية السعودية هو حقيقة لا تبددها أخبار إعلامية ولا صورة مصطنعة، ولا مشاهد تقبيل أيدي الأمراء. وهو انقسام قائم على اختلاف الولاءات السياسية في "المؤسسات السيادية" السعودية، ما بين رجالات عريقة الولاء لبريطانيا، وأخرى تقدمت بإصرار نحو ترسيخ النفوذ الأمريكي في الحكم السعودي. وهو صراع قديم متجذر أُريقت فيه دماء العائلة المالكة عندما استُخدم فيه أسلوب الاغتيال كما حصل مع الملك فيصل.

ويصر كثير من المحللين السياسيين على تجاهل صراع رجالات الحكم في الأنظمة العربية المستبدة، ويحاولون تصوير السياسة العربية على أنها مستقلة عن القوى الاستعمارية، ومن ثم يحاولون تسخيف الحديث عن صراع الغرب على المصالح وتنافسه على الهيمنة على مقدرات الأمة الإسلامية ومستقبلها، عبر رفض ما يسمونه "نظرية المؤامرة".

والواقع يكشف كل يوم أن المؤامرة الغربية على المسلمين حقيقة لا مجرد نظرية، وهي الحالة الطبيعية بين المسلمين والمستعمرين، كما يشهد التاريخ، من بعد القرآن: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ.

وإن مستوى الولاء لجهة استعمارية ومدى تأثيرها في الحكم السعودي يعتمد على قوة رجالات الطرفين في مؤسستين عسكريتين حساستين هما وزارة الدفاع ووزارة الحرس الوطني، ومن المعلوم للمتابعين السياسيين أن جهتي الولاء هما على النحو التالي:

1) النفوذ الأمريكي متجذر في وزارة الدفاع، وقد ترسخ منذ تسلم الأمير سلطان بن عبد العزيز للوزارة، وكان قد خلفه سلمان بن عبد العزيز في المنصب حتى أصبح ملكًا، ومن ثم عين ابنه محمد بن سلمان.

2)النفوذ البريطاني متجذر في وزارة الحرس الوطني، وقد ترسخ منذ تسلم رئاسته الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز، وسلمه من بعده لابنه متعب بن عبد الله.

لقد حاول الملك السابق عبد الله قطع الطريق على تغيير ولاية العهد، وذلك عندما ابتدع تقليدًا جديدًا في السعودية بتعيين وليِّ وليِّ عهده (الأمير مقرن)، ولكن الملك الحالي نسف ما بناه الملك السابق، وأعاد الكرة للملعب الأمريكي، فأزاح الأمير مقرن (وهو معروف بعلاقاته البريطانية، وتخرج في جامعة "كرانويل" في بريطانيا).

ولذلك فإن ما جرى في السعودية هو انقلاب أبيض، لتصفية رجالات بريطانيا من الحكم السعودي للمرحلة الحالية، ولتعلو كفة أمريكا في السعودية بشكل بارز. ولا يتوقع أن يصمت رجالات بريطانيا على هذا "الانقلاب"، ومن المتوقع أن يمارسوا الدهاء السياسي (البريطاني) لاستعادة نوع من النفوذ.

ومن المؤسف المحزن أن تجد بين "العلماء" من يصطف مع الملوك المستبدين، فيبارك تحويل مفهوم البيعة القائمة على الرضا والاختيار إلى أسلوب الرضوخ المذل، وفي ذلك تحريف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً الجاهلية» [رواه مسلم].

ولا يمكن للأمة أن تتحرر إلا بخلع طرفي النفوذ الاستعماري، واستعادة سلطانها بأيديها، ولن يتم ذلك إلا بكفاح الأمة ضد أمريكا وبريطانيا وخلع رجالاتهم من سدة الحكم، وتوحد الأمة في دولة تجمعها ولا تقبل بأي ولاء خارجي في مؤسساتها.