بسم الله الرحمن الرحيم

قانون الضريبة الجديد ليس إلا هجمة في الحرب الشاملة التي تشنها السلطة

على فلسطين وأهلها، وسكوتهم سيجلب عليهم المزيد

 

وقع الرئيس عباس بتاريخ 26/9/2011 على قرار بقانون جديد لضريبة الدخل رقم (8) لسنة 2011. ومن أبرز ما في هذا القانون الجديد إخضاع القطاع الزراعي لضريبة الدخل، وإخضاع قطاعات كثيرة من الناس كانت معفاة من الضريبة، مثل دخل التقاعد ونهاية الخدمة، وأصبح على المرء أن يدفع ضريبة دخل مقابل سكن أقاربه وأولاده، بل سكنه هو في بيته، وتعتزم السلطة تطبيق القانون بأثر رجعي.

 

ويأتي هذا القانون ضمن سياسة ثابتة للسلطة تقوم على إخضاع  أهل فلسطين للحلول الاستسلامية بكل الوسائل والأساليب ومنها الضغط الاقتصادي، ونهب أموال الناس للإنفاق على المشروع الأمني الخادم لليهود، المسمى سلطة فلسطينية، ناهيك عن نهب رجالها الفاسدين للمال العام. فكل أنواع الجباية تضاعفت كضريبة الأملاك والرسوم المتعلقة بالبناء، وأصبحت أنواع التراخيص والرسوم والضرائب والغرامات لا تحصى، وهي في ازدياد.

 

إن سبب ما أسمته السلطة سياسة التقشف وقانون الضريبة الجديد ليس سبباً آنياً طارئاً، بل إنه جزء من تكوين السلطة واتفاقاتها مع اليهود، فالسلطة الفلسطينية قد اتفقت مع اليهود منذ نشأتها على حمل الأعباء المالية والاقتصادية عن الاحتلال، مع أن السلطة لا تسيطر على أي شيء ولا أي ثروات تنفق منها، فمن أين ستنفق إلا من جيوب الناس، مع العلم أن السلطة تنفق معظم ميزانيتها على الأجهزة الأمنية التي تحمي اليهود، وليس على بناء المستشفيات والمدارس ومصالح الناس.  

 

لقد أمعنت السلطة في طغيانها فاغتصبت أموال الناس بغير حق، وجعلت الغالبية العظمى  من معاملات الناس مربوطة بالجباية وبراءات الذمة، وأصبح على المرء أن يدفع عن نفسه وعن أبيه وأخيه وجده من "المستحقات" ما لا يحصى. لقد تفاقمت الأعباء الاقتصادية والمالية على أهل  فلسطين بسبب إجراءات السلطة ضدهم، فقد تضاعفت جباية الرسوم والضرائب أضعافاً مضاعفة، في كل شيء،  سواءٌ بحسب القانون (الظالم أصلاً) أو خارج القانون جباية قسرية، وأصبحت دائرة الضريبة والمالية هي الخصم والحكم والمنفذ، تستولي على أموال الناس بالباطل، وتجعلهم يدفعون الإتاوات عن طريق التهديد بمصادرتها، وابتزازهم من خلال تعطيل معاملاتهم ومصالحهم، وأصبح المواطن من أهل فلسطين يئن بين مطرقة اليهود وسندان السلطة، فالبضائع المستوردة مثلاً، تدفع ضرائب لليهود، والسلطة تستولي عليها عن طريق جهاز قطاع الطرق المسمى (الضابطة الجمركية) ثم تعيد "تخمينها" أي تعيد تقدير قيمتها وتجبر أصحابها على دفع مزيد من الضرائب والجمارك.

 

ولما أثار قانون الضريبة الجديد عاصفة من الغضب الشديد والغليان لدى أهل فلسطين، ونظمت المسيرات والاعتصامات احتجاجاً عليه، دعا رجل أمريكا تلميذ البنك الدولي سلام فياض إلى الحوار حول القانون ذراً للرماد في العيون، حيث إنه أفرغ هذا الحوار من مضمونه حين وضع له سقفاً زمنياً هو 15/2/2012، ما يعني أن الحوار شكلي، وأن السلطة تريد تنفيذ هذا القانون بغض النظر عن الحوار، ما لم يقف أهل فلسطين موقفاً صلباً في وجهها يتناسب مع الحرب التي تشنها السلطة عليهم في دينهم ودنياهم.

 

إن سياسات السلطة المالية والاقتصادية والقانون الجديد ستؤدي – إذا استمرت - إلى المزيد من رفع الأسعار والبطالة وانهيار القطاع الزراعي ليصبح أهله عمالاً عند اليهود وتتعرض أرضهم لخطر مصادرتها وتسريبها إلى اليهود، وستؤدي إلى إغلاق المشروعات وهجرة الشباب ورؤوس الأموال.

 

إن السلطة (ومن قبلها أمّها منظمة التحرير) هي كارثة حلت على أهل فلسطين، منذ نشأتها، من جميع النواحي، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فمن الناحية السياسية، ضيعت قضيتهم وسارت بها من هاوية إلى هاوية، وأذلتهم، وعملت ذراعاً أمنياً لليهود يلاحق مجاهديهم بالسجن والتعذيب والوشاية.

 

ومن الناحية الاجتماعية، تعمل السلطة بالتواطؤ مع كثير من المنظمات والهيئات الدولية والمحلية، على القضاء على مفاهيم الشرف والعفة والفضيلة، تحت شعارات حرية المرأة والطفل، فتبذل جهوداً كبيرة في إيجاد أجواء الاختلاط بين الأولاد والبنات والرجال والنساء، وفي إيجاد ثقافة العري ونشر الفاحشة والرذيلة، ومن ذلك مسابقات ملكة الجمال وكرة القدم النسائية وفرق الغناء والتمثيل، وابتعاث الفتيان والفتيات في سن حرجة للعيش بين الكفار والاندماج في نمط حياتهم. كما أنها تعمل بشكل محموم على سن قوانين تسميها "عصرية" مهمتها إعادة تشكيل العلاقة بين الرجل والمرأة حسب النموذج الغربي الذي يناقض الإسلام ويتسم بالتفكك والانحلال والدياثة.

 

وفي المجال الثقافي وضعت المناهج الفلسطينية على أساس إيجاد الشخصية العلمانية لدى أبناء المسلمين، وفصلهم الدين عن الحياة، والقضاء على هويتهم الإسلامية، وعلى إيجاد عقلية التعايش مع الاحتلال اليهودي ونسيان فلسطين الحقيقية، بإيهامهم أن  فلسطين هي ما يعرف بمناطق 67،  والخلط بين المفاهيم بحيث يُصوَّر الإسلام أنه مجرد دين كباقي الأديان، وأن كل الأديان سواء.

 

إن الإسلام يحرم أكل أموال الناس بالباطل، ويحرم المكوس والضرائب الدائمية، قال عليه السلام (لا يدخل الجنة صاحب مكس) مسند أحمد، وجاء في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم، قال في الغامدية التي زنت فرُجمت (...فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ)، كناية عن حرمة الضرائب والمكوس وعِظَم جريمة من يأخذها من أموال الناس.

 

أيها المسلمون يا أهل فلسطين، إن عليكم أن تنكروا منكرات السلطة كلها، ليس فقط ما يمس أموالكم، بل ما يمس دينكم، ودين أبنائكم ونسائكم، وما يضيع قضية أرضكم المقدسة فلسطين، فلا تسكتوا على منكرات السلطة، وإن لكم فيما حصل في البلدان العربية لعبرة، كيف أن الشعب إذا أصر على حقوقه وكرامته نالها، وأنف حاكمه راغم، بل وهو من الغابرين، واعلموا أنها والكفار من ورائها في كل مرة يجسون نبضكم فإن وجدوا منكم سكوتاً وإغضاءً، ازدادوا ظلماً لكم واستخفافاً بكم، وازداد هجومهم ضراوة على دينكم ومعتقدكم وطريقة عيشكم.

 

أيها المسلمون، يا أهل فلسطين، إن حكام المسلمين وأشباههم في السلطة الفلسطينية، لا يريدون للإسلام ولا المسلمين خيراً، وهم يمثلون مصالح الدولة الكافرة المستعمرة ودولة اليهود، وإن الأمة ستحاسبهم حساباً عسيراً كلاً عندما تحين ساعته، وإنه لا خير ولا نجاة لكم إلا بالاعتصام بحبل الله المتين، والعيش في ظل الإسلام الحنيف، ولن يكون هذا إلا في ظل الخلافة الراشدة التي توحد المسلمين وتطبق شرع رب العالمين، وتنتقم من الخونة والمجرمين، فكونوا لها من العاملين.

 

(وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)

 

18 ربيع الأول، 1433،                                                                                                    حزب التحرير

الموافق 10‏/02‏/2012                                                                                                        فلسطين                    

 

 

{jacomment on}