بسم الله الرحمن الرحيم

الظلم ظلمات يوم القيامة

إن ما يسمى بمشكلة البدون سببها إهمال الحكام. فوجودهم في الكويت ليس شيئاً غريباً ولا شاذاً، وحين بدأ التسجيل للجنسية في أواخر عقد الخمسين من القرن الماضي أهمل الحكام تسجيلهم ولم يهتم أحد لمن لم يسجل. وتم استغلال عدم تدوين أسمائهم في استخدامهم أفراداً في السلك العسكري. واستمر هذا الوضع فترة طويلة من الزمن، فتضخم عدد غير المسجلين وتفاقمت المشكلة وتشعبت، دون أن يكون للناس يدٌ فيها، بل السبب هو فساد وإهمال الدولة. إلى أن جاء منتصف عقد الثمانين من القرن الماضي وتغيرت الظروف الاقتصادية -ارتفاع أسعار النفط-، كما تغيرت الظروف السياسية -الثورة الإيرانية والحرب العراقية الإيرانية-، عندها قرر الحكام التخلص من فئة البدون، إلا أنهم اصطدموا بحجم المشكلة الحقيقي، ولم يستطيعوا فعل أي شيء سوى التضييق عليهم في أرزاقهم. وظلت المشكلة تراوح مكانها والظروف السياسية تتغير، إلى يومنا هذا.

إن ما يسمى محلياً بالبدون أو ما تطلق عليه الدولة -فئة المقيمين بصورة غير قانونية-، أو دولياً -عديمي الجنسية- مصطلح غير شرعي لا يعرفه المسلمون منذ أن أقام الرسول صلى الله عليه وسلم الدولة الإسلامية قبل أربعة عشر قرناً، فكل من استوطن بلاد المسلمين -مسلماً كان أو غير مسلم- هو من رعايا الدولة ويحمل تابعيتها ( وهي الدار التي رضيها مقاماً له )، وكل من استوطن خارج بلاد المسلمين مسلماً كان أو غير مسلم لا يستحق رعاية الدولة ولا يحمل تابعيتها، فلا يوجد لدينا في الإسلام ما يسمى بالبدون. ولرعايا الدولة حقوق تتمثل بضمان إشباع حاجاتهم الأساسية وهي المأكل والملبس والمسكن فرداً فرداً إشباعاً كلياً، والتمكين من إشباع حاجاتهم الكمالية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. وعلى الدولة توفير الخدمات الأساسية للأمة وهي: الأمن، والتطبيب، والتعليم لجميع رعاياها، هذه هي حقوق رعايا الدولة شرعاً. وإشباع الحاجات الأساسية إما أن تؤديه الدولة بشكل غير مباشر عن طريق توفير العمل وإقطاع الأراضي ودعم الزراعة والصناعة وتيسير التجارة، أو تؤديه بشكل مباشر لمن لا يستطيع العمل ولا يوجد من تجب عليه نفقته، عن طريق صرف الأعطيات وتوزيع المساكن.

والاعتقاد بأن إعطاء البدون حقوقهم بجعلهم من رعايا الدولة يسبب التزاحم على الرزق، هذا اعتقادٌ باطل شرعاً وظنٌّ بالله السوءَ، قال سبحانه وتعالى :  ( وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ) (الذاريات: 22). وقد كفل الله لكل نفس أن تستوفي رزقها وأجلها. فلا يجوز أن نظن أن رفع الظلم عن البدون بإعطائهم الحقوق التي شرعها الله لهم فيه تضييق لأرزاقنا أو غير ذلك من الظنون التي تدل على ضعف الثقة بالله، وسوء الظن به، قال سبحانه وتعالى ( قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ) (سورة الإسراء: 100).

فيا أيها المسلمون،

لقد حرم اللهُ الظلمَ على نفسه، وجعله حراماً بين الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  فيما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى: «إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا» (رواه مسلم)؛ وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إن الظلم ظلمات يوم القيامة» (متفق عليه)، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ظلم الإنسان في نفسه أو في ماله، فلا يظلم مسلم مسلماً أبداً. ومن الظلم أن تُحْرَم فئة من المسلمين تستوطن بلداً من بلاد المسلمين من الحقوق الشرعية تحت ذرائع واهية لا تمت إلى الإسلام بصلة. فكل من استوطن في الدولة استحق التابعية مسلماً كان أم غير مسلم. وإن من أوجب الواجبات على الدولة المساواة بين رعاياها في جميع حقوقهم الرعوية، سواء كانوا مسلمين أم ذميين. فلا يجوز أن يحصل أي تمييز في الرعاية قال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (الحجرات: 13).

ويا أيها المسلمون،

إنه لا حياة كريمةً لكم إلاّ بالإسلام، ولن تُرفع التفرقة والشحناء عنكم إلا بتطبيق شرع الله، فقد جربتم الديمقراطية والرأسمالية والقومية والوطنية، وحالُ الناس في تشرذم وتفرُّقٍ بكل نواحي الحياة، فارفعوا راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعملوا مع حزب التحرير لإقامة شرع الله عن طريق دولة الخـلافة الإسلامية الراشدة التي وحدها فيها خلاصكم، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

08 من جمادى الأولى 1433

الموافق 2012/03/31م

حزب التحرير

ولاية الكويت

للمزيد من التفاصيل