بسم الله الرحمن الرحيم

الخلافة وحدة.. والديمقراطية فرقة

إن ما أفرزته الانتخابات من استقطابات قبلية قبلية، وبدوية حضرية، وسنية شيعية، وإسلامية ليبرالية، ومعارضة وموالاة، لَهِي خير دليل على أن الديمقراطية مزقت المجتمع وجعلته شذر مذر، وأشاعت فيه روح العداوة والبغضاء بين الناس. لأن الديمقراطية تقطع الصلة بالله وتقوي الصلة بالدنيا، مقياسها المنفعة، وغايتها التمتع بالدنيا، وبالديمقراطية تهيأت الظروف للارتباطات الخارجية والصراعات المصلحية، فثارت تحت ظل الديمقراطية النعرات الجاهلية، والعصبية المذهبية، والحزازات العائلية والصراعات المصلحية.

نحن أمام منعطف خطير، فإن أميركا اتخذت التفرقة بين الشعوب خطة لزيادة هيمنتها واستمرارها. والدليل هو ما فعلته أميركا وتفعله في العراق والسودان وباكستان ومصر من تفرقة على أُسس عرقية ومذهبية وطائفية وإقليمية وقبلية وكل عامل يصلح للتفرقة بين شعوب المسلمين. واستخدمت أميركا الديمقراطية أسلوباً لتفريق الناس فكرياً ومشاعرياً بحجة حرية الرأي وغيرها. وسلّطت علينا المنظمات الحقوقية بحجة مراقبة حقوق الإنسان والأقليات. مما أدى إلى هذا التفرق والتمزق في المجتمع. وما وصل إليه المجتمع الكويتي من شحْنٍ قبلي ومذهبي ومناطقي ومصلحي ليس بعيداً عن هذا المخطط. وانشغل الناس بهذا الشحن عن قضايا أساسية مثل الوجود العسكري الأميركي في البلد، وعن النفط المنهوب وعن الأرصدة الخارجية المسلوبة.

إن توحد الأفكار والمشاعر حول المصلحة هو الذي يوجد العلاقات الدائمية بين الناس ويوجد الاتفاق حول النظام الذي يعالج المشاكل بين الناس في المجتمع، وأخطر ما يهدد العلاقات الدائمية بين الناس في المجتمع هو التفرق حول المصلحة فكرياً ومشاعرياً. فمثلاً الأصل أن تتوحد الأفكار والمشاعر حول حرمة الخمر وحرمة الربا ووجوب الملكية العامة للنفط. ولذلك حتى أميركا أو بريطانيا أو فرنسا لا تسمح بالتفرق الفكري والمشاعري في المجتمع حول المصلحة، وإن كان ذلك تحت مبرر حرية الرأي والديمقراطية. فقد حاربت أميركا الأفكار الشيوعية عندها إبان الحرب الباردة، وسنّت فرنسا قوانين تمنع النقاب على أساس مخالفته طبيعة المجتمع العلماني، كما تدعي، ولم تنفك بريطانيا تعالج قضية اندماج الأقليات الإسلامية وغيرها التي لا تنسجم مع مجتمعها، للحفاظ على نسيجها الاجتماعي، كما تزعم.

أيها المسلمون:

إن الإسلام جمع العرب المتناحرين ثم العرب والعجم ثم العجم والعجم، وصهرهم في بوتقة واحدة، فصنع منهم أمة سادت الدنيا لأكثر من ألف عام. لأن الإسلام حقٌّ يوافق فطرة الإنسان بصفته إنساناً، غاية المؤمن فيه نيل رضوان الله ومقياسه الحلال والحرام. كما وحد الناس فكرياً ومشاعرياً حول مصالحهم، فجعل الناس أخوة يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، وكل مسلم يعرف حرمة أخيه فلا يقربها، وكل مسلم يعرف حق أخيه فلا يظلمه، قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (الأنفال63). وأوجب الإسلام وجود الخليفة الذي يطبق كتاب الله وسنة نبيّه، يسهر على مصالح الناس ويحفظ حقوقهم، ويردع كل متجاوز لحدود الله، قال خليفة رسول الله رضي الله عنه «والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله». فينعم الناس بكتاب الله، وينصلح ما بينهم، وتهدأ نفوسهم، وتطمئن قلوبهم، ويصلح أمر دنياهم وآخرتهم.

أما الديمقراطية التي تجعل التشريع للبشر، فيحللون ويحرمون بدلاً من رب البشر، فنظامٌ غربيٌ فرضه الكافر على المسلمين، بديلاً عن الإسلام منذ أن هدم الخلافة. وذلك النظام الغربي فاسدٌ وفاشل: فاسد لأنه يفسد العلاقات بين الناس، وفاشل لأنه فشل في معالجة مشاكل الإنسان. فكيف نتمسك بما يفرقنا -الديمقراطية- ونترك ما يجمعنا؛ كتاب الله وهو بين ظهرانينا نعتقده ونتعبد به؟! وكيف نتمسك بما هو فاسد وفاشل ونترك ما هو رحمة للعالمين وفيه صلاح الدنيا، ونحن نستغيث الله وندعوه لصلاح أمرنا ليل نهار؟

أيها المسلمون:

رغم أن الأمر خطير يهدد المجتمع ككل فإننا لا نجد لحكام الكويت موقفاً جاداً لمعالجة هذا الأمر، إما عجزاً أو سوء رعاية أو الاثنين معاً، فالحاكم في الإسلام راع وهو مسؤول عن رعيته. إن كنتم تريدون الصلاح لأنفسكم وأبنائكم ولحاضركم ومستقبلكم ولدنياكم وآخرتكم فليس لكم سوى كتاب الله سبيلاً وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم هدياً، وهذا لا يتأتى إلا بإقامة الخلافة الراشدة، حيث الخليفة الذي يحكم بما أنزل الله وليس ما سنَّه البشر، ويسهر على رعاية المسلمين وليس على رعاية مصالحه، ويحمي مصالح المسلمين وليس مصالح الكفار.

قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. (النور: 51)

18 من ربيع الاول 1433

الموافق 2012/02/10م

حزب التحرير

ولاية الكويت

للمزيد من التفاصيل