بسم الله الرحمن الرحيم

                                                               

 أجوبة الاستفسارات التي وردت حول جواب السؤال عن مرض كورونا

 إلى أصحاب التساؤلات حول جواب السؤال عن مرض كورونا... هذه أجوبة تساؤلاتكم:

 1- بالنسبة للفرق بين الوباء والطاعون أو بين الكورونا والطاعون، فلا فرق من حيث العدوى، فالطاعون والكورونا مرضان فيهما إمكانية العدوى كما خلقهما الله القوي العزيز، بغض النظر عن كون المرض يُنقل بالبكتيريا أو الفيروس، فمن حيث إمكانية العدوى فهي موجودة، فلذلك لا يختلف الحكم من حيث إمكانية العدوى... وهو ما سُّلط الجواب عليه.

 2- بالنسبة إلى التساؤل حول ما جاء في الجواب من عدم تصنيع البشر للكورونا المرض الحالي، والقول بأن هذا يعتمد على تقارير غربية فلا يجب أن يُركن إليها... فليس هذا الأمر دقيقاً، لأن النواحي العلمية يمكن أخذها من أي جهة إذا حصلت الطمأنينة برجحان صحتها، ولذلك لا شيء في الاعتماد على تقارير غربية حول عدم تصنيع البشر للكورونا التي نقلت المرض، بل هي موجودة بصورة طبيعية دون تصنيعها من البشر كما ورد في الجواب حيث رجحنا الوجود الطبيعي على القول بأن البشر صنعوها لأهداف لديهم... خاصة وأن المرض منتشر في الدول المتهمة بذلك مثل الصين وأمريكا... وقد ذكرنا في جواب السؤال ما يلي: [- وهكذا اندلعت حرب كلامية بين أمريكا والصين بسبب تفشي الفيروس التاجي Covid19 (SARS-CoV2)... وكل من الدولتين تكيل التهم للأخرى بأنها هي العامل المباشر في انتشار هذا الداء، ومع أن كلا النظامين المطبقين في الصين والولايات المتحدة لا يُستبعد عنهما أن يكونا وراء نشره إلا أنه بعد البحث يترجح عدم وجود دليل ملموس على أن الولايات المتحدة أو الصين، هي من نقلت الفيروس أو صنَّعته ثم شرعت في نقله إلى دول أخرى...] وهذا مفصل في جواب السؤال وهو منشور في الصفحة ويمكن الرجوع إليه.

 3- إن صلاة الجمعة تكون في المسجد وبعض الفقهاء يجيز كونها في الفضاء العام، أي في مكان عام لا يمُنع المصلي من دخوله، وأما في المكان الخاص "البيوت" فالأرجح أن لا تقام الجمعة ولا تصح، وإن لم يكن المسجد أو الفضاء ميسوراً فتؤدى في البيوت ظهراً أربع ركعات، وتأثم الدولة إن منعت صلاتها في المساجد أو في الفضاء العام، وذلك لأن النصوص تفيد هذا الأمر، ويفهم هذا من قوله سبحانه ﴿يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ فيسعى المسلم للصلاة دون أن يُمنع ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾، فالسعي لها فرض لأنه اقترن بترك المباح... أي لا تكون الصلاة في مكان خاص كالبيوت، حيث جواز المنع... ولهذا ورد في الجواب أن إقفال الحكام المساجد ومنع الصلاة فيها هو أمر لا يجوز وفيه إثم كبير لهؤلاء الحكام. وعليه فإذا منع الحكام أداء صلاة الجمعة في المسجد، ولم يكن هناك مكان متاح للصلاة إلا البيوت، فتصلى في البيت ظهراً أربع ركعات، وتأثم الدولة التي تقفل المساجد إثماً كبيراً كما ذكرنا في الجواب.

 4- أما السؤال: (إذن تسقط صلاة الجمعة والجماعة اليوم بسبب الخوف من بطش الحكام كما فهمت والله أعلم)... إن هذا يحتاج إلى تفصيل، فقد جاء في جوابنا: (ولا تجب على الخائف لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْهُ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الْعُذْرُ؟ قَالَ: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ» أخرجه البيهقي في السنن الكبرى... فإن الخوف كما جاء في المغني لابن قدامة 1/451: [(881) فَصْلٌ: وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِهِمَا الْخَائِفُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «الْعُذْرُ خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ» وَالْخَوْفُ، ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ؛ خَوْفٌ عَلَى النَّفْسِ، وَخَوْفٌ عَلَى الْمَالِ، وَخَوْفٌ عَلَى الْأَهْلِ. فَالْأَوَّلُ، أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ سُلْطَاناً يَأْخُذُهُ أَوْ عَدُوّاً... ونحو ذلك، مِمَّا يُؤْذِيهِ فِي نَفْسِهِ...) وكذلك جاء في (المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي): (... ومنها أن يخاف ضرراً في نفسه أو ماله أو مرضاً يشق معه القصد والدليل عليه ما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْهُ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الْعُذْرُ؟ قَالَ: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ»...) أي يعذر المسلم إذا كان مُلاحَقاً ظلماً بشخصه من سلطان ظالم، فإذا تيقن أو غلب على ظنه أن أعوان السلطان في الجامع ينتظرون قدومه للقبض عليه وإلحاق الأذى به، فهو معذور من أداء الجمعة في هذا المسجد وعليه أن يبحث عن جمعة في غيره، فإن تعذر بعد بذل الوسع فيصلي في مكان خاص الظهر أربعاً... فإن كان السائل قد فهم من جوابنا هذا الفهم فهو صحيح والله أعلم وأحكم.

 5- الحديث «لَا عَدْوَى...»، أخرجه البخاري، فهناك من يفسره بنفي العدوى... ولكن الأرجح أنه خبر في معنى الطلب، فإن كان المسلم مريضاً بمرض معدٍ أي فيه إمكانية العدوى كما خلقه الله سبحانه، فإن المسلم في هذه الحالة معذور عن الذهاب لصلاة الجمعة والجماعة خشية أن يعدي غيره من المصلين... وهو كذلك من الأعذار كما جاء في الحديث السابق «الْعُذْرُ خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ».

 6- حديث «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً» أخرجه البخاري، فهو بالنسبة للمسافر أو المريض أي المعذور عن صلاة الجماعة أو الجمعة، فهذا يصلي حسب ما يوجبه الشرع عليه، ويكون له أجر بإذن الله كما لو صلى صلاة المقيم أو الصحيح، ولذلك لا تنطبق هنا على صحيح الجسم أو المقيم الذي لا يذهب لصلاة الجمعة دون عذر.

 7- أما الاعتراض على قولنا أقل العدد في صلاة الجمعة ثلاثة وقوله عند الشافعي أربعون... فهذا بحث آخر ويضاف إليه أنها عند المالكية اثنا عشر... فليس هنا تعارض بل الموضوع متعلق بعدم غلق المساجد ليصلي فيها المسلم الجمعة والجماعة بالعدد الشرعي علماً أن هناك رأياً فقهياً صحيحاً أن الثلاثة يصلون الجمعة كما ذكرنا في الجواب.

 8- أما موضوع الأخذ بالأسباب فهو صحيح ولكن دون مخالفة للشرع، والأخذ بالأسباب هنا أن المريض لا يذهب لصلاة الجمعة والأصحاء يذهبون... فقد ذكرنا في الجواب ما يكفي لبيان عدم قفل المساجد ليتمكن الأصحاء من الصلاة وتُتخذ الإجراءات لعدم حضور المرضى بمرض مُعدٍ الصلاة، وهو بيِّن واضح... ولا يقال إن الأصحاء قد يكونون مرضى بالكورونا ولكن الأعراض غير ظاهرة، وإذن يمنع الجميع من المساجد، أي يمنع سكان الكرة الأرضية من المساجد...! فهذا كلام لا تقوم به حجة ولا حتى غلبة ظن!! بل المريض مرضاً معدياً يقيناً يمنع، ويلحق به من تتوفر فيه هذه بغلبة الظن، ويصلي الآخرون...

 9- أما قول السائل إن فيروس كورونا لا عمود فقري له، وكأنه يقصد مثل الإنسان، فنعم هو ليس كذلك... ولكن يبدو أن ترابط النتوءات في هذا المخلوق جعل المصدر الإنجليزي يطلق عليه (backbone) ومعناها الطبي بالعربية (العمود الفقري) لشبه هذا الترابط بترابط الفقرات في العمود الفقري عند الإنسان... وقد أبقيناها هكذا... ولم نكن نظن أنها ستكون موضعاً للتساؤل!

  10- بالنسبة لتغسيل الميت... فالحكم الشرعي هو كما يلي:

 أ- الراجح أن وجوب تغسيل الميت المسلم هو على الكفاية... ومن الأدلة على ذلك:

 -      يقول صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته ناقته: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» أخرجه البخاري عن ابن عباس.

 ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن غسَّلن ابنته: «اغْسِلْنَهَا وِتْراً ثَلَاثاً أَوْ خَمْساً» أخرجه مسلم عن أم عطية.

 - وواضح من الحديثين أن من قام بالغسل هم عدد من المسلمين فيهم الكفاية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم اكتفى بذلك... ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم داوم على هذا الحكم في كل ميت من المسلمين في حياته صلى الله عليه وسلم، ولم يستثن من تغسيل الميت إلا الشهيد في المعركة كما جاء في شهداء بدر وأحد... أي أن تغسيل الميت فرض على الكفاية.

 ب- وقد أخذ بهذا كثير من الفقهاء:

 - جاء في المبسوط للسرخسي (اعْلَمْ بِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ وَاجِبٌ وَهُوَ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتَّةُ حُقُوقٍ» وَفِي جُمْلَتِهِ أَنْ يُغَسِّلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَكِنْ إذَا قَامَ بِهِ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ).

- وقال الإمام الشافعي في الأم: (حق على الناس غسل الميت والصلاة عليه ودفنه "وهذا" لا يسع عامتهم، وإذا قام بذلك منهم من فيه كفاية أجزأ إن شاء الله تعالى).

 - وجاء في الشرح الكبير لابن قدامة: [(فصل في غسل الميت) (مسألة) (غسل الميت ودفنه وتكفينه والصلاة عليه فرض كفاية) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته راحلته «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» متفق عليه]

 ج- إذا تعذر تغسيل الميت لسبب من الأسباب كانعدام الماء أو يكون الميت قد احترق جسده، ولو غُسِّل بالماء لتفسخ... أو توفي بمرض معدٍ كالجذام والطاعون والكورونا وغيرها من الأمراض بحيث لو غُسِّل لربما انتقل المرض إلى مُغَسِّلِهِ... فإننا لا نريد التبني في ذلك بل يقلد المسلم الرأي الفقهي الراجح الذي يطمئن به، وأنقل لكم بعض الآراء الشرعية عند الفقهاء:

 - فالحنفية يرون أن من تعذَّر غسله بالماء إن كان بسبب انعدام الماء فإنه يُيَمَّم بالتراب، كما نص على ذلك في العناية: (16/261) فقال: (مَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ؛ لِعَدَمِ مَا يُغْسَلُ بِهِ فَيُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ)... وأما إن كان تعذر غسله بسبب تعذر مسه، فإنه يصب عليه الماء صبّاً، كما قال ذلك في مراقي الفلاح (224): (والمنتفخ الذي تعذر مسه يصب عليه الماء)...

 - ويرى المالكية أن من تعذر غسله بالماء لانعدامه يُمِّم... وإن كان التعذر بسبب قروح في جسده أو حروق أو جَرَبٍ أو جُدريٍّ؛ بحيث لو غُسِّل بالماء أدى إلى تزلعه وتفسخه، فإنه يصب عليه الماءُ صبّاً بالقدر الذي يحفظه من التفسخ والتزلع. فإن تَعذر صَبُّ الماء عليه يُمِّم... كما جاء في الشرح الكبير للشيخ أحمد الدردير على مختصر خليل...

 - أما الشافعية فيرون إن تعذر غسل الميت بأي سبب من الأسباب؛ كفقد الماء أو خشية اهتراء جسد من احترق، فإن الميت لا يغسل بل ييمم. بل إنهم نصوا على أنه إذا خيف على الغاسل من غسل الميت ضرر فإنه يُيَمَّم وجوباً. قال النووي رحمه الله في المجموع: (إذَا تَعَذَّرَ غُسْلُ الْمَيِّتِ لِفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ احْتَرَقَ بِحَيْثُ لَوْ غُسِّلَ لَتَهَرَّى لَمْ يُغَسَّلْ بَلْ يُيَمَّمُ وَهَذَا التَّيَمُّمُ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ فَوَجَبَ الِانْتِقَالُ فِيهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الماء إلى التيمم كغسل الجنابة وَلَوْ كَانَ مَلْدُوغاً بِحَيْثُ لَوْ غُسِّلَ لَتَهَرَّى أَوْ خِيفَ عَلَى الْغَاسِلِ يُمِّمَ...)

 - أما الحنابلةُ فلهم روايتان الأولى: (عند تعذر غسل الميت مع الدَّلك لمانع صُبَّ عليه الماء صَبّاً من غير دَلْكٍ، وإلا انتقل إلى التَّيمم...)

 وفي الرواية الأخرى (أن من تعذر غسله فإنه لا ييمم ويصلى عليه من غير غسل ولا تيمم، بناء على أن المقصود من الغسل هو التنظيف، وهو لا يتحقق بالتيمم.)

 - وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي في شرح عمدة الفقه: (ومن بـه مرض معـدٍ يضر، هذا بالنسبة للضرر على الميت، وقد يضر بالحي المغسِّل، كأن يكون به مرض معدٍ يعني بالاستقراء وشهادة أهل الخبرة أنه لو تولى أحد تغسيله يستضر فحينئذ ييممّ...).

 وكما ترى فهنا رأيان: إذا تعذر تغسيل الميت يُيَمم ويُصلى عليه ويُدفن... أو إذا تعذر تغسيل الميت فلا يُيمم بل يُصلى عليه ويُدفن... وكما قلنا في بداية الجواب أن على المسلم أن يقلد الرأي الذي يطمئن بصحته.

 11- أما أننا لا نتبنى في العقائد والعبادات فهذا صحيح إلا في العقيدة الأساسية والعبادات المتعلقة بوحدة الأمة مثل الصيام والعيد عند رؤية الهلال في أي بلد، وكذلك هنا بالنسبة لغلق المساجد فالواجب أن تبقى مفتوحة في الأوقات المطلوبة كما بينا في الجواب.

للمزيد من التفاصيل