الاختيار ما بين قطر وبين مصر كالاختيار ما بين الرمضاء والنار

حسن المدهون*

عن الراية

رغم حالة التضييق الكبير التي يعيشها قطاع غزة بفعل ضغوط سلطة رام الله على أهل القطاع بهدف التأثير على سلطة حماس المسيطرة على القطاع، إلا أن الوفد الذي استقبلته مصر ومكث فيها ما يقارب التسعة أيام قد عاد دون أن يعلن عما دار هناك وعن المباحثات مع المخابرات المصرية وهي الطرف المكلف بالتعامل مع الحركات الفلسطينية، سوى ما ورد في تصريحات لمقربين من حماس ودحلان عن لقاءات عقدت في القاهرة ما بين وفد حماس ودحلان والمقربين منه، وعن وعود كثيرة وتطمينات تلقاها وفد حماس من دحلان والمخابرات المصرية، خاصة في ملف الكهرباء التي باتت مقلصة إلى ما دون الأربع ساعات كل اثنتي عشرة ساعة.

لكن فهم مغزى هذه الزيارة لا يمكن أن يعزل عن شواهد عدة حول سببها الحقيقي، في ظل أزمة الخليج المفتعلة تجاه قطر والتي تهدف إلى تقليص نفوذها البريطاني بحكم عمالتها وتأثيرها على مشاريع أمريكا في كل من فلسطين واليمن وليبيا.

فقبيل اندلاع أزمة الخليج بأيام، زار المبعوث القطري محمد العمادي قطاع غزة وأعلن أن الأوضاع في القطاع ستتجه نحو الأسوأ... في مقابل إعلان قيادات إيرانية عن تقديمها التهئنة لحركة حماس بعد انتخاباتها الأخيرة، بل لقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في 30/5 خبرا مفاده عودة الدعم الإيراني لحركة حماس.

وهذا الأمر ليس ببعيد عما نشر بشكل مقتضب حول الطلب من حركة حماس التخلي عن العلاقة مع قطر لصالح التقارب مع مصر وبالتأكيد إيران، أي التعامل مع عملاء أمريكا في المنطقة بدون مناكفات وتخريب من عملاء الإنجليز كقطر.

والأمر المثير في هذه النقطة، هو الطريقة التي أخرجت بها نتائج انتخابات حركة حماس، فمع إعلان انتخاب أسير محرر له تاريخه في تأسيس الجهاز العسكري للحركة كقائد للمكتب السياسي على مستوى قطاع غزة، وتعريف مهمته الجديدة بأنها ستكون لاستعادة وتحسين العلاقات مع مصر وإيران، ثم تنكّب النظام المصري عن فتح معبر رفح لخروج إسماعيل هنية إلى قطر لإجراء جلسة الاقتراع الأخيرة وإعلان اسم رئيس المكتب السياسي للحركة، ثم وكردٍّ على منع النظام المصري خروج هنية عبر مصر، جاء إعلان انتخابه كرئيس للمكتب السياسي للحركة بشكل مفاجئ عبر إعلان خالد مشعل على شاشة الجزيرة من قطر، وكأن في هذا ردا على تصرف مصر بعدم فتح معبر رفح إلا باتجاه واحد لعودة العالقين في مصر إلى قطاع غزة، وهو ما يعني أن الحجج الأمنية تجاه عدم فتح المعبر لا مكان لها في ذلك الحدث، وأن سبب الإغلاق أتى لمنع هنية من التوجه لقطر والإقامة فيها... مع العلم أن دخول النفوذ القطري لغزة تحت مظلة المشاريع الإنسانية والدعم قد حدث في السنوات الماضية عندما كان إسماعيل هنية رئيسا لوزراء حكومة سلطة غزة، إضافة لإقامة خالد مشعل في قطر.

بل وكانت المفاجأة الكبرى في استقبال مصر لقائد الحركة الجديد على مستوى القطاع وعدد من مساعديه ومكوثهم في مصر لمدة تسعة أيام، بينما بقي هنية مقيما في قطاع غزة! فإذا ما أضفنا إلى كل ذلك حركة التعيينات التي يشهدها قطاع غزة في الآونة الأخيرة لمناصب مختلفة في سلطة حماس، وكلها تشير بسيطرة عناصر وقيادات مقربة من الجهاز العسكري للحركة... من كل ذلك فإنه يمكن قراءة المشهد بأن الأنظمة المحسوبة على أمريكا كمصر وإيران تحاول  زيادة قوة الأطراف التي يمكن استغلالها مقابل إقصاء التيارات التي تؤيد قطر داخل حماس، ومن ثم ارتباط هذه التيارات مع بريطانيا. وهذا يعني أن هناك محاولات لافتة للنظر من أمريكا وعملائها لفك ارتباط حماس بقطر أداة بريطانيا الفاعلة في المنطقة، وجذبها أي حماس نحو مصر أداة أمريكا، ومع أنه ليس من السهل فك ارتباط حماس بقطر لأن هذا الارتباط قد تجذَّر، ثم إن قادة حماس الأكثر فاعلية هم في قطر، ولا شك أن مصر تدرك ذلك إلا أنها تريد خلخلة هذا الارتباط أو إضعافه على الأقل هذا إن استطاعت... ولا تعني محاولات مصر هذه أنها ستبتعد عن الأداة الطيعة، سلطة عباس، بل ستبقى على الخط نفسه...

أما مواقف السلطة المتبرمة والمتوعدة لحركة حماس بزيادة الضغوط عليها في الأيام المقبلة فهي لا تعدو تعبيرا عن الانزعاج مما يقال عن اتفاق بين دحلان وحماس برعاية المخابرات المصرية وعن حل بعض المشكلات كمشكلة الكهرباء، وإظهار أن هذا الأمر قد يؤدي إلى فصل قطاع غزة واستقلاله عن سلطة عباس، إلا أن كل هذا لن يؤثر في التأثير الأمريكي على قضية فلسطين، طالما بقيت مصر التابعة لأمريكا ممسكة بهذا الملف، لذلك وبعد انزعاج السلطة وعدد من قادتها من تصرف مصر أعلن الناطق باسم الرئاسة في مصر عن أن الممثل الشرعي الذي تتعامل معه مصر هو السلطة الفلسطينية، وعلى كل الأحوال فإن التوجه إلى دحلان أو عباس يعني التوجه في نهاية المطاف إلى خطين يلتقيان عند سياسات أمريكا ولا يخرجان عنها.

إن مشكلة حركة حماس والتنظيمات الإسلامية المسلحة كلها، هي أنها تعمل في ظل ظروف سوداوية تحيط بها الأنظمة العميلة إما لأمريكا وإما لبريطانيا، دون وجود الحاضن الحقيقي للأمة الإسلامية وهو دولة الخلافة على منهاج النبوة.

فتلك التنظيمات المسلحة بحاجة ماسة لملايين الدولارات لتمويل أعمالها ونشاطاتها، شأنها شأن كل عمل عسكري يستلزم مضخات كبرى من المال، ولا يمكن توفير هذه الأموال إلا من خلال دول، والدول في المنطقة كلها عميلة مرتبطة بالغرب الكافر.

هذا فضلا عن استمرار إعطاء مبرر لخذلان وخيانة تلك الأنظمة بعدم تحريك جيوشها، وإعطائها صفات لا تستحقها من مثل نظام مقاومة وممانعة كإيران، أو الوسيط كما هي حال النظام المصري، بينما كلهم متآمرون على الأمة وعلى فلسطين والأقصى.

إنه لحري بكل حركة إسلامية أن لا تركن للظالمين فعاقبة هذا الركون كارثية في الدنيا والآخرة، ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾.

 

* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين