الاعلام المأجور بات افتراضيا والدعوة تفرض إعلامها الحقيقي 2

ملامح وسمات الهجمة الاعلامية على مشروع الخلافة العظيم

د. مصعب أبو عرقوب

عضو المكتب الإعلامي في الأرض المباركة - فلسطين

 

يأتي العمل في المجال الإعلامي وأساليبه المتنوعة في أعلى قائمة العمل الذي يجب ان يبذل فيه الوسع حتى نبرأ الى الله فيلقى الله محبة الدعوة وأهلها في قلوب العباد ونكون بذلك قد انتصرنا في معركة العقول والقلوب التي تدور رحاها الآن على ارض الاسلام بل في العالم اجمع بين أهل الحق وأهل الباطل الذين يتقدم صفوفهم السحرة من الاعلاميين والفضائيات والمواقع الاخبارية ومحطات التلفزة والصحافة المكتوبة و التي تبث سمومها ليل نهار في محاولة لإيقاف ذلك التقدم للإسلام وأهله في معركة لا تهدأ.

معركة يحارب الباطل فيها في آخر حصونه ويرتجل أساليب إعلامية جديدة أمام الحق المتقدم ويتخلى عن أساليبه القديمة وبعض محظوراته الاعلامية التي كان رأسها -كما اسلفنا في الجزء الاول من المقال-  عدم ذكر لفظة الخلافة لما فيها من معاني تذكر المسلمين بتاريخهم وأمجادهم وتحفزهم على اعادتها ، ومع تسارع المعركة وتحت ضغط الواقع الجديد الذي ترسمه الامة في ميادين التحرير وعلى راس ذلك التحرك ثورة الشام المباركة تبرز سمات عامة للهجمة الإعلامية ...باتت تتشكل على عجل وبسرعة لتصبغ الاعلام المعادي لثورة الأمة بصبغة واحدة تكاد لا تتعداها ، فعلى اختلاف عمالة الوسائل الإعلامية  وتوجهاتهم السياسية إلا أنهم يتفقون على حرب الاسلام وأهله ضمن سياسة بات ملامحها تتضح وتضيق لكثرة الخيارات و الأساليب التي تم حرقها واستهلكت وأصبحت غير فعالة أمام مشاهد تحرر من سطوة الأعلام الرسمي وشبه الرسمي في ظل وجود "الإعلام الاجتماعي" ممثلا بمواقع التواصل الاجتماعي.

ملامح وسمات للهجمة الإعلامية لا بد للدعاة والإعلاميين منهم خاصة أن يتنبهوا لها ويولوها  أهمية خاصة حتى يُرد كيد سحرة الأنظمة  إلى نحورهم بإذن الله ، ومن السمات العامة للهجمة الإعلامية على الأمة التالي:

1.            صياغة الاخبار والمسميات والألفاظ لتعطي دلالات تخدم مصالح الكفار المستعمرين.

2.            التعتيم الاعلامي على ما يخدم مشروع الامة الخلافة ،والعمل على نشر ما يخدم مصالحهم دون اي اعتبار للمهنية الصحفية.

3.            كثافة انتاج المواد الاعلامية الممولة جيدا والجيدة تقنيا والجذابة فنيا

.

-1 صياغة الاخبار والمسميات والألفاظ لتعطي دلالات تخدم مصالح الكفار المستعمرين

:

تتم صياغة مفردات الأخبار بعناية فائقة لتخدم مصلحة الجهة الممولة للوسيلة الاعلامية وتكون منحازة دائمة وبفظاظة -في هذه المرحلة من المعركة- للمالك وتخدم أهدافه ومصالحه في بلادنا ، ولكل وسيلة اعلامية قاموسها الخاص الذي يشكل كتابها المقدس الذي يحفظه العاملون في تلك الوسيلة عن ظهر قلب ولا يستخدمون غير مفرداته.

مفردات تشن حربا فكرية في كل حرف من حروفها على الأمة الإسلامية ، فالفضائيات تسمي  كيان يهود " الجانب الإسرائيلي " وفي ذلك إقرار بأحقية وجود كيان يهود وتسليمٌ بحل الدولتين الذي تطرحه عدوة المسلمين أمريكيا الكافرة المستعمرة لبلاد المسلمين ، وتطلق بعض الفضائيات لفظة " المعارضة " على ثوار الأمة في الشام لتضفي نوعا من الشرعية على المعارضة العميلة للغرب المصنعة على عجل في سفارات الغرب الكافر لاستبدال عميلهم بشار المجرم بآخر ، وللدلالة على الحرب المعلنة على مفردات الأمة و مصطلحاتها وخطورة ذلك على الأمة ، وتحسس أعداء الفكر الإسلامي من تلك المفردات وتوصياتهم بعدم استعمالها نورد جزء من مقالة للكاتب مراد بطل الشيشاني تحت عنوان "في مفهوم الحكم الرشيد" يقول الكاتب فيه :"    الأساس الذي يقوم عليه مفهوم الحكم الرشيد هو عملية نزع "القداسة" عن السلطة ونقلها للمجتمع والأفراد، وهو مفهوم حديث النشأة........وما زال المفهوم غير متفق على تعريفه، وهو مبرر استخدامنا للفظ الأجنبي في العنوان، ويواجه مشكلة في ترجمته، فيترجم أحياناً الى "الحاكمية"، كما تفعل الأمم المتحدة في وثائقها، إلا أن مفهوم الحاكمية ارتبط بمفهوم "الحاكمية لله" والذي نظر له "سيد قطب"، وعليه فهو محمل بصبغة ايديولوجية ولا يعبر عن مفهومgovernance ويترجم أيضاً الى مفهوم "الحكم" "الذي ينطوي على قدر عال من التجريد الذي قد لا يصلح ترجمة للمفهوم"، وفقاً لـ"سلوى شعراوي جمعه"،ولذا قد يكون تعبير "الحكم الرشيد" الأنسب لترجمة المفهوم".

"لجنة المشاركة السياسية بالمجلس القومي للمرأة" إبان حكم المخلوع مبارك واحد كوادر حزبه المنحل ومروجي سياسته والمصفقين لها!!.

 

وعند  الرجوع إلى موقع الأمم المتحدة على الانترنت وتصفح بعض وثائقها الحديثة لا تجد أي اثر لمصطلح الحاكمية ويستبدل بمصطلح آخر " الحكم الرشيد أو الحوكمة " ، وهذا دليل على أن تلك التوصية قد اخذ بها وان كلمة "حاكمية" قد حَكمت عليها الأمم المتحدة والغرب بالإعدام ولا يتم تداولها لأنها "ترتبط بمفهوم الحاكمية لله ومحملة بصبغة ايديولويجية بحسب المقال والكاتبة سلوى شعراوي!!.

وهذا مثال صارخ مما أمكن توثيقه على محاربة المفردات والاصطلاحات والتسميات التي تُشعر الأمة بخصوصيتها وحضارتها المتميزة ، فغالبا ما تبقى مناقشة تلك المفردات والاصطلاحات والمحاكم التفتيشية التي تقام لإعدام مفردات الامة ... غالبا ما تبقى في كواليس المخابرات العالمية لتخرج كأوامر تنفذ في غرف الاخبار كصياغات جديدة تضاف لقواميس الببغاوات في الاعلام المأجور او كأوامر اعدام لألفاظ ومسميات ومصطلحات وأسماء شخصيات يطويها النسيان الاعلامي ولا تتداول في أروقة البث الإعلامي وجلسات " الحوار والرأي" وغيرها من جلسات "تخزين السم الإعلامي" الذي تبثه قنوات الضرار.

ويزداد ضرر تلك الصياغات عندما تصبح دارجة على السن بعض الساسة وعند بعض سطحيي التفكير لتصبح مسلمات دون تدقيق في محتواها السمي التضليلي الذي يرسم تاريخا مزورا وحضارة مشوشة ومفاهيم تركز التبعية للغرب و تغرس عقلية العبودية والدونية أمام حضارة الكفار المستعمرين و تعمل على سلخ الأمة عن الثقافة الإسلامية.

وهنا تقع مسؤولية عظيمة على حملة الدعوة والعاملين لاستعادة سلطان الامة المسلوب بإقامة الخلافة في اعادة احياء ما تم تجاهله والتعتيم عليه من مصطلحات ومسميات وأسماء ابطال للأمة الاسلامية ، وعدم الاستسلام لصياغة الاخبار والمسميات والمفاهيم وعدم اعتبارها مسلمات ، والنظر بعين فاحصة في كل لفظة ، والتدقيق في كل حرف حتى نقف أمام هذه الهجمة على مفردات الأمة وألفاظها وأسماء أبطالها ومعاركها وأيام انتصاراتها ،  فحامل الدعوة يجب أن يكون ثائرا  في موقعه على كل الصياغات المقولبة.. مستحضرا مفردات الأمة في ذهنه محاولا غرسها من جديد في واقع الأمة المعاش.

فالخطيب والمدرس والبائع والشاري والطالب والإعلامي في الدعوة سواء.. يتحملون معا عبء إعادة مفردات الأمة ومصطلحاتها للوجود ..فالمفردات تبعث فيها الحياة بتداولها ونفض الغبار عنها .. لتعيد للأمة معاني وأفكار يريد الغرب الكافر المستعمر أن يخلعها من الوجود، فلنتداول مفردات كالجهاد والاستشهاد ..الفتوحات ،الجزية، الحدود، المكوس الحرام الحلال ، احكام الذمة ، الحروب الصليبية ، فتوحات الاندلس ، غرناطة  اشبيلية ، محاكم التفتيش ، عدو الله ، اعداء الامة ، الكفار الصليبيين ، الشام ، بلاد الحجاز ، الخلفاء ، الردة وغيرها من المفردات والاصطلاحات والتسميات التي لها عمق حضاري فكري يعيد للأمة إحساسها بالتمييز والعزة ويستنهض همم الشباب لإعادة مجد الأمة وسلطانها.

وعلى العاملين في حقل الإعلام المنتمي للأمة أن يعيدوا صياغة الأخبار لتكون  منحازة تماما للأمة ،.. وقد خطت بعض المواقع المنتمية للأمة الاسلامية المنحازة لدينها في ذلك خطى جيدة يجب أن تتركز و تتنامى ، فموقع الناقد الإعلامي مثلا يعيد صياغة الخبر ليزيل  عنه ما علق به من سموم اعلامية جاءت عبر صياغة الاعلام المأجور ، وخطت صفحة نبض الامة خطوات في ذلك المجال لتشق طريقها في العمل على ترسيخ فكرة الإعلام المنتمي لامته المنحاز لثقافتها.

وأصبحت جريدة الراية التي استأنف حزب التحرير اصدارها عنوانا لذلك الاعلام المتبني لقضايا الامة الاسلامية ويكفي ان نورد مثالا واحدا لنضع الفرق امام اعين القراء الكرام بين ذلك الإعلام المأجور المعادي للأمة الإسلامية وبين الإعلام الذي يحمل قضايا امته ويناضل من اجلها.

فتحت عنوان" الإعلام الرأسمالي في آخر خنادق الهزيمة " جاء الخبر التالي : "أعلن موقع التواصل (الاجتماعي) فيسبوك بأنه حدّث معايير النشر المسموح والممنوع للمستخدمين، مؤكدًا في الوقت ذاته أنه لن يسمح باتخاذه منبرًا لنشر "الإرهاب" وخطاب الكراهية والمواد غير الأخلاقية  وانتهى التعليق على الخبر في جريدة الراية بتساؤل  وإجابة  منحازة لثوابت الأمة وقضيتها المصيرية :  ... "هل سينجح الغرب الرأسمالي في حربه الإعلامية الإرهابية ضد الإسلام!! إن كل المؤشرات تقول أنه لن ينجح بل إنه سيخسر معركة الرأي والمعلومة الصحيحة خسارةً عظيمة، فهناك العديد من أبنائه يعتنقون الإسلام رغم الكبت والتعتيم والتشويه الذي يُمارَس اليوم، فكيف إذا أقيمت للأمة دولة صاحبة رسالة حضارية وإعلام يدعو لتحرير الأريسيين والمقهورين من قبضة الأديان الوضعية إلى سعة الإسلام العظيم."

 الخبر ذاته جاء على الجزيرة نت ومعظم وكالات الأنباء العربية تحت عنوان : 'فيسبوك'' يتخذ خطوات للحد من ''الإرهاب'' والكراهية!!!.

 

وفي مثال آخر صارخ على طريقة تعاطي الإعلام الذي لا يتبنى قضايا الأمة ولا ينحاز لها خبر عن قناة البحرين فقد تناقلت الجزيرة نت وفضائية الميادين وجريدة القدس الخبر وكأنه خبر روتني لا يمت إلى الأمة بصلة ، ولم تكشف تلك الوسائل الإعلامية أبعاد تلك الاتفاقية واكتفت بما نقلته الصحف العبرية ووكالات الانباء العالمية دون أي تعليق او القاء للضوء على خطورة تلك الاتفاقية ، فقد جاء في الخبر الذي تناولته وسائل الاعلام المذكورة اعلاه "وقعت إسرائيل والأردن على اتفاق للبدء في المرحلة الأولى من تنفيذ مشروع ربط البحرين الأحمر والميت بقناة، وإقامة مجمع لتحلية المياه شمال مدينة العقبة الأردنية، وصفها الإسرائيليون بأنها أهم اتفاقية مع الجانب الأردني منذ معاهدة السلام عام 1994، وتضيف قناة الميادين للخبر "ويتضمن المشروع كما نقل موقع "يديعوت أحرونوت" إقامة منشأة لتحلية المياه شمال العقبة من أجل تأمين المياه لمنطقة العربة في إسرائيل والعقبة في الأردن ونقل المياه مع تجميع عالي لمياه مالحة إلى البحر الميت.

وسيتم نقل المياه عبر قسطل طوله 200 كلم من البحر الأحمر إلى البحر الميت وذلك بهدف استقرار البحر الميت وإنقاذه.

القناة الثانية الإسرائيلية وصفت الاتفاق بأنه "تاريخي". ويذكر بأن المشروع هو الصيغة الحالية لخطة قناة المياه التي توافقت اسرائيل والأردن عليها منذ التوقيع على معاهدة السلام عام 1994 وكانت جزءاً من رؤى حكومات إسرائيلية لسنوات منذ عهد اسحق موداعي ويوفال نئمان منتصف القرن الماضي."

اما جريدة الراية وكمثال على الاعلام الذي يحمل هموم أمته ويعمل لإعادة سلطان الأمة فتعلق على الخبر بالتالي :" كعادة باقي حكام المسلمين حين يفرطّون بمصالح المسلمين لصالح أعدائهم، برّر حكام الأردن هذه الاتفاقية بأن فيها مصلحة للشعب الأردني.. ويكفي أن يصف وزير الطاقة في كيان يهود سيلفان شالوم الاتفاقية بأنها "أهم اتفاقية" بين البلدين منذ توقيع اتفاقية السلام بينهما عام 1994، لنعلم كم أن هذه الاتفاقية غاية في الأهمية بالنسبة إلى كيان يهود.. فكيان يهود سيستفيد على صعيد توفير مبالغ طائلة من وراء إنشاء محطات لتوليد الكهرباء مستفيدا من الارتفاع الشاهق للمياه الساقطة إلى البحر الميت، كما سيقوم كيان يهود باستخدام مياه المشروع في تبريد مفاعل "ديمونة" في صحراء النقب، مما يوفر على كيان يهود مبالغ كبيرة لأنه يقوم تبريدها حاليا بواسطة الهواء، كما هذه القناة المقترحة ستشكل حاجزا مائيا تستفيد منه "إسرائيل" من الناحية الدفاعية، بالإضافة إلى منافع أخرى كثيرة...

إن الإسلام قد أوجب على المسلمين الجهاد للقضاء على كيان يهود، وبدل القيام بواجب الجهاد يقوم الحكام الخونة في بلاد المسلمين بكل إجراء من شأنه تثبيت كيان يهود وحمايته وتوفير القدرة له على الاستمرار.. فهل يسكت المسلمون عن هذه الجريمة الجديدة التي يقوم بها حكام الأردن أو يقومون بما افترض الله عليهم من وجوب محاسبة حكامهم والتغيير عليهم؟.

وتعليق جريدة الراية العميق المفند لخطورة اتفاقية البحرين كاف للتدليل على الفرق الشاسع بين إعلام مأجور مرتزق لا ينتمي لامته ولا يشعر بها  وبين إعلام يذوب ألما وحرقة عل أوضاع أمته ويرسم طريقا واضحة للتغيير الجذري والخروج من التبعية للغرب ويدفع الامة لتستمر في ثورتها.

يتبع.....