نجاد وإيران والنظرة... سياسية لا طائفية

الدكتور ماهر الجعبري*

سيطرت على المفاعيل السياسية لزيارة الرئيس الإيراني نجاد إلى مصر أجواء من الطائفية، سواء ما جاء في مطالبات مشيخة الأزهر حول حقوق أهل السنة في إيران وحول عرب الأهواز وحول عدم التدخل في شؤون الخليج العربي، أو ما كان من كثير من المعلقين على الزيارة في وسائل الإعلام، وخصوصا من إعلاميي مصر، وطغت على النظرة لإيران ولرئيسها الناحية الطائفية.

ونتج عن ذلك التعاطي مع الحدث إشكالية من زاويتين: الأولى تصب في الشحن الطائفي لأبناء الأمة الإسلامية الواحدة، والثانية تصب في التضليل السياسي حول الكيان الإيراني والتقارب المصري معه. وهذا المقال يتناول هاتين الزاويتين بتوضيح مقتضب.

أولا- السياق الطائفي

بداية لا بد من التقرير أنه لا فرق بين الأنظمة المستبدة في بلاد المسلمين ممن يحكمها من ينتسبون للمذهب السني كحكام السعودية ومن ينتسبون للمذهب الشيعي كحكام إيران، فكلهم في العمالة والهمّ شرق.

صحيح أن الساسة المنتسبين للمذهب الشيعي وكثيرا من مرجعياتهم قد تورطوا في تمرير مصالح أمريكا في العراق، وفي لبنان، وفي أفغانستان، ولكن الساسة المنتسبين للمذهب السني وعلماء السلاطين عندهم ليسوا أقل جرما في تنفيذ المخططات الأمريكية والأوروبية.

إن الأمة الإسلامية هي أمة واحدة انصهرت ضمنها كافة المذاهب الإسلامية ضمن إطار العقيدة الإسلامية، بل وصهرت غير المسلمين مع المسلمين ضمن تابعية دولة الخلافة، فكانت حضارة غير المسلمين إسلامية رغم أنهم حافظوا على أديانهم، وكان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين. ولذلك كله كانت دولة الخلافة -كما ستعود بإذن الله ببشرى رسوله صلى الله عليه وسلم- دولة للناس لا دولة خاصة بالمسلمين، ، ولن تكون -من باب أولى- خاصة بمذهب دون آخر.

ولم يظهر مفهوم الأقليات بين المسلمين إلا عندما تحرّك المستعمر الغربي لتمزيق وحدة الأمة وتفتيتها، وهو مفهوم من نتاج الحضارة الغربية ولا علاقة له بالثقافة الإسلامية، ومن ثم استخدم المستعمر الطائفية وسخّر بعض أربابها لتمرير مخططاته، واستخدمها لبناتٍ لبناء بعض الكيانات الفسيفسائية كما هو الحال في لبنان. وعلى أساسها نشأ الكيان الصفوي في إيران، وأنشأ في السعودية كيانا يغذي الطائفية بينما يمرر مصالح الغرب.

ولا شك أن هذه النظرة الطائفية هي نظرة غربية من حيث الفكرة، وهي مصلحة استعمارية من حيث الوجهة السياسية، ولذلك فإن الأولى بعلماء الأمة والتيارات الحية فيها أن تحارب هذه الطائفية لا أن تعززها، بل والأولى بالعلماء ممن قبلوا المناداة بالتعددية (الغربية) الباطلة ضمن مفهوم الدولية المدنية أن ينشروا الوعي بين الأمة حول قبول تعدد المذاهب الإسلامية ضمن ثقافة الأمة، طالما أن تلك المذاهب تستند لعقيدة الإسلام القطعية.

ومن المعلوم بداهة أن جرائم الأنظمة والمرجعيات والعلماء المنافحين عن تلك الأنظمة هي جرائم سياسية ضد الأمة، ولا يصح أن تحصر ضمن حالة من صراع طائفة ضد أخرى، فيما يتناسى المتصارعون المحرك الرئيس لهذه الصراعات، والذي أشعلها منذ أن قضى على وحدة الأمة، والذي يستمر في تغذيتها فكريا وتعبئتها سياسيا عبر من يسير في ركابه من الحكام والعلماء، فينشغلون في صراع مذهبي، فيما يتناسون الصراع الحضاري بل يروّجون لحوار الحضارات، ويلهون الأمة في الصراع الداخلي عن الصراع ضد الاستعمار.

وفي هذا السياق، كان الأولى بمشيخة الأزهر أن ترفض أيضا قمع النظام البحريني لغضب الناس ضده، وقمع النظام السعودي للتململ ضد تسلطه على رقاب المسلمين في الحجاز وفي المنطقة الشرقية على حد سواء.

ولكن بكل أسف، تجد الطائفيين من المرجعيات يؤيدون ثورة أهل البحرين ويرفضون ثورة أهل الشام، وفي المقابل تجد الطائفيين من علماء السلاطين يؤيدون ثورة الشام ويرفضون الثورة ضد أنظمة الخليج، ولذلك كله كانت ثورة الأمة هي الثورة الكاشفة الفاضحة، وهي ثورة يجب أن تجتاح كل الحكام بغض النظر عن مذاهبهم وعلمائهم ومرجعياتهم.

ومن هنا، فإن النظرة الصحيحة لزيارة نجاد لمصر وللموقف من الكيان الإيراني يجب أن تقوم على الفهم السياسي-الشرعي لإيران وعلاقتها بأمريكا، وهو ما يستوجب التمييز بين إيران كدولة وبين أهل إيران كمسلمين.

ثانيا – السياق السياسي

صحيح أن الدولة الإيرانية نشأت ككيان طائفي صفوي، ولكن الثورة الإيرانية مكّنت أمريكا من ركوب الكيان الإيراني، وارتمى حكام إيران في أحضانها، وهنالك العديد من الشواهد الحديثة حول الارتباط الوثيق بين الكيان الإيراني وبين أمريكا، وقد وثّقت بعضها ضمن مقال سابق.

وتكفي هنا الإشارة إلى ما ورد في تقرير بيكر هاملتون حول أزمة العراق (2006) من تشديد على أهمية الدور الإيراني في إنقاذ أمريكا من وحل العراق، وما أكده التقرير من "التعاون الإيراني-الأميركي في أفغانستان"، ومن أنه أوصى بالبحث في "إمكانية تكراره لتطبيقه على الحالة العراقية" (ملخص نص تقرير بيكر- هاملتون). وكذلك ما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) على لسان جون سوارز سفير بريطانيا لدى الأمم المتحدة في 22/2/2009 من أن طهران عرضت التعاون مع واشنطن لإسقاط طالبان والإطاحة بصدام، بل وما نقلته عن هيلاري مان عضو الوفد الأمريكي الذي أجرى حوارات مع الإيرانيين أن مسئولاً عسكرياً إيرانياً "قام ببسط خريطة على طاولة النقاش وحدد عليها الأهداف التي أراد أن تركز عليها الولايات المتحدة وخاصة في شمال أفغانستان".

ومن باب الموضوعية، لا بد من الذكر أن بشير عبد الفتاح المتخصص في الشؤون الإيرانية في مركز الأهرام في القاهرة، قد أشار –سريعا- إلى تلك العلاقة الإيرانية الأمريكية، عندما علق على زيارة نجاد للقاهرة في لقائه على قناة البي بي سي في 7/2/2013، فكان ذلك البعد سياسيا لا طائفيا في التعليق.

ثم إن الدور الإيراني الوسخ في سوريا ماثل للعيان لا يحتاج إلى تدليل، وهنا كان الأولى بمشيخة الأزهر أن تحاسب نجاد على ذلك الموقف وتجرّمه عليه، وأن تفضحه على تمرير سفن تسليح النظام السوري المجرم عبر قناة السويس.

وفي الوقت نفسه، كان حقيقا عليها أن تحاسب الرئيس المصري على السماح لتلك السفن بالعبور، ومن ثم على قبوله لقاء نجاد والتعاون معه، وتذكير مرسي بموقفه السابق -كرئيس لحزب الحرية والعدالة- عندما أكّد أنه يرفض مقابلة السفير الإيراني (القائم بأعمال السفارة) الذي كان "يحاول أن يقابله ليلا ونهارا"، حيث قال مرسي أنه يرفض مقابلته إلا إذا تغيّر موقف إيران من النظام السوري، كما يوثق التسجيل المحفوظ على اليوتيوب تحت عنوان "

" بتاريخ 5/2/2013.

هكذا تكون المحاسبة سياسية لا طائفية. ولو كان لنا أن نتصور وجود مثيل للعز بن عبد السلام أمام الرئيس الإيراني في القاهرة لحاسبه على دعم نظام بشار وعلى تعاونه مع أمريكا، ولحاسب الرئيس المصري على تعاونه مع هذا النظام المجرم، وعلى مواقفه المخزية من ثورة الشام، بل لحاسبهما معا على تمرير العلمانية تحت عباءة الإسلام.

ولذلك يجب على المخلصين من علماء ومرجعيات أن يقفوا بالمرصاد لهذا الشحن الطائفي، وفي المقابل، أن يشحنوا الأمة ضد الغرب المستعمر وضد الحكام الذين ينفذون مصالحه، وأن يدعوا الأمة في كافة أقطارها للثورة على حكامها سواء انتسبوا للمذهب الشيعي أو السني، وأن يبيّنوا قبول تعدد المذاهب على أساس العقيدة الإسلامية، بدل أن يدعوا لقبول التعددية الفكرية على أساس الثقافة الغربية التي تستبيح محرمات الإسلام وتنتقص من مقدساته.

12-2-2013

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين