بقلم المهندس باهر صالح/ عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
من يتابع آخر المواقف والتصريحات التي خرجت من قادة ما يسمى "بالممانعة" في المنطقة، يلمس شيئا غريبا لم نعتد عليه طوال السنوات السابقة، فالرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، والذي يُتهم من قبل الغرب وأمريكا بأنّه يدعم حزب الله وحماس وقوى التطرف في المنطقة، يفتح ذراعيه من أجل مساعدة أمريكا في حربها في العراق وأفغانستان، بعد أن ملأ الدنيا بخطاباته الرنانة وكأنه عنتر زمانه!.
ففي مقابلة له مع شبكة ايه بي سي الأحد 19/9/2010، قال: "إذا كانت الإدارة الأمريكية ترغب حقا في تغيير سياستها في أفغانستان والعراق والتحرك في الاتجاه الذي يخدم مصلحة شعبي هذين البلدين فنحن مستعدون دائما للتعاون كما أننا مستعدون الآن".
وهذه سوريا، حاضنة حركات "المقاومة" وحليفة إيران "المتشددة"، التي تدعي الحفاظ على مصالح الأمة والدفاع عن حقوقها، والتي وصفها رئيس وزراء حكومة غزة، إسماعيل هنية، قبل أيام خلال استقباله وفد تضامن سوري بالقول "إن سوريا تستحق أن تكون أمينةً على حقوق وثوابت الأمة لمواقفها المشرفة والقوية"، ها هي تفتح ذراعيها وتفرش البساط الأحمر لأمريكا للتعاون معها، وليهود للتفاوض والتنازل لهم عن حقوق الأمة.!
فقد نقل موقع بي بي سي بالعربية يوم الاثنين 27/9/2010، قول بي جي كرولي الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن وزير الخارجية السوري وليد المعلم عبر - خلال لقائه بنظيرته الأمريكية هيلاري كلينتون بنيويورك - عن "اهتمامه الكبير" باستئناف عملية البحث عن السلام بين سورية "وإسرائيل".
وأما خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، فقد نقلت جريدة المستقبل اللبنانية 28/9/2010 تأكيده على أن خطوات الحركة باتجاه المصالحة "حقيقية وجادة"، وأنّ المصالحة ضرورة لها ولحركة "فتح" على حد سواء، ولأن "الذهاب إلى المفاوضات بغير أوراق قوة عبث".
فها هو لا يمانع التفاوض مع الاحتلال، ولا الوصول إلى اتفاق معه، ولكن ما يؤرقه هو "أوراق القوة" من أجل الوصول إلى اتفاق، وكأن المصالحة على أساس الورقة المصرية التي تعترف بكل المعاهدات والتنازلات وبرعاية رجل أمريكا (مبارك)، ستصبح سيفا مسلطا على رقاب الاحتلال ليسارع بإعطاء فتح وحماس دولة على أقل من ربع مساحة فلسطين!!.
ماذا حسب بسطاء الناس أن يقولوا وهم يشاهدون أبزر الجهات التي تنسب إليها الممانعة وتوصف بغير المعتدلة تهرول إلى المفاوضات والتعاون والتنسيق مع أعدى أعداء الأمة، أمريكا و"إسرائيل".!!
من الواضح أنّ الأمور باتت تتكشف لكل من لم يكن يهمه ما يدور وراء الكواليس، ومضى مكتفيا بما يشاهده للوهلة الأولى من خطابات وشعارات رنانة لا أساس لها، وكأن المسألة لم تكن أكثر من توزيع أدوار.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي اضطر أمريكا لتكشف أوراقها وتستنزف احتياطها إلى أخر درجة؟
 فعباس لم تبق له أمريكا ماء وجه بعدما جرته إلى مفاوضات لم يقدم فيها الاحتلال شيئا ولا حتى أموراً شكلية، ومبارك قد باتت الأمة تنظر إليه على أنه يشاطر "إسرائيل" عِداء الأمة وأهل فلسطين بعد كل ما قام به من أجل خدمة اليهود من حصار لغزة وتضييق على حماس.
وكذلك إيران التي تستخدمها أمريكا فزاعة للخليج فتبيع من ورائها الأسلحة بمليارات الدولارات وتبرر من خلالها ضرورة بقائها في الخليج والوطن العربي، ها هي تريد الآن أن تستخدمها علانية.
وسوريا التي حافظت أمريكا على إبقائها تبدو بمظهر الممانعة لتحتضن حركات المقاومة ولتحجم بها "إسرائيل" اضطرت إلى استخدامها علانية.
وللإجابة على هذا السؤال، لا بد من ملاحظة أن أمريكا في مأزق في العراق وأفغانستان، وسط إحجام حلفائها من الدول الغربية عن مساعدتها، وإرهاق باكستان في حرب أمريكا على القبائل، فهي في مأزق شديد في أفغانستان في ظل تصاعد المقاومة وبعد ما أصاب باكستان حليفتها الرئيسية هناك من فيضانات أرهقت الدولة والجيش والميزانية، وكذلك المأزق في العراق الذي تتخبط فيه القوى السياسية والإدارة الأمريكية في التوافق على تشكيل حكومة تدير العراق بعد أن قررت أمريكا الانسحاب الشكلي.
وهي كذلك تعاني من أزمة مالية خانقة تطاردها داخليا وخارجيا، وانتخابات نصفية تلف بعنق الإدارة الأمريكية.
كل هذه الأمور جعلت من أمريكا ضعيفة تحتاج إلى أدنى مساعدة، حتى ولو كانت مالية من السعودية تحت غطاء عملية بيع أسلحة ب60 مليار، ومساعدة عسكرية في أفغانستان والعراق من سوريا وإيران وبنغلادش التي طلبت منها أمريكا مؤخرا المساهمة في القوات في أفغانستان.
ومساعدة دبلوماسية وسياسية من سوريا التي تحتاج أمريكا منها ومن عباس ومبارك تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط والإمساك بخيوط عملية السلام.
فما ألجأ أمريكا إلى حرق آخر أوراقها لهو أمر عظيم، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على أنّ أمريكا قد باتت في غرفة الإنعاش وتتعلق بالقشات الأخيرة.
ولا أظنها ستفلح في إنقاذ نفسها، بل جل ما يمكنها أن تفعله هو تأجيل رحيلها قليلا إن استطاعت إدارة الملفات.
30/9/2010