بقلم: خالد محمود
 
 في طيات الكلمات التي سطرها د. صلاح عودة الله حول تحرير فلسطين بانتظار الخلافة يهرب إلى الأمام فيوجه السهام إلى غير الموقع الصحيح، حيث أن تحرير فلسطين كان الهدفَ الأوحد لمن يزعم د.صلاح أنه معهم في سبيل العمل لتحرير فلسطين التاريخية.
 
الأصل أن يسأل العاقلُ صاحبَ الشأن "المباشر" عن الأمر، على اعتبار أن تحرير فلسطين هو في "الدرجة الثانية" عند الذين جعلوا إقامة الخلافة غاية أولى... والدكتور صلاح وأمثاله من الذين يسكبون الكلمات والأفكار ويطلقونها على عواهنها دون تفكر وروية ومسؤولية تنمّ عن احترامهم لذاتهم هم كثر ..
 
 طالما أن تحرير فلسطين هو طرح الوطنيين القوميين الملايين الساعين إلى إقامة الدولة الفلسطينية وليس طرح "القلة الممجوجة!" كما تزعم، التي تعاكس تيار الملايين الهادر، فلِمَ كل هذا الضجيج من قِبلك على تلك الفئة التي كانت تقول ما تقوله الآن منذ عقود دون اهتمام منكم لمقالتها تفكرا ووعيا ؟! بل تجاهلتم طرحها الكامل عمليا وواقعيا.
 
كانت تقول أفكارها يوم كان الكلاشنكوش برصاصه الثائر- نشيدا لا واقعا - يخرس صوت العقول في الإجابة الصحيحة عن كيفية تحرير فلسطين حقيقة في ظل الواقع الذي كرسه سايكس وبيكو في الأمة الإسلامية ومنها العرب؛ وذلك على فرَض أن الذين انبروا للتحرير صادقون مخلصون، وليسوا مجموعة من المنتفعين أو المغامرين بلباس الثورة والثوار ..
 
أولئك "الثوار!" لم يعملوا لكنس واقع التجزئة الذي أنتجه الغرب الكافر في بلادنا ولم يعملوا للوحدة والقوة الحقيقية، واستعادة القرار السياسي الذاتي لخير أمة، ولم ينتظروا الخلافة -دقق يا دكتور لم ينتظروا الخلافة للتحرير - وأعلنوها مدوية: كفاح مسلح حتى تحرير كل فلسطين. فلماذا الآن يا دكتور تريد انتظار الخلافة لتحرير فلسطين ؟!! ولماذا تأسى على انتظار فلسطين للخلافة كي تحررها؟! أفلسطين لم تحرر بعد كما يطبل من خانوا المشروع؟!
 
 الأولى بك أن تسال أين وصل رواد مشروعك، ولماذا كل هذه الانتكاسات بل الخيانات للهدف الذي أعلنوه، وقُدمت في سبيله تضحيات الناس البسطاء الصادقين قربانا لتحقيق النقيض الذي لأجله مات الناس وجاعوا واغتموا وضاقت بهم الأرض بما رحبت.
 
إن طرح الخلافة كان قديما وتجاوزتمونه وقلتم نحن لها، نحن للتحرير، إذاً، وجب عليك الآن تجاهل أصوات (القلة الممجوجة كما تسميها !!) كما تجاهلتموها من ذي قبل لتوجه سهام المحاسبة إلى مكانه الصحيح – ما دامت فلسطين لم تحرر بعد وهذا هو الحق، لان وجود "إسرائيل" على شبر من الأرض يجعل منها محتلة خلافا لمن يجعل "إسرائيل" جارا لا محتلا غاصبا - وتسأل وتحاسب أرباب المشروع عن المشروع لا أن توجه السهام لأرباب مشروع آخر يسير قدما نحو الهدف على مستوى العالم الإسلامي متجاوزا بحكم طبيعته العقائدية الوطن والقوم وهيمنة قرارات العدو الذي جعلتموه الخصم والحكم، بعد أن جعلتموه المانح لمن خنع والتزم، تستجدون فتاته وتتظاهرون بالعداوة له على الصعيد السياسي وفي سابقة لم تحدث في التاريخ تحافظون على أمنه وتحمون حدوده التي هي أرضكم المغتصبة التي ما نشأتم إلا لاستعادتها منه بالقوة.
 
هذا هو الأولى بك إن كنت تحترم ذاتك وإيمانك وفكرك الذي تتبناه.
 
وأولى بك –كذلك - أن تسأل:   لماذا لم تحرر فلسطين رغم كل تلك التضحيات من الناس؟
 ولماذا أنعم الأعداء على بعضكم بالامتيازات؟ ولماذا صارت القضية تجارة ترفع العملاء وتسحق من بين صفوفنا الشرفاء؟!!! فكما لم تنتظر بالأمس لماذا تنتظر اليوم؟!! أبسبب النتيجة المرة التي آل إليها مشروع التحرير عن طريق النظام الرسمي بذريعة الثورة الكاذبة؟
 
وأذكرك بقولك في مقال لك عنوانه: (أربعون عاما على انطلاقة جبهة حكيم الثورة الفلسطينية..!) بتاريخ 13/12/2007، قلت فيه عن حبش: (لقد مثل هذا القائد عشقه للوطن والثورة في سياق رده على مناقشة اتفاق السلام مع العدو الذي قال عنه الشهيد ياسر عرفات إن هذا الاتفاق هو الممكن فرد عليه حبش إن الثورة الفلسطينية قامت لتحقق المستحيل لا الممكن.) فقد كانت مبررات من خان مشروع التحرير من قبل النظام العربي الرسمي موجودة، يوم انطلق أصحابك وعلى راسهم منظمة فتح غير آبهين بهذا الممكن لتحقيق ما سماه حكيمك مستحيلا، وطبعا كان الرفض يومها لان أصحابك كانوا خارج الخارطة السياسية لأداء الدور المرسوم الذي كانت تعرضه الشرعة الدولية الظالمة، وعندما أصبح "الثوار" طرفا في اللعبة وداخل الحلبة صاروا يرددون أن هذا هو الممكن، بعد أن كلفونا دماء وأموالا وآهات كثيرة فكانت نتيجة المشروع ما تراه الآن على الأرض ..
 
وأذكرك بأن ما سمّاه حكيمك مستحيلا هو عينه عين الممكن، بل هو أقل الممكن؛ لأن الأمل بالأمة لأن تنعتق من ربقة الطاغوت الأكبر أمريكا التي تستعبد من فيهم قابلية العبودية لها من الخدم والعبيد الخونة لامتهم، نعم، إنه ممكن ولكن من خلال مشروع على مستوى الأمة كلها، تعي الحق فتعمل لانهيار المنظومة التي أقامها سايكس وبيكو في عالمنا الإسلامي، للحيلولة دون أن نكون الأمة الأولى في العالم، الأمة التي تنشر الطهر والنور لا النفاق والكذب والظلم بغلاف براق من الأطروحات الباطلة.
 
يتحقق ذلك "الممكن" عندما تنجح الأمة بإقامة كيانها السيد ولدى إزالة من يحارب للذود عن حياض أمريكا وحماية "إسرائيل"، نيابة عنها أحيانا وباشتراك معها أحيانا أخرى، وهذا إيذان بنجاح الأمة في استئصال يد العدو الممتدة في أحشاء الأمة من المحسوبين عليها ممن صار بقاء مصالحهم مرهون ببقاء النظام العالمي القائم، من حكام وأنظمة صنعت على عين الكفار الطامعين العاملين لتأخير الممكن الذي لا مفر من ولادته حيث جعلتك آلام المخاض تتذكر الخلافة بعد عقود بعد أن تجاهلتم الدعوة لها يوم انطلق الكفاح المسلح الكاذب كطريق وحيد وأوحد للتحرير، وحقا إن الجهاد هو الطريق الوحيد والأوحد للتحرير ولكن الجهاد الحقيقي مرهون بنهضة الأمة وإقامة الخلافة فحق لفلسطين أن تنتظرها ..
 
ولأن الأمة الإسلامية تتشكل رويدا رويدا بعد انكشاف كافة المؤامرات .. وانهيار كافة الاطروحات فقد نشأت عند الذين يحترمون عقولهم وكلماتهم ومبادئهم معادلة مفادها أن تشكيل الأمة لتمتلك قرارها السياسي يسارع في حل كافة القضايا ومنها قضية فلسطين لأنها –الخلافة وفقط الخلافة- الخط المستقيم غير الملتوي للتحرير الكامل الشامل فهي التي ستحقق "المستحيل" وتجعله "ممكنا"، وكل سير في دهاليز الغرب من خلال منظومة الإقليم الجزئية المفروضة من قبل الدول (الكبرى) المعادية للأمة والتي تكرس الظلم مع سبق الإصرار وتكافئ الجلاد وتسحق الضحية سيجعل "الممكن مستحيلا" حقا؛ لأنه سير في الاتجاه غير الصحيح .. 
وأحب أن أطمئنك أن أصحاب مشروع الخلافة تجاوزوا الوطن والقوم إلى رحاب الأمة الإسلامية منذ اليوم الأول رغم الطنين والرنين للوطنية والقومية المتواطئة مع الشرعة الدولية القائمة، وهم يسيرون قدما نحو هدفهم دون انحراف ولا تراجع ولا تخاذل ولا متاجرة بالقضية ولعل هذا ما جعلك تكتب كلماتك لتختمها في كلام يردده الصغار في المدارس دون إدراك لمعناه من مثل: 
 
(إنني أؤكد كما يؤكد ملايين الفلسطينيين في الوطن والشتات تمسكنا بوطننا وبقوميتنا وهويتنا الفلسطينية مسلمين ومسيحيين، وإن شعبنا سيواصل النضال لكنس الاحتلال وتطهير بلادنا من الأصوات الممجوجة المعادية لتطلعات شعبنا بالحرية والاستقلال وإقامة دولتنا الديمقراطية العلمانية على كامل ترابنا الوطني. وأقول بأن أطروحاتكم مغايرة ومعاكسة لآمال شعبنا وتطلعاته وأهدافه القومية. والى المزايدين أقول، ستبقى فلسطين التاريخية أملنا المنشود وان لن يتم تحريرها في أيامنا، ستحررها الأجيال القادمة، فهي لم ولا ولن تقبل القسمة على اثنين.)
 
هؤلاء الملايين يا دكتور من يمثلهم حقيقة؟ الذين سلموا فلسطين للعدو وصارت جارا يسمى "إسرائيل" أم الذين يسعون للتحرير الكامل الشامل؟ اترك لك التفكير على مهل لعلك تصل إلى الجواب الشافي فتفرق بين الصريح الصادق والمنافق الكاذب، وبين الأمين الرائد والخائن البائد قريبا بإذن الله.
 
أما شهداء حزب التحرير على طريق مشروع الخلافة فهم كثر ولكن أنى لمن لا يرى ابعد من أرنبة أنفه أن يدرك ذلك... وأما شهداء فلسطين الذين يزاود عليهم الخونة فهم لم يستشهدوا لتصبح يافا وحيفا وتل الربيع واللد والرملة وصفد بل وشوارع الضفة الرئيسة تسمى "إسرائيل"، والذي يحمل مشروع التحرير الحقيقي هو الذي يوقر ويحترم الشهداء، أما من يبكي عليهم أول النهار ويقبّل قاتلهم آخره فهو خائن رعديد ستلعنه الأجيال جيلا بعد جيل.