بسم الله الرحمن الرحيم
هذا أوان النصرة، فأين رجالها؟
 برهان الشامي
يقول الله عز وجل: "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ" (القصص: 5-6)
أعلن الناطق الرسمي لحزب التحرير في الباكستان ونائباه، في مؤتمرات صحفية: في إسلام أباد، وكراتشي، ولاهور، أن حزب التحرير - ولاية باكستان- سيوجه خطاباً مفتوحاً في التاسع من أيار 2010 لأهل القوة والمنعة في باكستان: في العاصمة إسلام أباد، من أمام النادي الصحفي، وأمام الإعلام، وسيتضمن ذلك الإعلان حلاً لمشاكل باكستان.
في ضوء هذا الإعلان، ارتأينا أن نتناول موضوع طلب النصرة ومخاطبة أهل القوة، تحت عنوان: (هذا أوان النصرة، فأين رجالها؟)
أولاً: ما هي مبررات الشق الأول من العنوان (هذا أوان النصرة )؟
1- النصرة هي الطريقة الشرعية لإقامة الدولة الإسلامية.
2- إقامة الدولة فرض على الفور على من يستطيعه.
3- معاناة الأمة الإسلامية لا تحتمل التأجيل: من القتل، والتشريد،ونهب الثروات، والظلم والفساد.
4- مفاهيم الخلافة، وتطبيق الشريعة، والجهاد، ووحدة الأمة، والتحرر من الاستعمار، قد طغت على الأمة، ولا توضع هذه المفاهيم موضع التنفيذ إلا بالنصرة.
ثانياً: من هو المقصود بالشق الثاني من العنوان (فأين رجالها؟)
إن أطراف النصرة هي ثلاثة: طالب النصرة، أهل القوة، الأمة.
1- طالب النصرة: هم حملة الدعوة الذين يطرحون أنفسهم للأمة، كقيادة بديلة.
2- أهل القوة: هم من يملك إعطاء الحكم لطالبه، سواء كان في قيادة الجيش، أو يستطيع أخذ قيادة الجيش، أو بعض السياسيين أو القبائل في بعض البلدان.
 
3- الأمة: هي المعنية بمشروع دولة الخلافة، وهي التي تعاني من غيابها، وعليها فرض إقامة الخلافة، وعليها إثم التقصير، وإليها ينتمي حملة الدعوة وأهل القوة سواءً بسواء. والأمة هي السند الطبيعي للدعوة حتى تصل للحكم، وللدولة بعد قيامها، كي يشتد عودها وتجتاز سنواتها الأولى العصيبة.
خطورة طلب النصرة:
لقد أدرك العرب المُخاطبون بدعوة الإسلام ماهية هذه الدعوة، وخطورتها على الأنظمة القائمة. ففي قصة طلب النصرة من بني شيبان، قال المثنى بن حارثة: "وإنا إنما نزلنا بين أنهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى، فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول وأما ما كان من مياه العرب، فذنبه مغفور وعذره مقبول، وإنما نزلنا على عهدٍ أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثاً ولا نؤوي محدثاً، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه هو مما تكرهه الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب، فعلنا."
فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – "ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه."
والحدَث: هو الفتنة، أي تأليب الناس وتجميعهم على فكرة جديدة، وهو يُعرف في العصر الحديث بالخيانة العظمى.
وجاء في حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – "من أحدث حدثاً، أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً." وذلك في حق من يؤلب الناس للخروج على الحاكم الشرعي في ظل الدولة الإسلامية. فالعمل الذي يعمله حملة الدعوة للإطاحة بالأنظمة الحالية، وإقامة دولة الخلافة مكانها، هو من أعظم الأعمال وأخطرها، وموقف من يعمل لهدم دولة الخلافة حال قيامها هو من أشنع الأعمال وأقبحها.
إذن فالنصرة هي قلب الأوضاع رأساً على عقب.
ولذلك لا بد لحامل الدعوة من تصور كامل شامل لما يلي:
* النظام الجديد بدستوره وأحكامه، وكيفية تطبيقه في الواقع الحالي، ويشمل نظام الحكم وأجهزة دولة الخلافة (ماذا نفعل بما هو قائم من الوزارات والهيئات والسلطات والدوائر والمصالح... إلخ؟).
* الوعي على الأوضاع الدولية والإقليمية، لمعرفة نقاط القوة والضعف، ولترتيب الأولويات في مواجهة الأعداء.
* الوعي على الوضع الداخلي وما لدى الأمة من قدرات، وثروات، وطاقات، ورجال...إلخ.
علاقة الجيش بالحكم:
ولا بد لمن يطلب النصرة أن يبين لأصحاب القوة وجهة نظره حول علاقة الجيش بالحكم.
أما في الأنظمة القائمة حالياً، فهناك وجهتا نظر في موضوع علاقة الجيش بالحكم:
1- يجب أن يكون الجيش قوياً ممسكاً بالحكم ليحمي النظام، ويردع السياسيين الفاسدين، سواء كانوا من الحزب الحاكم، أو من المعارضة، وشعارهم في ذلك أن الأمة لا تُحكم إلا بالنار والحديد.
2- يجب أن يكون الجيش ضعيفاً، بعيداً عن الحكم، حتى يستطيع الشعب حكم نفسه بحُرية، ودون تسلّط، وديكتاتورية.
وكلتا وجهتي النظر هاتين من صنع المستعمر، الذي يؤرجح البلاد بين الديمقراطية والديكتاتورية ليظل هو المتحكم الحقيقي.
وأما علاقة الجيش بالحكم في الإسلام فتتلخص في التالي:
1- يجب أن يكون الجيش قوياً، لأنه يحفظ النظام، ويحمي البلاد والعباد، ويحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم بالجهاد.
2- يجب أن يكون الخليفة هو القائد الفعلي للجيش، وأن يكون الجيش بيد الخليفة، فالخليفة هو الذي يعلن الحرب ويعقد الهدن والمعاهدات.
3- النصيحة التي يقدمها العسكريون هي نصيحة في موضوع محدد وهو الخطط والتجهيزات العسكرية، وهي قاصرة عن إدراك الصورة الشاملة للقوى المعنوية، والروحية، والمناورات السياسية، والرأي العام المحلي والعالمي، ولذلك فإن النصيحة العسكرية تؤخذ في موضوعها، ولا تشكل العنصر الحاسم في اتخاذ القرارات السياسية والحربية.
4- نظام الحكم في الإسلام ليس نظاماً عسكرياً، بل هو نظام رعاية شؤون بالعدل والإحسان. الحاكم فيه منتخب من الناس، ومسؤول أمام الرعية تحاسبه وتنصحه، ليس فيه تجسس على الناس (إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم)، ولا تكميم للأفواه.
5- لذلك كانت بيعة العقبة الثانية بالنص التالي: (أبايعكم على أن تمنعوني - إذا قدمت عليكم- مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم، ولكم الجنة). أي أن الأنصار لم يأخذوا مقابل النصرة –على عظم خطرها- أي وعد بمنصب ولا جاه ولا مشاركة في الحكم.
ومن مجمل النقاط السابقة يتبين أن العسكريين لا يكون لهم وجود في الحكم بوصفهم عسكريين، ولذلك فإن دورهم بعد إعطاء النصرة لحملة الدعوة هو قيادة المعارك، وتحقيق الانتصارات، وطاعة الخليفة، والإخلاص، والتضحية، والنصيحة والمشورة، كما كان دور أنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي عنهم.
بعد هذا البيان لموضوع النصرة، ووجوبها، وأطرافها، وخطورتها، وما تقتضيه من وعي وإدراك، نتناول واجب كل من الأطراف الثلاثة: حملة الدعوة، وأهل القوة، والأمة، تجاه النصرة.
أما واجب حملة الدعوة فهو:
٭ أن يكون خطابهم للأمة (ومنها أهل القوة) خطاباً قيادياً، يسعى لنزع ثقة الأمة من الوسط السياسي الفاسد، واتخاذ حملة الدعوة قيادة جديدة.
٭أن يكثفوا وعيهم على مرحلة إقامة الدولة، وما يتبعها من واجبات تتعلق بتطبيق الإسلام، وإعادة تشكيل أجهزة الدولة، وحشد طاقات الأمة، وما يحيق بها من أخطار داخلية وخارجية.
وأما واجب الأمة فهو:
٭أن تقف خلف حملة الدعوة لإقامة الخلافة، وأن تظهر دعمها لهم، وتكفر بالأنظمة القائمة ومِن ورائها الكافر المستعمر.
٭أن تضغط على أبنائها من أهل القوة ليعطوا النصرة لحملة الدعوة، فيتحقق لهم بذلك فوز الدنيا والآخرة.
وأما واجب أهل القوة فهو:
٭أن يُدركوا أنهم جزء لا يتجزأ من هذه الأمة الكريمة، فلا يجوز أن يسكتوا على ظلم الحكام، أو تطبيق أحكام الكفر، أو احتلال الكفار لبلاد المسلمين، أو تحكم الكفار بثروات المسلمين. وأن سكوتهم وقعودهم هو خزي لهم في الدنيا والآخرة.
٭أن يُقبلوا على حملة الدعوة لمعرفة ما عندهم من أفكار ومفاهيم ووعي سياسي وخطط لمرحلة قيام الدولة، وللتأكد من جدارتهم بالقيادة، وللاطمئنان إلى إخلاصهم وولائهم لله عز وجل ولهذه الأمة الكريمة.
٭أن يضعوا ثقتهم في الله عز وجل وحده، فهو الناصر والمعين، وهو الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، لا حكم إلا حكمه، ولا قضاء إلا قضاؤه. كما قال رب العزة (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ *) آل عمران 173-175
٭أن يُقدموا على خطوة إقامة الدولة، دولة الخلافة الراشدة الثانية، فيفوزوا بثواب عملٍ لم يسبقهم إليه إلا الأنصار الأوائل: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير، والبراء بن معرور، وأسعد بن زرارة، وعبد الله بن رواحة، وأبو أيوب، وأبو طلحة، والحباب بن المنذر، وغيرهم ممن قال الله فيهم: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر 9. وقال فيهم رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم – "الأنصار شعار، والناس دثار. والذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس شعبًا، وسلكت الأنصار شعبًا لسلكت شعب الأنصار."
نسأل الله تعالى أن يعجل لنا بأنصار كأنصار الأمس، وبدولة خلافة راشدة على منهاج النبوة، اللهم آمين.
3/5/2010