يوسف طلال
نشرة إخبارية لم تتجاوز الربع ساعة، تلك التي كنت أشاهدها، ويا لقبحها من نشرة، فقد كانت حمراء مضرجة لكثرة ما حوت من أخبار الدماء التي تسيل في جسد هذه الأمة، أشلاء في العراق وتفجيرات في باكستان تقوم بها شركات جاءت خصيصا للقتل. وما تلبث أن تبدأ تلك النشرة حتى تعرج على أخبار حملة الأطلسي الصليبي على هلمند، وتتنوع الأخبار وتتجدد كل يوم، بل كل ساعة، بينما يبقى الثابت فيها خبر واحد هو خبر النزيف الدائم في جسد المسلمين،حتى صارت أخبار تلك الدماء لدوامها وكثرتها عند سامعيها، بل وفي سمع العالم، روتيناً تبلد الحس تجاهه، وكأن دماء المسلمين باتت تنطبق عليها قوانين السوق الرأسمالية التي تقول إذا زاد المعروض من شيء قل ثمنه .
 في هلمند تدور الآن رحى معركة، وتسير حملة تتكون من آلاف كثيرة من جنود الصليب على إخوان لنا في العقيدة، وأخبار القتل والقتال ترافق الحملة على شكل أرقام من الضحايا، ولكنها ترد مجرد أرقام باهتة يزيدها بهتاناً كيفية طرق الإعلام لها، وذلك لتبقى في النظر العام كزلزال في هاييتي أو حوادث القطارات في الهند، وكأنهم ليسو مسلمين، وكأننا لسنا وإياهم أمة واحدة كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، فهي على لائحة التقديم الإعلامي تأتي من حيث الأهمية دون أخبار ميتشل وجولاته، وفرنسا ووساطتها، والحكام وخياناتهم، بل ودون المباريات الحاسمة في كرة القدم.
 لأنّها في أفغانستان تلك البلاد البعيدة، والمصلحة في التوظيف السياسي والإعلامي لدماء الشهداء فيها قليلة بل معدومة، ولأنّ كلاً من الغرب وعملائه يتفقون على حربهم وقتلهم وقتالهم، فالقتلى- رحمة الله عليهم – لا بواكي لهم.
ولكن خلف تلك الأرقام الجامدة التي تعرضها وسائل الإعلام "الحيادية" التي حادت بنفسها عن الأمة ومشاعرها بل ودمائها، تقف حقيقة ينبغي أن يقشعر لها بدن كل مسلم هي أنّ هذه الأرقام للضحايا ليست تجريداً رياضياً، بل هي تعني أرواحاً أزهقت، ودماءً سُفكت من المسلمين الموحدين بالله الذين يحاربون الكفار على أرض الإسلام.
أليس المقاتلون ثلة مجاهدين من المسلمين؟؟ أليس أهل الأفغان جزء من أمة الإسلام؟؟ ألم تكن أرضهم من بواكير أرض الفتح المبارك؟ أليس لأهلها حرمة الإسلام وحق المسلمين على المسلمين؟
 كذلك خلف تلك الأخبار والأرقام يوجد الكثير من التفاصيل الغائبة، فخلفها كثير من الأطفال المروعين أو الحُرمات المنتهكة. وشهداء المقاتلين هم أيضا أنفس ولهم عائلات تبكي عليهم، ومعالون صاروا يتامى خلفهم. فالأمر إذاً أعظم بكثير من أن يُقدم وكأنّه نقص بسيط في مجمل العدد البشري لأمة المليار ونصف.
 إنّ دماء هلمند، كما دماء غيرهم من المسلمين في شتى أقطار الأرض، هي مسؤولية في رقبة كل مسلم، وسيُسأل عنها كل مسلم يوم القيامة، فالحساب عند الله لن يكون على أساس قطري ولا على أساس قومي ولا قبلي ولا غير ذلك، بل سيكون الحساب على أساس أننا أمة واحدة كالجسد، وهنا كالمعتاد يقفز عند الكثير من الناس السؤال المعتاد أيضاً، وهو ما الذي يمكننا عمله؟ وسائل السؤال هو أحد اثنين، أولهما سائل يائس يطرح الأمر ليعذر نفسه في القعود بل وعدم التفكير في الأمر، أما الآخر فهو من أعيته الحيلة وقهره العجز، غير أنّ عجز الفرد هو أمر طبيعي ووارد ما لم يكن هذا الفرد ضمن مشروع واسع للعمل من أجل التغيير،  ولكن هنا يرد السؤال الكبير:
أين موقع دماء أهل هلمند الزكية الطاهرة من مشاريع أصحاب المشاريع؟ من برامج الحركات وخطط الحكومات وتحركات السياسيين؟؟
السؤال هنا للإنكار وليس للاستفهام، إذ كيف سيكون للإسلام وللمسلمين موقع في أي مشروع لا يقوم أصلا على أساس الإسلام، وكيف سيتسع للمطالبة بدماء عامة المسلمين مشروع قام على أساس بقعة صغيرة تسمى الوطن، وما لبث أن ضاق بها ثم تخلى ذات المشروع عن معظم ذلك الوطن. ولذلك فإنّ هؤلاء لن تجد لرفع الظلم عنهم ورد الأذى مكاناً في مشاريع الحكام، لأنّ مشاريع الحكام هي ذاتها مشروع العدو الغازي، ولن تجد لهم مكاناً عند أصحاب العلمانية، ولا في برامج أصحاب المشاريع الوطنية، حتى لو كان هؤلاء ممن يقال لهم إسلاميون . فتلك المشاريع هي التي أدت بنا إلى هذا الحال عندما قامت على غير أساس من عند الله أو على أساس من جغرافيا بغيضة كانت نتيجتها تفرقة حتى في النظرة لدماء أبناء الأمة الواحدة وأرض الأمة الواحدة، فأصابت بذلك جسد الأمة الإسلامية وأطرافها بالشلل حتى لم تعد يد الأمة تستطيع الحراك لترد الأذى عن عينها.
وخلاصة الأمر أنّ من أراد العمل الجاد المنتج وأحب أن يلقى الله برئ الذمة تجاه إخوانه هؤلاء فلن تبرئ ذمته تلك المشاريع المذكورة، ولا أظن أنّ هنالك عمل جاد منتج أو مشروع تتكافأ فيه دماء المسلمين وتجد فيه هلمند أفغانستان مكاناً لها وكذلك أخواتها من فلسطين وتركستان وكشمير والشيشان وغيرها من بلاد الإسلام إلا مشروع واحد ألا وهو مشروع الخلافة والعاملين لها .
26-2-2010